صفحات العالم

روسيا حين تتنصّل من «التهدئة»

 

 

واشنطن بوست

في العام المنصرم، أُبرمت سلسلة اتفاقات وقف نار عُرفت بـ «مناطق التهدئة أو خفض التصعيد» في سورية، ومنها منطقة تحميها الولايات المتحدة في شمال غربي البلد هذا. وزعم الكرملين أنه يرمي إلى إطفاء الحرب الأهلية في سورية وتعبيد الطريق أمام اتفاق سلام بين نظام بشار الأسد ومجموعات الثوار، والغرب يدعم بعضها. وتساءل مراقبو الحرب السورية ما إذا كانت اتفاقات السلام هذه ستلقى مصير اتفاقات كثيرة سابقة وافقت عليها روسيا ونظام الأسد، وستُفض وينفرط عقدها حين تنتهي روسيا وحلفاؤها من إعداد العدة لشن هجمات جديدة على مناطق الثوار.

وعلى خلاف المراقبين هؤلاء، سارع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب ومساعدوه، إلى إبداء التفاؤل بصدق نظيره الروسي، فلادمير بوتين، وإخلاصه. «إذا حصلنا… على مزيد منها [من اتفاقات وقف النار]، وجدنا بين ليلة وضحاها أن الرصاص خُزِن ولم يعد يطلق في سورية»، قال ترامب في تموز (يوليو). ووافقه وزير الخارجية، ريكس تيلرسون الرأي وقال أن الحكومة الروسية تبدي قدراً من الالتزام ويعتد بكلمتها.

ولا بد أن الإدارة الأميركية تكتشف اليوم، مثلما فعلت قبلها إدارة باراك أوباما، وزن الكلمة الروسية أو صدقية كلام موسكو في سورية. فمع مؤازرة جوية روسية كبيرة، تشن قوات الحكومة السورية هجمات جديدة على منطقتين من مناطق خفض التصعيد، في الغوطة الشرقية بضاحية دمشق ومحافظة إدلب الشمالية. وعلى نحو ما درجت عليه، تتوسل بتكتيكات منها جرائم حرب: قصف متعمد للمستشفيات. وثمة حملة نزوح كبيرة في إدلب – ولجأ إليها مئات آلاف السوريين في مراحل الحرب السابقة. واليوم يفرّ أكثر من مئة ألف شخص من الهجمات في إدلب إلى الحدود التركية. واحتجت تركيا على المجزرة المتواصلة هناك (إدلب) احتجاجاً حاداً. وسبق أن أبرمت أنقرة اتفاق وقف نار في هذه المنطقة مع روسيا. ومن جهة أخرى، تشكو روسيا من هجمات على قاعدة من قاعداتها الجوية استُخدمت فيها طائرات درون مجهولة المصدر وبدائية الصنع. وتبذل إدارة ترامب ما في وسعها لتجاهل سفك الدماء في إدلب والغوطة الشرقية. ويحاول مسؤولون أميركيون تخفيف فداحة ما يحصل في الميدان الإدلبي بالزعم أن المنطقة تهيمن عليها مجموعات مرتبطة بـ «القاعدة». ومثل هذا التفسير، وهو الذريعة النمطية التي يتوسل بها نظام الأسد وروسيا للتنصل من الالتزامات السابقة، يسير وفي المتناول. وفي وقت تسيطر مجموعات متطرفة على شطر كبير من إدلب، تقول تركيا أن وحدات معتدلة من «الجيش السوري الحر» تشارك في القتال – وهذا ما سمعناه من قادة الجيش هذا حين زيارتهم، أخيراً، واشنطن. وتُحمَل موجة كبيرة من اللاجئين على التوجه إلى تركيا. واللاجئون هؤلاء ليسوا إرهابيين وهم يبيتون في العراء في شتاء قارس. وإذا نجح الهجوم، تعاظم رسوخ روسيا وإيران، حليفتا نظام الأسد، في سورية. ويبدو أن الولايات المتحدة ستخسر من جديد أمام روسيا في سورية. فنظام الأسد يسعى من غير كلل إلى بسط سيطرته على البلد كله بالقوة، وموسكو تساعده في جرائمه وضالعة فيها. ورفض إدارة ترامب تحدي هذه الاستراتيجية العنيفة والدموية أو حتى الاحتجاج عليها، يُعري ضعفها.

* افتتاحية، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 11/1/2018، إعداد منال نحاس.

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى