مراجعات كتب

زيغفريد لينز وهيلموت شميت: حوار السلطة والفكر في التاريخ الألماني

 

 

ترجمة وإعداد: مؤنس مفتاح

تجمع السياسي هيلموت شميت والكاتب سيغفريد لينز صداقة متينة ووطيدة، وقد قام الناقد الأدبي يورغ ماغناو بكتابة سيرتين ذاتيتين لهذين العلمين من جمهورية ألمانيا الاتحادية القديمة، وسأحاول الآن نشر حوار قام به ماغناو مع شميت ولنز.

من النادر أن نجد صداقة بين سياسي وكاتب ونتحدث هنا عن هيلموت شميت) 95 سنة( زيغفريد لينز )88 سنة(، هذان الشخصان جمعتهما صداقة لعدة عقود.

قام الناقد الأدبي وكاتب السير الذاتية يورغ ماغناو بكتابة قصة عن هاتين الشخصيتين المنتميتين لمدينة هامبورغ الألمانية، اعتمادا على مناقشات دارت بينهما ورسائل ووثائق تبادلاها، وقد نتج عن ذلك بروز قطعة من التاريخ الألماني تعبرعن السلطة والفكر، وعن كتب زيغفريد لينز التي حظيت بنجاح باهر عن المستشار هيلموت شميت صاحب دراما الخريف الألماني عام 1977 وعن احتجاجات حركة السلام ضد سباق التسلح في بداية الثمانينات.

وأود أنه أشير هنا الى أن هذا كتاب شخصي جدا عن لقاءات وأفكار ومشاعر رجلين وزوجتيهما، ذلك أنه لم يكن ممكنا التفكير في هذه الصداقة دونما ثقة لوكي شميث وليلو لينز. سوف نقوم بطبع نسخة مختصرة ومركزة من محادثة بين هيلموت شميت وزيغفريد لينز من الكتاب الذي سينشر في بداية سبتمبر/ايلول.

يورغ ماغناو: ماذا تعني لك الصداقة؟

زيغفريد لينز: الصداقة تعني أنه يمكن أن يكون المرء متأكدا من وجود شخص يدعمه في الحالات غير المستقرة وفي لحظات عدم اليقين، أو إذا احتاج المرء إلى التأكد من مشاريعه الخاصة، إذ من المهم أن يكون هناك شخص يُساعده – بغض النظر عما يُفترض للصداقة أن تقترحه مثل الكرم أو أشياء أخرى معينة إلخ..

كما أن الصداقة تعني أيضا أنه إذا كنت غير متأكد من نفسك فإنك تحصل على تأكيد من قبل صديق لك، وببساطة جدا يُمكن القول بأن الصداقة تعني: أنك لست وحدك وكذلك الأمر نفسه في حالات عدم اليقين، وهذا هو أهم شيء بالنسبة لي. إذ يمكنك الحصول على المشورة، كما يمكنك أن تكون متأكدا من أنك لست وحدك.

هيلموت شميت: لقد عبرتُ عن رأيي في الصداقة كتابة وذلك من قبل عقدين من الزمن خلت.

يورغ ماغناو: هل قمت بذلك في كتابك «المُبعَد».

هيلموت شميت: أجل، قد يكون هذا ممكنا، وأتذكر أنني كتبت أن ماري لويز كاشنيتز قامت بتنويري لمعرفة هذا المصطلح، وإذا كنت أتذكر بشكل جيد، فقد كتبت من بين أمور أخرى، بأن سر الود لا يزال لغزا.

زيغفريد لينز:أعرف هيلموت شميت كسياسي متميز، يُحدد بنشاطه السياسي المصائر ويُلامس أيضا مصيري. إن الصداقة مع هيلموت شميدت تعني أن تكون دائما قادرا على الاستماع والإنصات من دون رد، وأن تربط ما يقوله بشخصك. هل هذا ممكن بالنسبة لك؟ إلى أي مدى يُمكنك اتباعه في مشاريعك وفي قراراتك؟ وهل تبقى لك إمكانية دعمه؟ لقد جعلت نفسي على دراية ببعض قراراته السياسية، وقد قال لي، إن هذا هو السياسي المثالي بالنسبة لي الذي يجب عليك في كل الأحوال دعمه ككاتب كلما أمكنك ذلك.

وقد تقدمت في كثير من الأحيان – مع صديقي غونتر غراس- في مدن مختلفة كمتحدث في الانتخابات، وحاولت أن أشرح لماذا يتمتع هذا الرجل بثقتي الكاملة وليس هذا فقط، بل شرحت لماذا أتمنى من العديد من الناس في بلدي أن يقتنعوا بضرورة دعم برامجه السياسية.

يورغ ماغناو: كانت صداقتكما ولا زالت خاصة جدا – بين سياسي بارز وواحد من الكتاب الأكثر شهرة في البلاد. ماذا تعلمتما من بعضكما بعضا؟

هيلموت شميت: لقد تعلمنا الكثير، ولكنني أجد صعوبة في تحديد ذلك. مما كان يثير إعجابي دائما عند كثير من الكُتاب هو موهبتهم وبراعتهم وكذا القدرة على تصوير أنفسهم في الشخصيات الخيالية وفي الأشخاص الآخرين.

زيغفريد لينز: إن قرارات الإنسان حول بعض الأشياء يمكن أن تتكرر، والقليل مما يقرره المرء قطعي ونهائي، وهذا الأمر ينطبق حتى على القرارات التي يتخذها رئيس الوزراء، إذ يمكن دائما التصحيح والإضافة والزيادة. وقد تعلمت هذا من وجودي بقرب هيلموت شميت، فكان بالنسبة لي بمثابة هدية، فقد كان يجوز لي أن أكون شريكا- وليس مشاركا- وشاهد عيان وشاهدا مستمعا للأحداث السياسية.

لم يتردد هيلموت شميت في إطلاعي على مخاوفه وأحزانه وتوقعاته، لدرجة أنه كان يسألني في حالات معينة: كيف سأتصرف لو كنت مكانه؟ وقد أعجبتني هذه الثقة بشخصي، هذا ما تعلمت ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك.

هيلموت شميت: أعتقد أن هناك أوجه شبه أخرى. هذه هي فضيلة الرزانة وهذا هو الوعي بالمسؤولية الشخصية. لقد كان هذا غريبا بالنسبة له وكذلك بالنسبة لي كسياسي.

زيغفريد لينز: على الرغم من أن ما عبرت عنه من مخاوف وقدمته من اقتراحات أو توصيات، كانت ربما ليست بالضرورة ما انتظره المستشار مني، فإن كل هذه الأفكار لم تكن لها عواقب على المدى البعيد، حيث قام هو بتبريرها سياسيا. وهذا ما يُمكّن للكاتب من أن يُعطي توصيات قد تكون قيّمة فعلا ولا شيء أكثر من ذلك.

هيلموت شميت: إذن علينا التعامل هنا مع المفاهيم والمجردات. كما أن حوارا كهذا مع بعضكما بعضا لم يكن بمقدورنا أبدا القيام به، لأننا اتفقنا من دون الحاجة إلى الكثير من الكلمات.

زيغفريد لينز: وبالنسبة لهيلموت شميت، إذا جاز لي أن أضيف شيئا فسأقول: كلانا يرى بأن الصحيح إلى حد ما هو البدهي. وهذا المفهوم يجب أن يسود في سلوك الناس مع بعضهم بعضا ولو في الحالات القصوى. كيف سوف تتصرف في هذه الحالة؟ إن هذا يظل في بعض الأحيان غير معلن لأنه بالنسبة لنا بدهي.

يورغ ماغناو: هنالك شيء آخر يربطكما، وربما نتحدث هنا عن الواقعية -الخاصة بك – حتى لو كان عند كاتب لهذا المصطلح معنى مغايرا تماما لما عند السياسي. هل أنت واقعي، سيد لينز؟

زيغفريد لينز: إذا سألتني عن هيلموت شميت سأقول لك إنه بالضرورة واقعي. وهذا يعني أنه يعترف بالحقيقة سلفا، ذلك أنه يعلم ما يمكن أن يسببه قراره من نتائج سلبية وهو يتحمل مسبقا التبعات الممكنة من وراء اتخاذ قرار ما، أما بالنسبة لي فالواقعية باعتباري كاتبا أمر ضروري، فأنا أكتب من خلال طرح الأسئلة. ماذا يعني على سبيل المثال أن تعيش تحت ظل الديكتاتورية وتتخذ قرارك هل ستكون معها أو ضدها؟ وماذا سيتبقى لك كمعارضة؟ فهل تمتلك الشجاعة الكافية لقيادتها فتُعبر بذلك عن ماهية الخيارات الأخرى الموجودة، وحسب وجهة نظري: ليس هناك طريقة واحدة فقط لإثبات كفاءة الذات.

 

٭ مترجم وباحث من المغرب

ترجمة وإعداد: مؤنس مفتاح

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى