صفحات الحوار

ريتشارد سينت أستاذ علم الأحياء الأميركي الأكثر قبولاً وجاذبية: حيوية العيش معاً!

 

 

الترجمة والتقديم: يقظان التقي

ريتشارد سينت واحد من اساتذة علم الاجتماع الاميركي الأحياء الأكثر قبولاً وجاذبية تلميذ حنة ارندت، خبير المدن والشؤون الثقافية ومؤرخ تغير ظروف العمل.

في العام 2008 أطل سينت بثلاثيته المعنونة «Homo Faber» الانسان الذي هو وقبل كل شيء حرفي. وهي طريقة للرد على الأزمة المعاصرة التي تركت الانسان الغربي عارياً ومفككاً نتيجة التسليع المادي والمفاهيم السائدة.

صدرت الثلاثية عن دار «البان ميشال» 2014، لتسد ثغرة في الأبحاث الاجتماعية والسوسيولوجية المهمة والتي تعني شيئاً أساسياً بالدعوة الى تعزيز الوحدة الانسانية والعيش معاً جيراناً في عالم واحد.

الاكسبرس الفرنسية أجرت حواراً مطولاً مع المؤرخ الأميركي وهنا مقتطفات من هذا الحوار الذي سيبين فيه الفوارق الرئيسة في الأنماط الأقدم من الرأسمالية الصناعية والعالمية المحمومة اليوم بالأزمات والمرتبكة على المستويات كافة الى حد القول ان الولايات المتحدة الاميركية في طور التراجع الكبير.

[ في كتابك تركز على مسألة أساسية وهي حيوية العيش معاً، أو أن نكون معاً اليوم وهو هذا سبب للأزمة الكبيرة التي نعيشها؟

ـ هو السبب الأول من دون شك. الرأسمالية تشهد دائماً أزمات تغلف العلاقات الاجتماعية وتنسخها. هي السبب الرئيسي والمهم في تسريع وتعميق هذه الأزمة. وشهدت الأزمة المالية على صعيد المصارف وكيف ان انعدام الثقة الائتمانية سببت انهيارات كبرى في البورصات العالمية بما سارع في تفاقم الأزمة وعلى نحو مخيف وخارج عن السيطرة.

[ انت تميل الى التفاؤل ازاء الثورة التكنولوجية أو التكنولوجيات الجديدة؟

ـ نعم، لأن هناك أدوات جديدة، مثل شبكات التواصل الاجتماعي سواء «تويتر» او «الفيسبوك» أو «اليوتيوب» وغيرها من شبكات التواصل وهي تساعد على احياء شكل جديد من اشكال العلاقة السياسية الاجتماعية بين الناس وتعكس التعاون المطلوب بين البشر الموزعين ما بين الواقع الفعلي والحياة الافتراضية على شبكة الانترنت. في زمن الثورات المصرية والتونسية استخدمت تويتر والفيسبوك على سبيل المثال كوسائل تنظيم للتظاهرات والدعوات والاجتماعات المباشرة في الميادين والشوارع وفي لقاءات ليست افتراضية بل على الارض. وفي الواقع هذه حالة تقول لنا اننا لن نبقى في العالم الافتراضي يجب ان نكون ايجابيين تجاه تطور هذه التكنولوجيا وهي تساعد على مد الجسور والتلاقي، وكل هذا يبقى على الرغم من كل شيء متأرجحاً ومتلعثماً بقوة.

[ انت موسيقي قديم كلاسيكي، في كتابك تأخذ نموذجاً عن التوازن الناجح في التطبيقات الموسيقية والأوركسترالية والسمفونية؟

ـ نعم في الأمسيات الموسيقية والحفلات الأوركسترالية الأمور تجري جيداً ومتناغمة على صعيد عمل الفريق وتجانسه وتماسكه مما يثير انتباه الجميع. هذا معناه القدرة على الاستماع الى الآخرين والتفاعل معهم وبايقاعات بناءة وذلك من دون افكار مسبقة ومن دون سلطة هرمية أو مباشرة» (….). يجب ان نتقدم في شكل او بآخر من اشكال الغموض والتعقيد من دون ان نعرف تماماً الى اين نذهب وكيف يمكن ان نذهب.

[ تحدثنا في اطار عالم العمل عن الثلاثي الاجتماعي مم يتألف هذا الثلاثي؟

ـ يتألف من عناصر ثلاثة رئيسية وعليها يرتكز اي شكل من اشكال التعاون الناجح اجتماعياً وتحديداً في مجال الأعمال. أول عامل هو عامل الاحترام بين وجوه السلطة بين ارباب العمل والعمال وعلى قاعدة الشراكة، أو أجزاء منها يكون فيها العامل شريك رب العمل. ثم العنصر الثاني وهو عامل التأمين والضمانات الاجتماعية لا سيما عندما يمر احد الطرفين بظروف صعبة. أما العنصر الثالث فهو القدرة على التحرك من قبل المجموعة المنتخبة في حالة وقوع أزمات، إذا هذا هو المثلث الاجتماعي لديه ميل الى الافتراض والى الشبق المادي (….)

لاحظت من خلال لقاءاتي مع مختصين ومستشارين ماليين فقدوا أعمالهم خلال الأزمة وعدد من هؤلاء لم يستعد أعماله الى الآن وهؤلاء يركزون على مسألة عدم الثقة بين الزملاء في المهنة وفي هيكلية المؤسسات وعملها في ملفات عدة… هؤلاء يشعرون بالعزلة بعد تركهم اعمالهم وفقدانهم الى التواصل مع زملائهم، الذين يحتكرون متابعة الأبحاث المالية والمعاملات على شاشات كومبيوتراتهم. المهنة كانت مهنة ساحرة. لكن مع القليل من العلاقات الانسانية مع قابلية التعويض للحظات الاجتماعية والعائلية والحنان التي يضحى بها راهناً.

[ كيف يمكن العمل على تماسك فكرة النخبة؟

ـ هذا امر صعب وشاق. هذا غير مطروح سياسياً ومن فوق، في كل بنية وفي كل عمل وفي الزوايا، يجب اعادة الزخم للعلاقات الاجتماعية.. في التجارب العمالية كل عنصر في البناء او الفريق يجب ان يكون جزءاً من المبادرة لتحقيق الخدمات والابداعية في العمل. هذه عملية مسار متعب وطويل، ولكنها الطريق الأفضل ضد التفتت والتفكك كما هو حاصل في الأزمة البريطانية وفي الولايات المتحدة الاميركية، في البلدين اللذين اعرفهما جيداً، هذا لا يعني عدم التحفظ على الائتلافات التي تشكل بصفات انتهازية تسهدف خطف اكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية.

[ الرئيس باراك أوباما هل يطبق هذا المفهوم في التعاون الذي انتظرته؟

ـ مثلي مثل العديد من الأميركيين انا مصاب بخيبة امل كبرى. أوباما نجح كرمز للأمل في التغيير، قدم نفسه كرجل حوار وتواصل، وهو حاول، وهو رجل مثقف وبوعي عميق بمفهوم السلطة الثقافية. وهو لم يقل كل ما لديه بعد. ولكن لم يستطع وضع مبادراته موضع تطبيق وتنفيذ أو الدفع بقوة للاستماع الى وجهة نظره وهو يملك طريقة لعرض الأشياء عمودية من فوق الى تحت. في هذا الاطار، هو مساهم كبير، ولكن السجال الكبير القائم في اميركا هو مع المحافظين والراديكاليين في اليمين الأميركي.

[ كيف ترى الى حركة حزب الشاي؟

ـ جزء من حركة حزب الشاي يمثل اتجاهاً ليبرالياً ويؤكد ان الافكار هي عمل المجموعة في الاختيار وتحديد نوع التنظيم والادارة، وليس في الدولة التي تقترح الأفكار من فوق. استطيع ان التزم أو أوافق على وجهة النظر تلك. لكن هذه وجهة نظر اليمين ولا استطيع ان انسى ان الطرف الآخر المناقض لليمين هناك اليسار المعارض لحزب الشاي والذي يرى الى ان جزءاً من تدمير العلاقات الاجتماعية يعود الى طريقة العمل الرأسمالية المالية، من وجهة النظر هذه اوباما لا يملك الفاعلية ولا يستطيع ان يغير شيئاً راسخ البنية من المالية الاميركية وسيطرة فئة كبيرة من الاثرياء على البنوك الأميركية.

[ انت اكثر تسامحاً مع النظرة الأوروبية؟

ـ أنا أرى سؤال التعاون هو السؤال المركزي على مستوى دول الاتحاد الأوروبي المنضوية تحت لواء الاتحاد والتي تواجهها صعوبات كثيرة ونظرات مختلفة في مواجهة الأزمة المالية. وعمق التفاوت في النظرة الاقتصادية. وبرز هذا التعارض في معالجة مديونية اليونان واسبانيا وايطاليا وتتفاوت النظرات بين القاطرة المالية والاقتصادية في دول الاتحاد اي المانيا والدول الأوروبية الأخرى. بين الدول الغنية والدول الفقيرة أوروبا أخذت دروساً في الأزمة المالية فيما خص الحدود الليبرالية المتوحشة وحماية المستهلكين. في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانية عادت الأمور مثل السابق. بالنسبة الى الشباب صارت هذه البلدان أماكن لا تعكس الرغبة في الحياة. المشكلة في اوروبا ان النقاش مبني على تجاذبات تعارضية، بين الأحزاب السياسية. وهذه الأحزاب مهتمة بالكثير ما عدا الشيء الأساسي والأهم كيف يمكن العمل على ما يؤكد ويقوي العيش معاً على المستوى العملي في المدارس والأحياء..

[ انت مندهش بالصعود الصيني؟

ـ نعم قمت بزيارات عدة في السنوات الأخيرة وخرجت بانطباعات مهمة عن أشكال التعاون واشكال النهوض بالنمو بعد فترة ركود مع البيروقراطية الحاكمة في الصين خلال فترة طويلة من حكم الامبراطورية الماوية (Maotist)، ولكن الأمر تغير مع الانفتاح الاقتصادي الصيني على السوق الحرة. هناك مفهوم مهم يسمى «Guangxi»، وهو عبارة عن شبكة تواصل تجمع الناس فيما بينهم، العائلات والأجيال وبشكل مبرمج جيداًـ إذا اردت ان تقدم خدمة لأحدهم على سبيل المثال ستعرف ان هذا الشخص او فرداً من عائلته يتهيأ في يوم ما ليبادلك ما قدمته. هذا الأمر يحصل في الصين وهذا عملياً تعبير بالواقع عن اشتراكية ما. هذا نظام حيث الاستقلال، يدفع لرؤية الحاجة عند الآخرين وإعطاء الآخر قيمة. وهذه اشارة لظهور مفهوم جمعي ومشترك.

العكس عند الغربيين الذين يعطون الانطباع بأنهم مستقلون. عندما نصل الى مرحلة نقبل فيها اننا جماعة مستقلون الواحد عن الآخر، عندها نبدأ الرحلة الى الأفضل.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى