صفحات العالم

روسيـا لا تريـد السـلام فـي سوريـا

 

روسيا لا تريد السلام في سوريا

Ana Maria Luca

عندما يزور الروس أحداً، لا يطلبون أبداً أي إذن، لا يأتون ليعطوا، بل دائماً ليأخذوا. هذا قول جاء به سكان أوروبا الشرقية بعد عيشهم لأكثر من نصف قرن في ظل الاتحاد السوفياتي، ولاحقاً شهدوا على تدخل موسكو في شؤون البلاد التي دارت سابقاً في فلكها وتعزيزها لعدة نزاعات حول منطقة القوقاز.

فَكِّر مرة أخرى عندما تصف روسيا بأنها صديقة الرئيس السوري بشار الأسد. وفَكِّر مرة أخرى عندما تقول إن روسيا تحاول التوسّط لحل النزاع السوري. في سياستها الخارجية، موسكو ليست أكثر من مرتزقة. ليس لديها وقت للعواطف. قد يكون لدى فلاديمير بوتين (الرئيس الروسي) طموحات شخصية لإعادة إرساء روسيا الاتحادية كقوة دولية، لكنّ هذا فقط جزء صغير من مصالح موسكو في سوريا والشرق الأوسط بشكل عام.

روسيا تشتري الوقت عبر الصراع السوري، مموِّهةً ذلك بحرصها على السلام الإقليمي. بالفعل، كما قال عدة مسؤولين روس، فإن الكرملين لا يكترث للأسد، بل بسوريا نفسها. هذه هي الحقيقية، أو على الأقل جزء منها.

كل ما تريده روسيا الآن هو إبقاء الحرب مستعرة في سوريا. لماذا؟ لأن هذا جيد لحركة الأعمال (التجارة). قد تكون موسكو تزوِّد النظام السوري والميليشيات الموالية بالسلاح، انطلاقاً من حسن النية على ما يبدو. لكن بالرغم من كل الخطابات حول الروابط القديمة والاستقرار في المنطقة، فإنّ هذا جزء من استراتيجية طويلة الأمد.

التجارة الأفضل لروسيا هو بيعها للغاز والسلاح. تعتمد أوروبا على الغاز الروسي، فيما الشرق الأوسط، باضطرابه المستمر، يشكل سوقاً ضخمة للأسلحة الروسية. لكن موجة الانتفاضات التي أطاحت بعدة قادة استبداديين في العالم العربي غيّرت الأرضية كلياً.

في ظل حكومة سورية ضعيفة وشبه مفلسة، ورحيل معمر القذافي في ليبيا، ما يتبقّى لصانعي الأسلحة الروس كزبائن هم بضعة مجموعات خارجة عن اطار الدولة ولهم أجنداتهم الخاصة بهم، مثل حركة “حماس” و”حزب الله”. لكن الإمكانات المالية لهذه المجموعات هي أصلاً مستنزفة في ظل تداعي الاقتصاد الإيراني وانغماس سوريا في حرب أهلية.

بالرغم من ذلك لم تُصَب الصناعة العسكرية الروسية بالذعر. فلماذا لا نحوِّل كارثة إلى فرصة؟ الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لا تزالان غير واثقتين أيّ نوع من الحكم تريدان في سوريا، وما إذا كانتا ستسلحان الثوار بالكامل او ستتدخلان عسكرياً. بينما روسيا واثقة ممّا تريد ولن تتخلى عن ذلك بسهولة. لا تكترث موسكو بالهيكلية السياسية لأي حكومة مستقبلية في سوريا. هي مهتمة أكثر بمفاوضات تستمر الى أطول أمد ممكن، واستمرار طرفي النزاع بالتسلّح (مع استمرار روسيا بتسليح الجيش النظامي على الأقل، إن لم يكن مجموعات أخرى إيضاً، اسلامية أم لا)، كما تريد استمرار المجازر “الصغيرة” التي لا تفضي الى حرب إقليمية.

الصراع الذي يراوح مكانه مربح جداً، كما استنتج الوجهاء ورجال الأعمال في موسكو من تجارب الشيشان، ترانزنيستريا، والمنطقتين الانفصاليتين في جورجيا، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

موسكو إذاً سعيدة بالوضع الراهن في سوريا. هي لا تريد حرباً إقليمية، لكنها لا تمانع في صراع محدود في سوريا. مع الوقت، ستُضطّر المجموعات الصغيرة اللجوء الى الكرملين للحصول على الدعم، فيما الغرب يبدو غير متماسك لجهة مساعدتها ام لا.

لماذا تريد الحكومة الروسية أن يتغير أي شيء في سوريا خصوصاً والشرق الأوسط بشكل عام، في وقت يدرّ الطريق المسدود الكثير من النفوذ؟

إنها أموال طائلة، يذهب معظمها الى صانعي وتجار السلاح الروس الذين لا يكترثون للاجئين، العائلات الجائعة، المجازر وجرائم الحرب. هم معتادون على غضّ الطرف عن الإرهاب، الحرب، التعذيب، وحتى الإبادة، إذا كان ذلك يساعدهم على جني المزيد من المال وشراء المزيد من اليخوت للإبحار فيها حول نهر “الفولغا”.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى