صفحات العالم

روسيا المعطِّلة

 


محمد ابرهيم

ما زالت روسيا تمنع سلوك “الملف” السوري طريق مجلس الأمن. والمعلن كسبب لذلك ان تجربة الملف الآخر، الليبي، غير مشجعة. فقد جرى الإنتقال من “حماية المدنيين بكل الوسائل”، الى التدمير المنهجي لقوات القذافي بدون ان يتطلب ذلك وقفة جديدة من المجلس.

اما غير المعلن فهو اتضاح ان هناك قرارا اميركيا-اوروبيا بتعامل مع الإضطرابات الجارية في المنطقة العربية من شقين: قلب جذري للأنظمة التي تأسست على انقلابات ما بعد 1948، وتغاض عن بقاء ملكياتها وإماراتها، مع تعديلات طفيفة حيث امكن.

من البديهي القول ان النجاح المتدرج لمثل هذه الإستراتيجية يغلق امام موسكو ابواب هذا القسم من الشرق الأوسط الذي بذلت الكثير منذ منتصف خمسينات القرن الماضي لولوجه. ومع السقوط المنتظر للقذافي وصالح لا يبقى من الإرث “الجمهوري” القديم سوى سوريا والجزائر. والمواجهة في الأولى اكثر حظا بالنجاح نظرا الى حساسية الموقع السوري الجغرافي.

المواجهة الروسية الحالية لا تشبه بالتأكيد المواجهات السوفياتية السابقة. فتجربة العقدين السابقين تشير الى ان روسيا لا تستكمل معاركها حتى نهاياتها، نظرا الى ضعفها الإقتصادي والى نقاط ضعفها الكثيرة في “فنائها الخلفي” المباشر. مما جعل المواجهات بداية مساومات تنتهي بالتضحية بالنفوذ البعيد لمصلحة النفوذ الأقرب.

اليوم لا ملفات ساخنة لدى روسيا تجعلها مضطرة لمساومات سريعة، والملف العالق الأبرز مع اميركا، اي الدرع الصاروخية التي لاتزال اميركا عازمة على نشرها في المحيط الأوروبي المجاور لروسيا، شائك وطويل الأمد، مما يعني اننا لن نكون سريعا امام صفقة روسية-اميركية على حساب النظام في سوريا.

والتصلب الروسي بشأن سوريا يفسر الى حد بعيد التطور الي طرأ على الموقف التركي. فبعد التهديد بأن ما يحصل في سوريا يعني تركيا مباشرة، والتذكير بالحدود الطويلة بين البلدين، والتلميح الى ان تركيا لن تسمح بترك السنّة في سوريا يواجهون منفردين قمع النظام، عاد الهدوء الى الموقف التركي وعاد ترغيب الرئيس السوري بقيادة الاصلاح دون وضع سقوف زمنية سريعة له.

وإذا وضعنا الموقفين الروسي والتركي في سياق واحد نتذكر ما كان يجري في خمسينات القرن الماضي، عندما كان تحريك الحدود التركية-السورية يقابله تحريك للحدود السوفياتية- التركية، مما كان يشكل موازنا للضغوط الأطلسية على سوريا.

هذه الموازنة الروسية للدور التركي، الذي لايزال اطلسيا، تعطي النظام في سوريا فرصة اضافية وتلقي على كاهل المعارضة السورية عبئا اضافيا، اذ يصبح عليها اثبات ان الوضع الداخلي يستطيع تعويض شبه تعطيل العامل الدولي الذي كان حاسما في المواقع الأخرى للتغيير العربي.

 

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى