صفحات الناسوليد بركسية

ركام سوريا لم يغيّر “بدنا حل”/ وليد بركسية

 

 

ثلاثة سنوات كاملة على توقف موقع “بدنا حلّ”، لم تغيّر شيئاً في تصميمه ولا في رؤية أصحابه الفنية والفكرية. تتمدد التجربة الإعلامية الخاصة بالموقع بين التدوين والصحافة الثقافية المستقلة، ومكافحة المشكلات والصعوبات المتعددة التي فرضتها الظروف المادية وحدثيات الحرب السورية، لتقول بصوت عال كما اسم الموقع تماماً: “بدنا حل”.

ربما، طبيعته فرضت عليه البقاء في الصورة نفسها، على الرغم من التبدل السياسي الدراماتيكي في سوريا. “نحن مجموعة من الشباب مؤمنة بالحرية تحاول إيصال صوتها وسط الضجيج الذي ملأ العالم”. هكذا يعرف الموقع القديم – الجديد عن نفسه للقراء.

نظرة سريعة على الموقع توحي بمضمونه العام. جو ثقافي أقرب للنخبوية البعيدة عن الحدثية، هو مجلة إلكترونية تحاول تقديم نوع أرقى من المعلومات والأفكار في إطار الأدب والفن ومواد الرأي وغيرها، أي أنه موقع يشبه كثيراً من المشاريع الإعلامية الحالمة عموماً، القريبة من التجارب الفردية التي تضمحل بسرعة في ظل الصعوبات المادية وقلة التمويل المرافق لهذا النوع من الإعلام (مجلة الحياة الجديدة على سبيل المثال)، لكن الجديد في الموقع هو عودته من تحت الركام بعد ركود طويل.

يقول دلير يوسف أحد أعضاء فريق العمل لـ”المدن”: “كل العاملين في الموقع سوريون أو فلسطينيون سوريون، بدأنا العمل في نهاية 2009 ثم توقفنا منتصف 2011 والآن نعود من جديد”، متحفظاً عن التعريف بأعضاء الموقع كافة لدواعٍ أمنية يفرضها وجود بعض أفراد الموقع في مناطق يسيطر عليها النظام.

يعزو يوسف توقف الموقع عن الصدور أول مرة إلى تشرذم فريق العمل الأساسي بفعل الأحداث في البلاد “فمنهم من اعتقل ومنهم من لجأ إلى الخارج ومنهم من فضل الابتعاد عن الموضوعات العامة”. أما تشابه اختفاء الموقع مع اختفاء مشاريع مماثلة، فيعود الى”عدة أسباب موضوعية”، كصعوبات الدعم المادي وصعوبات خلق صوت جديد ضمن زحمة الإعلام الجديد بعد الثورة.

قرار تفعيل الموقع مجدداً، يبدو مفاجئا ووليد لحظته مع كمّ كبير من الجمود والنوستالجيا. ربما كان من الأفضل إطلاق تجربة جديدة بعد كل ما جرى على الأرض السورية، لكن يوسف يوضح أن القرار بتفعيل الموقع اتخذ بعد شهور من التحضيرات. أما فكرة الموقع الجديد فيراها غير مناسبة تماماً لأن “المواقع السورية التي تهتم بالمجالات نفسها كثيرة ونحن لسنا بصدد المنافسة بل نطرح صوتنا ونضمه إلى مجموع الأصوات، عسى أن ننتج ذات يوم ثقافة سورية لائقة”.

يضيف يوسف في السياق نفسه: “اعتمدنا على موقعنا القديم لعدة أسباب منها أن رسالتنا لم تتغير رغم كلّ ما يعصف بنا، ما زلنا نبحث عن حلول لمشكلات تصعب يوماً إثر يوم، وكنّا قد حققنا نجاحاً نسبياً خلال سنتين من العمل فلم نرغب برمي الماضي خلفنا. نحن مشروع ثقافي ولسنا دكانة. فضلاً عن حبنا للمشروع الذي نحب أن نراه مستمراً لا ميتاً”.

من المبكر إطلاق أي حكم على ما سيقدمه الموقع.. ومن المبكر أيضاً توقع مدى استمراريته. ففي عدده الأول بعد العودة، طرح الموقع مجموعة من المقالات الفكرية التي تناقش قضايا راهنة كتهجير المسيحيين من المشرق، وتحقيقات اجتماعية – سياسية من واقع الحرب السورية، ومواد ثقافية وبروفيلات إعلامية (الشاعر السوري رياض الصالح حسين) إضافة لمواد أدبية مترجمة أو خاصة بالموقع مع لوحات فنية ورسوم كاريكاتير. كلّها مواد تصب في إطار الإعلام الثقافي الفاقد للجاذبية بالنسبة لعموم الناس، ما يضع الموقع في مواجهة خطر الإقفال من جديد في أي لحظة.

طبيعة الموقع تجعله يبدو أقرب لضرب من ضروب الترف الفكري أو الرفاهية في ظل الحرب التي تعصف بالبلاد. وقد يراه البعض أيضاً انفصالاً عن الواقع. لكن فريق “بدنا حل” يحمل وجهة نظر مغايرة تماماً لا تخلو من المنطق. يقول يوسف: “العمل الثقافي بالتأكيد ليس نوعاً من الرفاهية، بل هو رافد للمجتمع يساهم في حفظ تفاصيل الحياة التي تقتلها الحرب في كل ثانية. مهمة المواقع الثقافية المساهمة في خلق وعي مجتمعي وطرح أسئلة حقيقة قد تساهم بشكل أو بآخر في خلق حل، كما تساهم في حفظ ذاكرة الشعوب. الحرب لا تعني أن نجلس في بيوتنا وننتظر الموت”.

لا يدري يوسف على وجه التحديد إن كان فريق “بدنا حل” قد تجاوز المشاكل الأساسية التي أدت لتوقف الموقع عن الصدور سابقاً، مضيفاً أن مشكلات جديدة ظهرت للفريق وهي البعد الجغرافي المرافق لتشرذم الكادر في دول العالم، فالفضاء الإلكتروني هو ما يجمع أعضاء “بدنا حل”: “بعض العاملين يعيش في سوريا وبعضهم في دول الجوار والبعض في أوروبا”.

أهداف الموقع لا تزال كما هي قبل ثلاث سنوات، ربما لأن الركود الكبير في المجتمع السوري أكبر من أن تغيره الحرب الأهلية نفسها، خصوصاً وأن الموقع يطمح وفق يوسف إلى “المساهمة ولو بقدر صغير في رفع الوعي الجمعي لدى المجتمعات المحلية السورية من الناحيتين الثقافية والعلمية”، إضافة لتكوين منبر للشباب الذين لا يجدون طريقهم للنشر في الإعلام التقليدي، وتقديم رؤى جديدة لما يكتب باللغة العربية، مع التركيز على مخاطبة الشباب بالدرجة الأولى، وتذكر تلك الأهداف نوعاً ما بموقع “بلوكة” المتخصص أكثر في الكتابة الأدبية الإبداعية.

الموقع، حلّ كتابي أيضاً في ظل توجّه مسؤول غير ربحي بدأ بالانتشار في سوريا لتقديم إعلام أرقى من الإعلام الترفيهي والاستهلاكي وإعلام السياسة والحرب السائدين اليوم.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى