مراجعات كتب

«رقائم لروح الكون» للشاعر العراقي الكبير سركون بولص ترجمات شعرية عالمية مختارة

 

صدر «رقائم لروح الكون»، ترجمات شعرية مختارة للشاعر العراقي الكبير سركون بولص. وهو «غيض من فيض» هذا العاشق الأبدي للشعر حيثما كان من جهات الأرض الأربع، من الصين واليابان والهند القديمة، إلى أوروبا الحديثة، من القرون السابع والثامن والتاسع والعشرين. ولم يعمد سركون بولص إلى اختيارات تتصل باتجاهه الشعري أو بذائقته، لكنه، وبهاجس تقديم مروحة كبيرة للقصائد العالمية، فقد اصطفى مختارات تعددية الاتجاهات، وإن نال بعض الشعراء الأميركيين والانكليز حصة وافرة.

كتاب رائع، عرف المترجم الشاعر كيف ينقل بشفافية، ايقاع القصيدة ومناخاتها وأسرارها، لتضيف إلى العربية إرثاً عالمياً جديداً. وها هي الناشر (منشورات الجمل)، الشاعر الكبير خالد المعالي يوضح تراتبية القصائد وفضاءاتها.

ب.ش

كلمة الناشر

«رقائم لروح الكون، مختارات شعرية مترجمة» هو عملٌ آخر من تلك الأعمال التي وضع سركون بولص لبناتها معي، تاركاً لي مئات الصفحات المخطوطة والمنشورة، لغرض نشرها في كتاب، ووضع له صفحته الأولى بخطّ يده، وكلّف صديقه المغربي، الفنان عبدالكريم الأزهر بتنفيذ رسمة للغلاف وهي المعتمدة هنا.

لقد عمدت إلى ترتيب الأعمال الشعرية المترجمة هنا، حسب التاريخ، بدءاً من الأقدم فالأحدث وهكذا دواليك. أضفت تعريفات بسيطة بالشعراء، وهذه كانت فكرة سركون بولص، ولكن الوقت لم يتح له تنفيذها. أشرت إلى أماكن النشر، إن كانت منشورة سابقاً وتوصلت إلى هذا. هناك مقدمات كتبها لبعض الترجمات مثل المادتين المنشورتين في مجلة «شعر» أو في «فراديس» أو «القدس العربي» أو «عيون» لكني لم أضمّها إلى هذا الكتاب، إذ سيتم نشرها مع مقالاته في كتاب مستقل. الاستثناء الوحيد هنا، هو أنني أبقيت على مادة كتبها الصديق المشترك شتيفان فايندر لترجمة مشتركة له مع سركون بولص لبعض غزليات غوته الرومانية، وذلك للفائدة. هناك ترجمات مشتركة لقصائد ميروسلاف هولوب وشنكيتشي تاكاهاشي مع عبدالقادر الجنابي وقد تمت الإشارة إليها حيثما وردت في الكتاب.

أضفت لملف الترجمات الشعرية التي تركها الشاعر، ما استطعت أن أجده في المجلات والجرائد، وخصوصاً قبل هجرته إلى الولايات المتحدة الأميركية.. وعلى الأخص في مجلة «شعر» و«العاملون في النفط». أيضاً هناك ترجمات شعرية نشر بعضها تحت عنوان عام: «تنويعات» على قصائد أو أبيات لشعراء آخرين، وقد ضممتها إلى هذا الكتاب أيضاً. قصائد بعض الشعراء الذين سبق وأفردنا لهم كتباً خاصة بهم، والتي استطعت التوصل إلى ترجمات اخرى أنجزها سركون بولص، ولم تضمها تلك الطبعات، تم تضمينها هنا، وهي لكل من: س. ميروين، وتيد هيوز.

ومن أجل أن تكون المختارات منسقة أكثر، فقد تم إفراد فصل لكل مجموعة لغوية أو جغرافية، علماً أنه ترجمها جميعاً عن الانكليزية.

لقد تم نشر الترجمات كما هي، هكذا يقتضي العرف، ولم نلجأ إلى التهميش في أي حال. فقط تم تلافي الأخطاء المطبعية القليلة من دون الإشارة إلى ذلك. قسم كبير من هذه الترجمات متوفر لدي مخطوطاً، والباقي إما منشور في جرائد ومجلات أو كملف إلكتروني.

لم يأخذ هذا العمل شكله الحالي لولا مساعدة أصدقاء أخص بالذكر منهم: الشاعر صلاد فائق المقيم بين الفلبين وتركيا، الذي أمدّني بالعديد من أوراق الشاعر المختلفة، بعضها وجد طريقه للنشر هنا والآخر سيُنشر قريباً، الروائي صمويل شمعون المقيم تقريباً في لندن، الذي زودني بملفات الكترونية لبعض الترجمات التي لم أكن أملك بعضها، وبهذا أمكنني الإضافة والتدقيق، الشاعر والروائي سنان أنطون من نيويورك، الذي كنت أعود إليه خلال كل إشكال صادفني أثناء القراءات التدقيقية للترجمات، وخصوصاً في إزالة الالتباسات أو التوصل إلى حل لها، الشاعر محمد علي فرحات الذي زوّدني بملفات كنتُ أبحث عنها، الشاعر محمد مظلوم في دمشق، الذي قرأ الكتاب قراءة نهائية. ولا يمكنني بالطبع هنا أن أنسى فضل الصديق عبودي أبو جودة، صاحب مكتبة الفرات ببيروت، الذي منحني فرصة البحث في مجموعة المجلات الأدبية لديه والتي أفادتني ايما إفادة، والصديق محمد الجعيد، مدير التوزيع السابق، في دار الرياض نجيب الريس للنشر، الذي أتاح لي امكانية الاطلاع على المجلات الأدبية التي بحوزة الدار، والشكر موصول أيضاً إلى الصديق حسن شمص لجهده الدؤوب في تزويدي بنسخ لكل ما وصلت إليه يداه من أعمال منشورة لسركون بولص في الصحف والمجلات وذلك لغرض المقارنة والتأكد. كما لا أنسى الجهد الكبير الذي بذلته السيدة كرستيان العنان مشكورة، مديرة مكتبي، في طباعة عشرات الصفحات المتناثرة من هذا الكتاب.

غير أن كل الأخطاء في هذا الكتاب من ناحية الطباعة واللغة والنسبة، يتحملها الناشر وحده.

توجد، بالتأكيد، ترجمات منشورة أو غير منشورة لم يضمّها هذا الكتاب، وهي قد تكون قليلة، لم أصل إليها رغم كل الجهود التي بذلتها على مدار سنوات، لأسباب كثيرة، أتمنى أن يفلح الزمن في تجاوزها.

خالد المعالي

 

مختارات

 

بو تشو-ئي Po Chu-i

 

(شاعر صيني، 846 – 772)

 

] زهرة

 

تبدو كالزهرة، لكنّها ليست زهرة.

تبدو كأنّها ضبابٌ، لكن ما هي بالضباب.

إنها تأتي في منتصف الليل

وتغادرُ في الصباح.

مجيئها مثل حلم ربيعيّ لا يدوم طويلاً.

ذهاباً مثل غيمة صباحيّة. ولن تجدها في أيّ مكان.

 

] أنا

 

لحيةٌ بيضاء ووجهٌ مورَّد –

سعيد في سكري الخفيف.

مائة سنة تمرّ في لحظة.

 

 

وليم بليك

(شاعر انكليزي 1757 – 1828)

 

] الزهرة العليلة

 

آه أيتها الزهرة، أنت عليلة!

إن الدودة الخفيّة

التي تطير ليلاً

في العاصفة العوّاءة

قد وجدت مرقدك

الطافح بالمتعة القرمزية:

وها أن حبها السرّي القاتم

يدمّر حياتك.

 

] ردّ على الكائن

 

«لماذا لا تتعلم السلام من الخروف؟»

«لأنني لا أريدك أن تجزَّ صوفي».

 

والت ويتمان Walt Whitmann

(شاعر أميركي، 1819 – 1892)

 

] عندما سمعت الفلكي العلامة

 

عندما رتبت الأدلة، الأرقام على شكل عواميد أمامي،

عندما أروني الخرائط

والايضاحات، من أجل

الضرب والقسمة، وقياسهما

عندما سمعت وأنا جالس الفلكي

العلامة حيث كان يحاضر ويعلو

من أجله التصفيق في قاعة المحاضرات،

بأية سرعة، ودون علمي، أصبت بالتعب والغثيان،

حتى نهضت وانسللت إلى الخارج لأطوف وحدي

في هواء الليل الصوفي البليل، ومن وقت لوقت أرفع رأسي بصمت متطلعاً إلى النجوم.

 

ستيفن كرين Stephen Crane

(شاعر أميركي، 1871 – 1900)

 

] رأيت رجلاً

 

رأيت رجلاً يطارق الأفق؛

ظل يلاحقه والأفق يهرب.

أقلقني هذا الأمر؛

فرافقت الرجل.

قلت – «إن هذا سدى

فأنت لن تستطيع قط أن –»

قاطعني صارخاً «إنك تكذب».

وعاوَد الركض.

 

وليم شكسبير Shaksepeare

(شاعر انكليزي، 1564 – 1616)

 

] سونيت (55)

 

لا الرخام، ولا أنصاب الأمراء الموشّاة بالذهب

سيكتب لها أن تدوم أطول من هذا الشِعر المجيد

بل أنّك سوف تشعّ في هذه الأبيات بألق أكثر

ممّا لشاهدة غبراء، لوَّثها الزمان الهلوك،

عندما تُطيح الحربُ المبيدةُ بالتماثيل،

وتقتلع النزاعاتُ من أساسه ما شيّدتُه يدُ الباني،

فلا مارس بسيفه، ولا نيران الحرب الراعفة

ستحرق في لهيبها السجلّ الحيّ لذكراك.

إنّك ستخطو قدماً في وجه الموت

والطغيانِ الذي يمحو كلّ ذكرى؛ فما زال ثمّة مكان

بانتظار مديحك حتّى في عيون الآتين، الذين

يرثّ هذا العالم تحت خطاهم قبل أن يلاقوا حتفهم الأخير

لذا، ستحيا، حتّى انبعاثك يومَ القيامة

في شِعريَ هذا، وتبيتُ في عيون العشاق.

 

 

وليم كارلوس وليمز

 

(شاعر أميركي، 1883 – 1963)

 

] الشجرة أنوفٌ، والغصن ينحني

 

ينحني، ينحني

إلى الأرض. ها إن طرفه

يصل إلى قبعات المارة

ويطاله الأطفال قافزين، متشبثين به –

عاضين له: إنها نخرة،

ولسوف تكتظ بالأزاهير في

الربيع. ثم ستنهار خائرة

من ثقلها بالذات

أو من شدّ الباحثين عن الورد

حين انقضاضهم عليها. لكن الشجرة

ستبقى شامخة بأنفة

وقد تحرّرت من هذه المذلة.

 

] مَوْت

 

لقد مات

* * *

لم يعد واجباً

 

عزرا باوند

 

شاعر أميركي (1885 – 1972)

 

] غناء

 

اذهبي، يا أغنياتي، فتّشي عن مديحك

بين الشباب ومن لا يطيقون الرضوخ.

تنّقلي بين عشّاق الكمال وحدهم.

جاهدي أبداً أن تقفي في النور السوفوكليسي الصلب

وأن تتلقّي منه جراحَكِ بغبطة.

 

 

اليزابيت بارتليت Elizabeth Bartlett

 

(شاعرة أميركية، 1911 – 1994)

 

] شجرة التين العارية

 

كان ينبغي أن تراهم، أبتاه، يوم

أن هاجموا، يوم مظلم كالليل،

وسحابات النار في كلتي المقدمة والمؤخرة. لقد

ركضوا كالخيول، تسلقوا جدراناً، حطموا

صفوفاً، تجسّسوا عبر نوافذ،

ووجوههم متأذّية، سوداء،

بينما نزفت الأرض حتى احمرّ القمر.

حسناً، إن للشيوخ أحلامهم وللشبان

رؤاهم، لكن ذلك اليوم لن يعود ثانيةً

حتى تسقط الجبال، والتلالُ

تدفننا، إن كانت لا تزال هنا

لقد رأيت أرضاً خضراء تتحوّل إلى ملح،

وديداناً تتعفّن تحت مدراتٍ، بينما البشر

يناقشون شروط السلام.

 

(نُشرت في شعر، عدد 39، 1968)

 

و.س. ميرون

 

(شاعر أميركي، 1927)

 

] استهلال

 

النهار يتدلّى من قدميه

وفي صوته ثقب

على الرمل ينسكب الضياء

ها أنا بفمي اليابس مرة أخرى

لدى نافورة الأشواك

أستعدّ للغناء

 

] اقتصاد

 

لا حاجة لكسر المرآة.

ها هو الوجه مهشّم،

صالح لسبع سنين من الأحزان.

 

(نُشرت في فراديس، العدد 3، 1992)

 

تشارلز بويل

 

(شاعر انكليزي، 1951)

 

] فتوة

 

أجلس وحيداً في غرفة

وحول رأسي ضماد

دون أن أفعل شيئاً خارجاً عن الصواب

مرتين أو ثلاثاً كلّ نهار

تأتي فتاة في بكورة عشريناتها

إلى بابي المفتوح

حاملة قوساً مغولياً

وتتطلع حواليها قليلاً

باحثة عن السهم.

 

 

أوكتافيو باث Octavio Paz

 

(شاعر مكسيكي، 1914 – 1998)

 

] هُنا

 

خطواتي في هذا الشارع

تصدّي

في شارع آخر

أسمعُ فيه

خطواتي

تعبُر هذا

الشارع الذي فيه

ليس حقيقياً سوى الضباب.

 

نينا كاسيان Nina Cassina

 

(شاعرة رومانية، 1924 – 2014)

 

] حادث

 

يا رب ارحمي من تينك الشفرتين

الوامضتين، الحسد والخديعة.

لأنني أستيقظ نازفة، مركومة على السكة

حيث تركوني لأموت، تماماً كما عثرت أنا ذات يوم

على خروف أكثر براءة مني بكثير.

 

هاينريش هاينه

 

(شاعر ألماني، 1717 – 1856)

 

] في عالم المحتاجين

 

الطريقة الوحيدة للنيل من الأغنياء

هي الإطراء من أوطأ الأنواع –

كما قد تُملّس الدنانير، بأعزّ من عندي

باليدين، لتكتسب النعومة.

طحّ بالمباخر إلى علوّ أكثر، كن وقحاً

أمام هذه العجول الذهبية المتشبّهة بالآلهة:

تعبّد إليها غارقاً في الوحل والتراب –

ولكن قبل كل شيء، لا تمدح إن لم يأتِ كاملاً

ذلك المديح.

أسعار الخبز ارتفعت هذا اليوم

ومع ذلك ما زال يمكن الحصول مجاناً على أبدع الكلمات –

لذلك اذهب إلى كلب «مسيناس»، أكتب له نشيداً

وكلْ كفايتك من الطعام.

 

هاري مارتسون

 

(شاعر سويدي، 1904 – 1978)

 

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى