بشير عيسىصفحات الرأي

رصاصة «الإخوان» في مسدس الجماعات الإرهابية!/ بشير عيسى

يرتبط الاغتيال السياسي عند «الإخوان» المسلمين بنشأة «الجهاز السري الخاص» الذي قدر المرشد عمر تلمساني نشوءه، بين 1935 و1936، في شكل وحدة نخبوية خاصة، ترتبط بالمرشد العام، حيث يؤدي الكادر الحاصل على مرتبة «مجاهد» قسم الولاء والطاعة للمرشد «في المنشط والمكره»، ويكون القسَم في غرفة مظلمة، على مصحف ومسدس.

وشكّل اغتيال الدكتور أحمد ماهر باشا، رئيس حزب السعديين ورئيس الحكومة، يوم 24 شباط (فبراير) 1945، بداية التصفية السرية. فعلى رغم خطورة هذا النهج وكارثيته، كان الأخطر في الدهاء السياسي الذي سبق وصاحب التخطيط لعملية الاغتيال، حيث لم ينفذ الجهاز العملية باسم الجماعة، وإنما باسم اللجنة العليا للحزب الوطني، إذ كان الجهاز مخترقاً من الأجهزة السرية الأخرى كافة، في الحركات الراديكالية المصرية، مثل «منظمة القمصان الزرقاء» الوفدية، ومنظمة «القمصان الخضراء» التابعة لحركة مصر الفتاة، إضافة إلى تغلغل كوادره في صفوف الجيش المصري.

فالجهاز كان قد اتخذ قرار تصفية أحمد ماهر، لمسؤوليته المباشرة عن إسقاط مرشحي الجماعة إلى البرلمان، وذلك بعد أن عمد إلى تزييف نتائج الانتخابات، وفق زعمهم، وأيضاً لمجاهرته بالعداء لهم. وأما دهاؤهم، فتمثل في توقيت الاغتيال وأسلوبه، حيث استغلت الجماعة فترة تعبئة الشارع التي قادها الوفد ضد رئيس الحكومة، وهنا ضربت عصفورين بحجر واحد: فمن جهة انتقمت من عدوها، ومن جهة ثانية حمّلت دمه لغريمها ومنافسها السياسي، «فكانت حملة الوفد ضد أحمد ماهر باشا، نوعاً من طلقة في مسدس «الإخوان» المسلمين».

شكلت هذه البداية نقطة انطلاق في مسيرة الجماعة، حتى بعد تحولها إلى حزب سياسي علني، إذ ظلت التورية الدينية والتقية السياسية سمة النهج والمنهج الذي طبع الحزب في معظم محطاته. ومن يراجع تاريخ الجماعة، يدرك بوضوح كيف انقلبت على كل من تحالف معها، وحين كان يصل الخلاف مع الخصوم السياسيين إلى مرحلة العلنية في الصراع، تظهر الباطنية الشرعية للجماعة، معلنةً «الجهاد»، ما يعني ضمناً تكفير الآخر، على ما فعلت «حماس» في غزة، مثلاً لا حصراً.

فـ «الإخوان» تاريخياً حابت الإنكليز، واليوم تحابي معهم الولايات المتحدة علّها تمكنها من تحقيق مشروعها. لذلك، ليس مستغرباً إعلانها الجهاد على معظم الأنظمة العربية التي لم تقبل بها باعتبار أن ولاءها الشرعي للتنظيم متقدم على ولائها لأوطانها. فما يُعلِن «الإخوان» عنه من مواقف، لا يعكس بالضرورة حقيقة ما تضمره. فالمكر السياسي الذي يقوم على مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة» هو ما أفشل مشروعها في حكم مصر، وقيادة «الربيع العربي».

والحقيقة أن تسرّع «الإخوان» في قطف ثمار الربيع العربي، فضح حقيقة نواياها، إذ مثّلت الهجمة «الإخوانية» على مؤسسات الدولة خطأ استراتيجياً، وخروجاً عن المبدأ البراغماتي للمؤسس حسن البنا، القائم على «التدرج في الخطوات». فهو يعتبر «أن الإخوان لا تفكر بأسلوب الثورة، ولا تعتمد عليها ولا تؤمن بنفعها ونتائجها… وأن فساد الأوضاع إذا قاد إلى ثورة، فإنها ليست من عمل «الإخوان» المسلمين ولا من دعوتها، ولكن من ضغط الظروف ومقتضيات الأحوال».

وبذلك يتضح أن الفكر الثوري ليس من أدبياتها في شيء، وأن «الوطنية» محطة ومرحلة ظرفية، يجب أن تخدم تحقيق مشروع إعادة إحياء الخلافة ولا تقف عارضاً دونه. فالبيعة الشرعية، بنظرها، يؤديها المسلم لحاكم واحد لا يشرك معه أحداً. من هنا، يمكن فهم حذر وتخوف معظم قادة الدول العربية، من هذا التنظيم.

يبقى أن نشير إلى التجربة الرائدة في تونس، والتي نأمل في تعميمها على باقي دول الربيع العربي. فحركة النهضة ليست أفضل حالاً من شقيقاتها في التنظيم العالمي، لكن جملة عوامل استدعت منها تقديم تنازلات مرحلية تقتضيها الضرورة. وأهم هذه العوامل تمثل في إزاحة «الإخوان» عن السلطة في مصر، والحضور الواسع للقوى العلمانية، إضافة إلى ضعف الانقسام العمودي في المجتمع التونسي. وهذه العوامل مجتمعة فرضت على راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، العودة إلى مبدأ «التدرج بالخطوات».

وهو ما يؤكده الفيديو المسرّب الذي جمع الغنوشي مع قياديين من التيارات السلفية حيث يقول: «المفروض على الإسلاميين أن يملأوا البلاد بالجمعيات، وينشئوا المدارس القرآنية في كل مكان، ويستدعوا الدعاة الدينيين، لأن الناس ما زالت جاهلة بالإسلام، ومن ثم يكون المرور إلى المرحلة المقبلة متاحاً». وزيادة منه في طمأنتهم، يوضح لهم استراتيجية منهجه، للخلاص من العلمانيين على مراحل، قائلاً: «إن الهاجس الذي يؤرقه في الوقت الحالي هو كيفية السيطرة التامة والمطلقة على الجيش والشرطة. وذلك لضمان تنفيذ المخطط الذي يقوم على أسلمة تونس وفرض الشريعة بالقوة، وإقصاء العلمانيين من الساحة».

ولم يتغير المسار المخفي لـ «الإخوان»، منذ اغتيال رئيسي الحكومة ماهر باشا والنقراشي باشا، في الأربعينات، وما تبعها من اغتيال قيادات سياسية وفكرية. الشيء الحقيقي الذي تغير أن رصاصتها باتت في مسدس الجماعات الإرهابية.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى