صفحات الثقافة

زهور متيبسة كالأضاحي/ جاينتا مهاباترا

 

 

جاينتا مهاباترا شاعرٌ هنديٌ وأستاذ فيزيائي معروف من مواليد 1928. يعيش في الكوتاك ، ويكتب باللغتين الإنكليزية والأوريية ، حازعلى جائزة جاكوب غلاتشتاين  للشعر. يعرّف عن نفسه بأنه الشاعر الأوريسي الذي يكتب بالإنكليزية.

ترجم مهاباترا روح الهند معتمداً على الأسلوب التجريدي للتعبير دون إغفال الملامح الحسيّة والنفسيّة للهند . بشعره شجّع العالم ليُصغيّ  إليه ولمنطقته. قصائده حرة تتحرك ببطء ونعومة ومن ثم  تبزغ الصور الحسيّة للهند في استعارات لا تُنسى نتيجة دمج الأضداد بخيال يتوهج كما الشرر.

له مجموعات شعرية كثيرة و كتب نقدية و أخرى في النثر وترجمات إلى الانكليزيّة من الأوريية وكلّها تشهد على إبداعهِ.

يقول مهاباترا الوفيّ لروح و ثقافة أمته: “كان المهاتما غاندي دليلي  لمواجهة فساد العالم”.

 

يدها

 

يد الصغيرة التي من سواد

كيف أحتويها؟

 

مصابيح الشارع تتدلّى كرؤوس مقطوعة

والدم يشق ذلك الباب المريع بيننا

 

فم البلدة  الفسيح مقمّط بالألم

فيما جسدها يتلوى على سرير من مسامير

 

جسد تلك الصغيرة المغتصَب للتو

في متناول يدي.

ثقل إحساسي بالذنب جعلني غير قادر

على كبح جماح رغبتي بضمّها.

 

جوع

 

أمرٌ لا يُصدق .. بل كان ثقيلاً عليَّ

بلا مُبالاة، قال الصّياد: هل ترغب بها؟

ساحباً شباكَهُ، وأعصابهُ كما لو أنَّ كلماته

تُجيزُ الأمر الذي واجههُ.

عندها رأيْتُ عظمةً بيضاء تلسعُ عينيه.

تبعتُهُ عبر الرّمال المترامية الأطراف،

وعقلي يرتطم بأغلال  الجسد.

ربما يكمن الأمل في حرق البيت الذي عشتُ فيه.

صمتٌ جرُّني من أكمامي .. جسدُه انخدشٌ بالزّبَد،

وشُباكُه القديمة سُحِبت للتوِّ من البحرِ.

 

في اضطراب اللّيل انشقّ  اللحم كجرح،

كنتُ أنا الرّيح، والأيام والّليالي الّتي مرّت.

داخل الكوخ،  جرحَت سعف النخيل جلدي.

مصباح الزّيت يفرد السّاعات المُقيّدة إلى تلك الجدران.

ومرّة تلو المرّة عبرَ السّخام الّلزج  رأسي.

 

سمعتهُ يقول: ابنتي أكملت الخامسة عشرة

تحسّسها. سأعودُ حالاً، حافلتُك تُغادر في التاسعة.

غِواية والدها المُضنية أوقعت السّماء على رأسي

كانت طويلةً  ونحيلة، وسنواتها باردة كما المطاط.

ولما فتحت فخذيها المهترئين شعرْتُ بالجوع هناك،

بينما كانت الأسماك تنزلُق إلى الدّاخل.

 

شخص مفقود

 

في الغرفة المعتمة

امرأة

لم تستطع أن تعثر على انعكاس صورتها في المرآة

كالعادة تنتظر

على حافة النعاس

وبين يديها تمسك

بمصباح زيت

لهبه الأصفر السكران

يعلم أين يختفي جسدها المهجور.

 

دولي

 

بعدما انتهت حروب الكالينغا

ها هي حقول دولي المُراحة

تُخفي دم الأجساد المذبوحة.

 

كأرض أخفَت داخل موتاها نهم

ديدان دون شفقة

أرشدت الثعالب إلى عوراتها المترهلة.

 

بعد سنوات، ستُرجف ريح المساء

ماء نهر دايا الصقيل.

عويلٌ في الصخر يعلن عبث العالم.

كزيزان الحصاد البكماء في الليل.

 

حجم معاناة *أشوكا

غير جليّ كفاية

ألمه يُحدّق بأسى

من بين آلام الموتى.

 

* أشوكا : امبراطور هندي

* تلة دولي: تقع على نهر دايا

 

مسافر

كل مساء

تُلقي أجراس المعبد القريب

بثقلها على العظام.

حان الوقت لأتساءل مجدداً

ماذا سأفعل بما خبرته.

بخار حار يرتفع

من الأرض المعتمة كبارقة أمل.

في مكان ما  داخل غرفة

فتاة تحتضر بين ذراعي والدتها.

في مكان آخر، أحدهم

ينتقم لنفسه من حياته المعطّلة.

أرقب الناس،

وابتسامة زهرة الياسمين العذبة الحزينة،

 

متجاوزاً عوزي الضئيل.

التنقّل هنا ذو غاية،

الطقس ليس بارداً ولا مُنهكاً.

الأيل يتعقّب الأعشاب حديثة النمو،

الطبل يُقرَع باتجاه السماء.

المرأة بركبتين مرفوعتين إلى صدرها،

والريح التي تخدع ذاتها

بأمانة تنقل صراخ الفتاة

 

التي تحتضر بين ذراعي والدتها

معرفتي وأواني

تكسّرا  ليلاً إلى خمول ،

 

غير شبيه برفرفة الطيور.

جربت غير مبالٍ أن أحتمل ذلك العبء

لكن ثقل المجهول قتلني.

 

شفق

 

وهج برتقالي

ينير الجوانب الشاحبة للمستشفى

في أمنية أخيرة لضوء النهار،

لم يحلّ الظلام بعد.

 

في جناح الأطفال

وتحت أنظار الأم

الميت غالباً يافع للغاية

يجفل الماء في حلق النهر

زعيقه توسُّل ليقاسمه بلواه

في مكان ما سيحلّ ذلك الشفق،

 

ويُخفي بياض زهور الياسمين التي على وشك التفتّح.

المصابيح المنارة للتوّ

في البيوت عبر الشارع

جعلتني أتطلّع إلى ليل آب الدبق

الذي يحتوي كل هذا الفراغ المُبهَم

في هكذا يدين دقيقتين.

 

أسطورة

 

تندفع السنون ببلادة عبر الأثير.

كترنيمة العمر المديد، العابق بالبخور.

وجه  فوق وجه يؤوب إلى الأفق الشائك

للمعبد المضبّب: هنا تستلقي

ورقة متغضّنة، وزهرة قرمزية قذرة.

خارج الأزمنة المنصرمة على الأدراج الهامدة.

أجراس نحاسية عتيقة

تعفّنت بذكريات قاتمة، غير مُنجزة.

صلوات دورية

تتملّق العام كي يعود ثانية.

الأدراج تبدو غير منتهية،

على مدى العمر،

وتلك القمم أيضاً،  أنابورنا  وداولاجيري،

غامضة ومربكة كآلهة.

 

لا أجرؤ  على الذهاب

ليلاً إلى المعبد الرطب

حيث تتنقّل الأساطير  بخفّة

من يد إلى يد ومن عين إلى عين.

الزهور المتيبسة كالأضاحي

تبتسم لي حتى صرتُ كماسة،

سنوات حزن غامض تكمن كهاوية  للقمم البعيدة

كفراشة ميتة

كلحية رجل مضمّخة بالزعفران

وبحزم يسألني

هل أنت هندي؟

 

مناجل

 

يُبحر الغبار في الهواء،

ويبدو أنه ليس على عجلة من أمره الآن،

.

ابنة العشر سنوات

تجري  عند ساعة المغيب الحاذقة

خلف أبقار البيت المقيّدة،

 

لم تصدر عنها أية إيماءة أنها قد رأتنا.

 

آخر ضوء للنهار داهمنا

تاركاً إيانا بغتة

 

على شاطئ مقفر سرمدي

ورغبة واهية في الحب فيما بعد

تعود النسوة إلى منازلهن من حقول القمح الناضج،

وبأيديهن المتعبة يحملن المناجل،

 

الأرز المقطوف معلق على مجثم الطيور الهامد.

 

يا لعجزي عن فهم نفسي

بين الفيتات اللاتي صرن أمهات لاحقاً.

قبل مجيء الطوفان

الذي يروي القصب على الشاطئ بين النساء الشهيات

مثلنا غير عابئات بالأحداث التي تتلبسهن.

 

وكيف أن المناجل تومض في حمرة الغروب

الكامن في شفق عروقهن.

 

صيف

 

ليس بعد

تحت شجرة المانغو

رماد بارد لنار خامدة

 

من يحتاج المستقبل؟

ابنة العشر سنوات

تسرّح شعر والدتها.

حيث غربان منافسة

بأناة تبني أعشاشها

 

لن يغدو المكان

ملكها أبداً.

 

في ذاكرتها

ثمرة مانغو خضراء غضّة

بوداعة تسقط على الأرض.

 

فجر في بوري

 

جلبة غربان دائبة

جمجمة في الرمال المقدسة

تنحدر ببلدتها المقفرة إلى الجوع

 

أرملة متلفّعة بالبياض

متجاوزة قلب حيواتهم

تنتظر أن تدخل المعبد الجليل

عيونهم الصارمة

تحدق كالعالقين في شبكة،

والممسوكين بخيوط الإيمان الساطعة للفجر

 

خيوط النور المبكرة الواهية تصيد

القواقع المجذومة المتصدّعة المتكئة على بعضها

 

جمهرة من وجوه محنية دون أسماء

بغتة أخرج من مكاني

إلى هذا الشواظ المدخّن

لمحرقة الجثث المنعزلة المتجهمة

التي تُغري شيخوخة أمي

 

أمنيتها الأخيرة أن تُحرَق هنا

وأن تُجْدل في شدَه كمشعل

على رمال متحركة.

المترجم: لينا شدود

ضفة ثالثة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى