صفحات الثقافة

زر الأخطبوط أمازون الجديد/ ديمة الشكر

 

 

 

يبدو أن العملاق “أمازون” غدا على حافة التحكّم بصناعة النشر في الولايات المتحدة الأميركية (على الأقل)، أي بكلام مختلف، التأثير في الثقافة، من خلال جعل “كبس زر” شراء الكتب “الجديدة”، وتلك الموضوعة تحت خطة نشر نتيجة تعاقد دور النشر مع الكتّاب، (يمكن حجز نسخ لكتب ستصدر عام 2018 مثلًا)، متاحًا لـ “طرف ثالث”.

انفجرت قضية “الزر”، حين كتبت الناشرة بروك وارنر مقالًا في الموقع الإلكتروني الواسع الانتشار هافنغتون بوست، لفتت فيه النظر إلى تغيير في “سياسة” الموقع، عبر السماح لأي كان  أي “طرف ثالث”، بمزاحمة الناشر والكاتب على بيع الكتب “الجديدة”، من خلال طرح الكتاب أو “المنتج” نفسه بسعر أقل بكثير.

واستطاع أمازون عبر تحديده المراوغ لـ “طرف ثالث” و”كتب جديدة”، التصدي لنقابة الكتّاب واتحاد ناشري الكتب المستقلين، اللذين على ما يبدو يراقبان الوضع، نظرًا إلى افتقارهما لـ “القوة”. ذلك لأن من لديه سلطة تسمية الأمور، يحوز من القوة جلّها. فوفقًا لأمازون فإن “الكتب الجديدة”، هي تلك التي يبلغ عمرها أكثر من ستة أشهر، أما الأصغر “سنًا” فتصلح ذريعة تبرر لأمازون “مهنيتها”، إذ هي التي تحظى بالإظهار والإشهار على الموقع، أصولًا، بمعنى أن ناشرها متفق مع أمازون، وله حصة من الربح، ومن نافل القول إن الكاتب يحصل أيضًا على حقوقه المادية عند كل “كبس زر”. لكن إن كان الكتاب من “الكتب الجديدة” أي أكبر من ستة شهور، فسيذهب إلى القوائم الخلفية، وهناك يستطيع الطرف الثالث أن ينافس الناشر ويصرعه بالضربة القاضية إذ يضع لكتاب ما ثلاث دولارات بدلًا من عشرة. ليس هذا فحسب، بل إن الناشر والكاتب على حد سواء لن يحصلا على أي ربح، لأن الطرف الثالث غير معين بدقة، قد يكون من شريحة تجار التجزئة في صناعة الكتب، وقد يكون مختصًا بشراء المخزون والمرتجع والمتبقي، وقد يكون من شطار عالم اليوم، المختصين بابتداع طرق جلب المال بخفة وسرعة. ثمة من يقول إنهم أيضًا منابر النشر، التي تحظى باستمرار بنسخ وفيرة من الكتب الجديدة. الفكرة كلها هنا، إذ إن الطرف الثالث، يقوم بـ “إعادة بيع”، من هنا لا حقوق للناشر والكاتب.

وبالطبع يشارك أمازون “الطرف الثالث” في الأرباح، أما الكاتب والناشر، فبإمكانهما مثلًا تبادل الاتهامات، في ما يخص عدد النسخ المباعة. لأن مكر أمازون، سينتظر اليوم الأول بعد “عمر الشهور الستة”، ليضع الكتاب في قوائم خلفية، ويقول إن الطبعات نفدت، لكن بإمكانك الشراء من “الطرف الثالث”. لا ينتهي الأمر هنا، فوفقًا لأكثر من محلل، يبدو أن هدف أمازون، ليس أخذ حصة مهمة من رقم أعمال صناعة الكتب فحسب، بل تخفيض نفقات تخزين الكتب لديها، عبر تكليف الطرف الثالث بها، ثم محاصصته في الربح، وبعد ذلك، وضع صناعة النشر (الكتاب والناشرين والمطابع) تحت رحمة “زر جديد”، هو الطبع لدى الطلب. وهذه النقطة تعني أيضًا القضم المستمر لرقم أعمال صناعة الكتب.

لدى أمازون القوة كلها، ويستطيع بعد أن وصل إلى ما وصل إليه من احتكار وانتشار، استعمال كل قوته، والتأثير على المدى المتوسط بالثقافة من حيث هي، تضع معيارًا يقول إن الكتاب البالغ من العمر أكثر من ستة شهور، تحت سلطتي المطلقة، أما الصغير الذي فيه حقوق مادية وفكرية… إلخ، فمهدد بـ “الطبع تحت الطلب”. وبذا يكون الناشر والكاتب والطرف الثالث في شبكتها المحكمة، فما المانع من إظهار كاتب ما وإخفاء آخر؟ دعك من “المستقلين” الذين سيدافعون عن الثقافة، فهم أضعف حلقة، طالما الحق بجانبهم أما القوة فلا.

والآن لو تأملنا الجملة الشهيرة : “الكتاب سلعة”، عند كل مرة ينعقد فيها في بلادنا العربية معرض دولي للكتاب، أو جملة “الورقي أم الإلكتروني”؟ لغابت المعاني تمامًا، فنحن في طور لا نحسد عليه من قصر النظر، وطول الركود، وتكرار الكلام نفسه من دون توقف، إذ ثمة في متابعة قصة أمازون الجديدة، ما يزيد الإحباط فعلًا: أدوات العصر المعولم، صناعة الكتب، الاحتكار، أماكن التخزين، الشراء، استنفار الصحافة للأمر، صيد القارئ، وغيرها من أمور تقول شيئًا واحداً : ثمة دورة ثقافية إنتاجية كاملة، ثمة حيوية واستجابة، ثمة قراءة، ثمة كتب، ثمة حياة ثقافية حقيقية.

ضفة ثالثة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى