صفحات المستقبل

زال إستغرابي . . حسين معتقل

 في بداية الثورة كانت جدران الخوف لا تزال عالية، وقلة ممن أعرفهم في محيط الإنترنت صدحوا بالحق بدون مواربة وتنميق للكلمات، وكثير ممن أعرف كانوا يتحدثون عن إجرام العائلة/العصابة وعن مدى سخافة رواياتهم الإعلامية، إلا أنهم كانوا يتحاشون تدوين هذه الآراء على صفحاتهم الإجتماعية، علما أن أغلبيتهم الساحقة في دول الإغتراب.

حسين غرير أحد الأشخاص الذين تعرفت عليهم من خلال التدوين بداية والفيس بوك لاحقا، كان يبدو لي مثل كل الأشخاص ذوي النزعة الحداثية “إن جاز التوصيف” مؤمن بحق المرأة وقضايا المساواة وحقوق الإنسان  وحرية التعبير ومجمل الحقوق التي يدفع  شعبنا اليوم فاتورتها بالدم والسجن والإعتقال.

وجاءت الثورة بأسرع مما نتصور، قاطعتنا وقاطعت استرسالاتنا بالحديث المنمق عن حقوق الإنسان وحرية التعبير، قاطعتنا عن الإسترسال بانتقاد الفساد، والإهمال الحكومي، وأفسدت على البعض هواية ذم هذا الشعب وصب اللعنات عليه  . . والإنكى من كل ذلك أن الثورة جاءت كاختبار قاس وكاشف بسفور لكل ما كنا نتقمصه من أفكار ومواقف  لم تحظى يوما بفرصة تكشف مدى أصالتها وإيماننا بها.

سقط الكثير باختبار الثورة، خصوصا دعاة حقوق المرأة والمساواه، وصمت الكثير من معارفي في داخل سورية . . حسين غرير لم يكن كذلك، كان متسقا مع ذاته وأفكاره، لم يصمت رغم أنه في الداخل.، مثله مثل أحمد أبو الخير، ومرسيل شحوارو, و رزان غزاوي –مدونين من داخل سورية-

منذ أيام الثورة الأولى لم يتوقف عن الكلام الجريء والنشاط  لخدمة حق الشعب في حياة أفضل تحت نظام أفضل. وكنت أستغرب شجاعته في التعبير عن رأيه وفي وضع الفيديوهات التي تفضح إجرام السلطة بحق المدنيين، واستغرابي يأتي مخزون الخوف الهائل الراكد في أعماقي، إنه يتحدث من قلب دمشق حيث لا شيء يعصمه عن سطوة قوى الإرعاب المنحطة!

وكثيرا ما راودتني نفسي إلى مراسلته لأسأله ألا تخشى الإعتقال وما يعنيه من تعذيب وإذلال?  لكنني لم أفعل للشجاعة المنقطعة النظير التي أظهرها أهلنا هناك، اولئك الذين يسخرون من الرصاص والدبابات.

ولأن حديث الثورة وبطش النظام هو ما يسود بين أي تجمع سوري، فقد ذكرت حسين وإقدامه بفضح الممارسات الإجرامية، وبنفس الوقت استغرابي بأنه لم يعتقل حتى اللحظة، فما كان من أحد الحضور إلا وحذرني بأن حسين مجرد مخبر على الفيس بوك يكتب ما يكتبه لنثق به ومن ثم يرفع تقريره إلى رؤسائه.

لا أخفيكم أنني ضحكت كثيرا، فإنجاز النظام الوحيد هو بث الفرقة بين السوريين وزرع الشك والخوف بين بعضهم البعض، واليوم تمردنا على إنجازه الوحيد . . فأي نظام فاشل هو ؟!!

قلت لمحذري: هو قطعا ليس بمخبر، فالنظام اليوم بحاجة كل صوت يؤيده، و حسين لم يتغير بما يقوله قيد أنملة عما كان يقوله بالأمس ولا حاجة له بمهاجمة النظام ليكسب ثقة معارفه على الصفحات الإجتماعية، فهو يعرفهم ويعرف مواقفهم جيدا.

الآن زال استغرابي وحسين ذهب ليقدم تقريره “  فلم يعد الصمت ينفع بعد اليوم، لا نريد وطناً نسجن فيه لقول كلمة، بل وطناً يتسع لكل الكلمات”*

لكن يبدو السجن ممر الأحرار إلى الحرية.

هنيئا لك هذا الشرف يا صديقي ونحن بانتظارك . . أعادك الله إلينا وإلى أحبابك سالما غانما وإيانا بالحرية.

****

هوامش:

مدونة حسين غرير.

صفحة حملة التضامن على الفيس بوك.

تقرير تقرير للمركز السوري للإعلام يتخوف فيه من تدهور حالة حسين الصحية.

بيان المدونين السوريين المشترك عن اعتقال حسين.

http://www.3bdulsalam.com/?p=2548

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى