سلامة كيلةصفحات سورية

روسيا كإمبريالية مجرمة/ سلامة كيلة

 

 

قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إن بلاده كسرت الثورات في الشرق الأوسط وأفريقيا. وهو يعترف بأن وحشية روسيا في سورية هي التي كسرت الثورات العربية، ولا شك في أن سورية كانت المكان الذي كان يجب أن تُكسَر الثورات فيه، بعد أن فشلت السياسة الالتفافية الأميركية في وقف مدّ الثورة، كما لم يؤدِّ التدخل العسكري في ليبيا إلى وقفها. وكانت طبيعة النظام الوحشية مناسبةً لأن تكون سورية المكان الأفضل لذلك.

هذا ما أرادته أميركا التي قرَّرت تشويه الثورة، وإعطاء النظام مبرّرات اتهامها بالارتباط بالخارج. وهذا ما أرادته السعودية التي خشيت من امتداد الثورة إليها، فدعمت النظام سرّاً، ونفذت ما يفيد استراتيجيته في مواجهة الثورة (كما أشار بشار الأسد نفسه). وهذا كان موقف الرأسمال الإمبريالي بمجمله الذي عبّر عنه الإعلام التابع له، والذي عمل، منذ البدء، على تشويه الثورة باعتبار أنها حرب أهلية وصراع طائفي، ومن ثم إرهاب. وكانت إيران تريد السيطرة، وسحق الثورة، خشية أن تتكرّر فيها بعد الثورة الخضراء التي حدثت سنة 2009. وأيضاً كانت روسيا ترتعب من الثورات، وفي الوقت نفسه، تريد التدخل من أجل فرض وجودها الفعلي في “الشرق الأوسط”.

لعب كلٌّ من هؤلاء دوراً ما للوصول إلى سحق الثورة، وإيقاف توسّع المدّ الثوري الذي بدأ من تونس، وقام بما يؤجج الصراع ويشوهه. لكن روسيا وحدها طرحت على نفسها مهمة سحق

“روسيا تنفّذ إرادة الرأسمال الإمبريالي، ولا تستطيع أن تحصد النتائج لصالحها”

الثورة وكسر الثورات العربية. قامت نيابة عن كل هؤلاء بالدور الأخطر، والأكثر وحشية لسحق الثورة في سورية. عادت إلى تكرار دورها القيصري في أن تكون حصن الرجعية في أوروبا إبّان ثورات سنوات 1848/1851. هذا هو مختصر تصريح شويغو، فهو يلخّص موقف الرأسمالية بمجملها، ويوضح أن روسيا هي التي نفذت إرادة هذه الرأسمالية. إن روسيا هي، بالتالي، الأداة القذرة للطغم الرأسمالية، وهي تعي ذلك، وتعلم أنها تقوم بهذه المهمة.

يعيد التذكير بهذا التصريح، وبما يعنيه، القصف الوحشي الذي تقوم به الطائرات الروسية في الغوطة الشرقية، وبالقرار الروسي باستسلام “المسلحين”، وبتكرار ما جرى في حلب، حيث أدت الوحشية إلى تهجير الشعب، وترحيل المقاتلين. وهو يوضّح أن القرار العسكري الروسي يتلخص في سحق الثورة، وليس في تحقيق “سلام” عبر المفاوضات، وأن كل الأشكال التي تطرحها روسيا للتفاوض، من جنيف إلى أستانة إلى سوتشي، ليست سوى “كسب زمن” في سياسةٍ تقوم على تصفية مواقع الثورة، واحداً بعد الآخر.

هنا يظهر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، راعياً لتحقيق السلام في سورية، لكنه يريد أن يفرض سلامه. لهذا يظهر شويغو محققاً لهذا “السلام” الذي لا يتحقق إلا بالإبادة. هذا ما مارسه الروس في الشيشان، ويدعمون من يمارسه في شرق أوكرانيا. فهم يعانون من عقدة نقص القدرة على الانتصار، لهذا يحاولون أن يقنعوا أنفسهم بأنهم ينتصرون، حتى وإنْ على شعب محاصر وبسلاح خفيف، ومن دون دعم. ويريدون أن يفرضوا إرادتهم التي تقوم على أن قرارهم هو الذي يجب أن يُفرض، وهم يريدون حلاً يبقي بشار الأسد، بعد أن تُسحق الثورة، ومن ثم يمكن إشراك عملاء جدد لهم في حكومةٍ تحت سيطرتهم. لقد فرضوا بوجودهم العسكري توقيع اتفاقاتٍ تسمح لهم بإقامة قواعد عسكرية، وببقائها تسعاً وأربعين سنة إلى أربع وسبعين سنة.

أيُّ عنجهية هذه؟ وأي دموية يمارسونها؟ من دون أن ننسى أنهم يقومون بذلك كله نيابة عن الطغم الإمبريالية كلها، هذه الطغم التي تريد سحق الثورات، وارتكاب المجازر لتخويف الشعوب كي لا تفكّر في الثورة في أيّ وقت. وها أن الروس مستعدون لفعل ذلك، وهم يقومون بذلك بكل جدارة، لأنهم يمتلكون أحدث الأسلحة التي جرّبوا كثيراً منها لأول مرة على رأس الشعب السوري. هل من أفضل من ذلك للطغم الإمبريالية الأميركية والأوروبية، والصينية وغيرها؟ إن يد روسيا الإمبريالية هي التي تتلوث بكل هذا الدم في سورية، وتظهر في هذه الوحشية، وتغرق في مستنقعٍ يمكن صيدها فيه. حيث تتصارع الإمبرياليات على جثث شعوب “الشرق الأوسط”، وحيث يريد كل منها أن يحقق مصالحه، بغض النظر عن جثث السوريين ودمائهم.

شويغو هو رأس الهجوم الوحشي في سورية، وهو الذي رسم الخطط لـ “سحق الثورة”، وأراد “كسر الثورات العربية”، وهو الذي يعبّر بعمق عن سياسة فلاديمير بوتين، ويطبِّق ما يعبّر

“القرار العسكري الروسي يتلخص في سحق الثورة، وليس في تحقيق “سلام” عبر المفاوضات”

عن ميوله السادية، الميول التي تؤسس لفاشية جديدة، يفرضها مأزق الرأسمال الروسي الذي يريد أن يسيطر على أمم، ويستحوذ على أسواق، لكي ينهض، ويحتلّ محل الرأسمال الأميركي، فهو عكس الرأسمال الصيني، لا يستطيع المنافسة في سوق عالمي مفتوح. لهذا يختار أن يسيطر بالقوة، معتقداً أنه قادر على ذلك. ولهذا اعتقد أنه يقتنص الوضع في سورية، لكي يتقدم تحت مبرّرات “الشرعية الدولية”، و”السيادة الوطنية”، فيفرض احتلاله، ويمدّ سيطرته. من دون أن يلمس أنه ينفِّذ السياسة الإمبريالية بمجملها، وأنه، في الآن ذاته، ينجرف نحو “المصيدة”. فما يريده أكبر من أن يستطيعه، وقدرته على سحق الثورة لا تؤهله لأن يقيم نظاماً يستطيع الوقوف على قدميه، أو الاستمرار في الوجود. بالضبط لأن ثورة تريد اقتلاعه، وأن كل مجريات الصراع فرضت ألا يكون ممكناً إعادة بناء النظام، حتى وإن انتصر بقوة الروس وإيران وكل المليشيات الطائفية التي تحشدها، وكل الشركات الأمنية التي تجلبها. فالنظام بات عاجزاً عن الاستمرار في كل الأحوال، وإذا ما قرَّرت روسيا استمرار وجودها العسكري، لكي توجد له أرجلاً يقف عليها فستقع في “أفغانستان جديدة”، أولاً نتيجة قدرة الشعب السوري على الاستمرار في الصراع ضد النظام وكل المحتلين. وثانياً لأن التنافس العالمي سوف يستغلّ هذا الوجود، لكي تُضعف روسيا، ويقودها إلى مستنقع يجبرها على تناسي الحلم بقيادة العالم.

روسيا إمبريالية غبية، فهي تنفّذ إرادة الرأسمال الإمبريالي، لكنها لا تستطيع أن تحصد النتائج لصالحها. تعمل على سحق الثورة، وكسر المسار الثوري العربي، لكنها لن تستطيع حصد ما يحقق مصالحها، وربما تغرق في مواجهةٍ تفرض انسحاقها. فلا إجرام شويغو يفيد، ولا عنجهية بوتين تنفع، ولا كل التطور التكنولوجي يسمح بسحق ثورة قررها شعب.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى