صفحات سوريةميشيل كيلو

روسيا ستغير بشار الاسد ….لافروف و الحل السوري


ميشيل كيلو
يبدو أن الروس يتلمسون طريقهم إلى موقف جديد حيال الأزمة السورية ، أولى علاماته تطور لافت جعل وزير خارجيتهم السيد لافروف يطالب مرتين خلال وقت قصير بحل سوري على الطريقة اليمنية، يكون بدل الحل على الطريقة الليبية، التي رفضها. هذا الموقف يضمر جانبين مهمين، هما:

– تغير في النظرة إلى النظام عامة ورئيسه الدكتور بشار الأسد خاصة، الذي يبدو أن روسيا صارت مستعدة لقبول بديل له في سدة الحكم، يقال إنه نائبه الأستاذ فاروق الشرع، الذي يحظى بقبول أطراف سورية كثيرة، بينها جهات معارضة، وتوجد معلومات حول زيارة سرية قام بها يوم 16 من الشهر الماضي إلى موسكو، دون أن يؤكدها أي جانب أو يعلن عن موضوعها.

– تغير في الموقف من المعارضة، التي كانت النظرة الرسمية الروسية تعتبرها إلى ما قبل أيام قليلة مسلحة وتتحمل قسطا كبيرا من المسؤولية عن العنف، وها هي تقترح، أن يكون رئيس الوزراء القادم منها، طبقا لنموذج الحل اليمني، وتقبل بالتالي أن يوضع جزء رئيس من السلطة التنفيذية بين يديها، وأن تكون هناك مرحلة انتقالية نحو نظام بديل للنظام الراهن ، يشبه ما تدعو المعارضة إليه .

وكانت بدايات التغيير في الموقف الروسي قد لاحت مع تقديم مشروع قرار روسي إلى مجلس الأمن أدان العنف الرسمي فضلا عن عنف المعارضة ، فكان ضربا من إشارة لافتة إلى يأس الروس من نجاح الحل الأمني المعتمد من النظام منذ قرابة عشرة أشهر، ودليلا على عجزهم عن تغيير موقف الدكتور الأسد ، الذي كان الرئيس الروسي ميدفيديف قد هاتفه مرتين خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، طالبا وقف الأعمال الأمنية وبدء إصلاح جدي وملموس ، بينما بعث رئيس الوزراء بوتين إليه رسالتين تطالبانه بالشيء ذاته : وقف العنف وتطبيق إصلاحات حقيقية . بيد أن مطالبات الزعيمين الروسيين لم تلق قبولا لدى الرئيس السوري ، الذي واصل تأييد سياسات الحل الأمني وإرجاء أي إصلاح داخلي جدي، وعلق آماله على احتمال أن يعيد العنف الوضع إلى ما كان عليه قبل يوم 15 آذار الماضي، فيبقى الإصلاح عندئذ برانيا ومسيطرا عليه ويعيد إنتاج وتجديد النظام وعلاقاته السائدة منذ نيف وأربعين عاما مع الشعب .

وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قد أعلن في آخر مؤتمر صحافي عقده أن الدبلوماسية السورية تنسق بصورة يومية مع من أسماهم الأصدقاء الروس ، وألمح إلى أن الدعم الروسي لدمشق لم يتراجع أو يفتر، فجاء تقديم مشروع القرار إلى مجلس الأمن يقترح إدانة عنف السلطة ، ثم أعقبه تصريح لافروف الذي يؤيد حلا للأزمة السورية من النموذج اليمني ، ليدحضا ما قاله الوزير المعلم ، ويؤكدا أن الروس سئموا سياسة سد دروب السياسة والتغيير التي يمارسها النظام ، التي تغلق أبواب خروج سوريا من أزمة تهدد بإشعال نار إقليمية ودولية منفلتة من عقالها ، في حين تتزايد يوميا احتمالات تدويل الأزمة، مع ما يعنيه ذلك من إحراج روسيا ووضعها أمام اختبار ليست بحاجة إليه في ظل حالها الداخلي الراهن ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية الكثيرة، ولا قدرة لها على قبول ما ينطوي عليه من تحد للغرب ، ومن إطاحة محتملة لما بقي لها من مصالح في سوريا ، ستخسرها في حال عجزت عن حماية النظام، وستفوت على نفسها فرصة تحقيق حل وسط يريده الغرب، يحفظ مواقعها ودورها في حل يجنبها وغيرها من القوى الدولية الذهاب إلى سياسات تتسم بتحديات لا وقت لديها لها ، يجهل الجميع في موسكو وعواصم الغرب كيف ستكون نتائجها ، لكنهم يعلمون أنها ستكون مفتوحة على مخاطر شتى لا حدود لتعقيدها، علما بأنهم يراقبون تطورات العالم العربي الراهنة بعين القلق ، ولم يطوروا بعد طرقا ناجعة لضبطها والتعامل المفيد معها ، تستطيع توجيهها إلى حيث يرغبون .

لم تأت مبادرة روسيا في مجلس الأمن من فراغ ، ورغم تحفظات الغرب عليها فإنه كان بحاجة إليها لأسباب عديدة ذكرتها قبل قليل . لكن الروس ما لبثوا أن طوروا موقفهم بعد مشروع قرارهم في المجلس ، عندما أعلن وزير خارجيتهم ، المعروف بدعمه القوي للنظام السوري ، فكرة تطبيق حل يمني في سوريا ، مع ما يضمره من تبدل في موقفهم من بعض رموز النظام في دمشق، وقبول بحل وسط يضع سلطات مهمة في يد معارضيه ، مع تأسيس مرحلة انتقالية تأخذ البلاد إلى نظام حريات وانفتاح على المشاركة الشعبية ، يتم التوافق عليه في مفاوضات بين أهل الحكم وأهل المعارضة ، تخرج سوريا بعده من مأزقها ، مثلما أخرج اليمن من مأزقه .

هذا الحل ، وهنا تكمن نقطة قوته ، يفترض أن يتم بجهود أهل الداخل السوري الرسمي والشعبي ، وبجهود عربية ودولية متضافرة ، وأن يقطع الطريق على تدويل الأزمة ، ويسد المسالك التي يمكن أن يتسرب منها التدخل العسكري، فيكون في إقراره وتنفيذه مصلحة سوريا والعرب والعالم، ووصول الوضع الفائق الخطورة بالنسبة لجميع هذه الأطراف إلى مخرج عملي يأخذه بعيدا عن احتجازه الراهن ، ويضعه في عهدة مصالحة داخلية وضمانات عربية ودولية لا يستطيع أحد رفضها كي لا يعرض نفسه لما لا يستطيع تحمله من مواقف موحدة ، حاسمة أو فاصلة.

لا مفر من أن تناقش المعارضة السورية اقتراح لافروف بالجدية اللازمة، ومن أن تقبله ، على أن يوضع جدول زمني تنفيذي قصير الأمد لتحقيق ما تضمنته مبادرة الجامعة العربية من وقف لأعمال القتل ، وإطلاق لسراح المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة ، وسماح بالتظاهر السلمي ، مع تحديد موعد يكون قريبا يبدأ فيه التفاوض حول النظام الانتقالي الجديد ، يكون الروس من المساهمين في إقامته والضامنين لوجوده واستمراره ، ضد من قد لا يقبل بتنفيذه من أهل السلطة وأجهزتها الأمنية أو بعض الأطراف في المعارضة أو الشارع. لا بد إذن من اتصال مع موسكو، تتمثل فيه أطياف المعارضة جميعها، ينصب على تنفيذ الحل وشروطه وضماناته، ما دام الحل اليمني مخرجا جديا ومقبولا لأزمة تبدو بلا مخارج ، وليس لدى المعارضة أو النظام القدرة على الخروج بقواهما الخاصة منها، أو وضع حد لها، أو إيجاد تسوية مقبولة حولها .

سيطمئن الدور الروسي المميز موسكو إلى وضعها في سوريا الغد ، وسيقنعها بأنها لن تكون ضحية لعبة أمم جديدة ، وأن السوريين لا يريدون لها الخروج من بلادهم ، ولن يتخلوا عن صداقتهم التاريخية معها ، وأنهم بحاجة حقيقية إليها ، حماية لدولتهم ومجتمعهم ، وتوطيدا لاستقلالهم وحرية قرارهم .

لا يجوز أن تعطل المعارضة دورا روسيا هذه نتائجه وممكناته ، ومن واجبها تسهيله وجعله حاكما في حل الأزمة ، لأن ذلك هو ، في جميع الأحوال ، أفضل الخيارات المتوفرة لنا اليوم كسوريين يحبون وطنهم ويؤلمهم ما آلت إليه أحواله !.

كاتب و معارض سوري

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى