صفحات الحوار

زينة ارحيم لـ”المدن”: أدمنتُ حلب.. وأدخل اليها كالمجرمين

 

 

وليد بركسية

تصدّر اسم السورية زينة ارحيم، الإعلام العالمي هذا الأسبوع، بعيداً من أخبار المعارك، وذلك اثر فوزها بجائزة “بيتر ماكلير” المرموقة للصحافة الشجاعة 2015، بسبب جهودها الاستثنائية في تعليم وتدريب أكثر من 100 مواطن صحافي في سوريا على مدى العامين الماضيين في الشمال السوري حيث اختارت أن تقيم.

وللحديث عن الجائزة وواقع الإعلام السوري البديل وحرية التعبير والمرأة في الشمال السوري، تحدثت أريحم لـ”المدن” في أول مقابلة عربية لها بعد الجائزة:

* ماذا يعني لك هذا التكريم العالمي بعد سنوات من الجهد؟

– لو لم أكن سورية ولو لم تكن الثورة، لما كانت هذه الجائزة ولا غيرها، ولا كان المجتمع المدني ولا حتى المنظمات العديدة التي نراها الآن ناشطة بالشأن السوري العام، كلنا مدين أولاً وأخيراً لصرخات الحرية الأولى والتي حولها النظام لحرب. أعتقد أن هذه العوامل كلها تدخلت في اختياري لأكون الصحافية التي تحصل على هذه الجائزة، وهي، كما قالت مديرة “مراسلين بلا حدود”، مخصصة لتكريم كل أولئك الذين يحاولون نقل الحقيقة في الدولة الأخطر على قائليها.

* ما الذي تغير في زينة ارحيم بعد نيل هكذا جائزة مرموقة؟

– لم يتغير فيّ أي شيء. ما زلت جبانة، أخاف من الطائرات وأختبئ في الممر كلما سمعت المروحية أو “أزيز” صاروخ، سأكمل ما أقوم به من مساعدة النشطاء الإعلاميين والمنظمات السورية المحلية والنساء السوريات بما أوتيت به من طاقة.

* ما هي المسؤوليات التي ترتبت على منحك الجائزة؟

– في سوريا أنا مترجمة ومدبرة فرص عمل ووسيطة ومدربة ليس على الإعلام فقط بل أحياناً على استخدام الإيميل أو كتابة رسالة رسمية أو المشاركة بالمسابقات، إضافة إلى دور طباخة وأحياناً خطابة وأمّ بديلة للأصدقاء الذين يعيشون بعيداً من عائلاتهم. وأسعد لحظاتي هي عندما أساعد فعلاً ناشطاً أو ناشطة بأن يحظى بفرصة عمل في سوريا ويأمن مدخولاً سواء من العمل الصحافي أو من خلال وساطتي بين المنظمات والمؤسسات وبينهم.

* ما هي النشاطات التي تقومين بها في مجال التدريب؟

– منذ العام 2013 أعمل كمنسقة للمشاريع السورية ومدربة مع “معهد صحافة السلم والحرب”، ومن خلالهم أقوم بالتدريبات داخل مناطق المعارضة في سوريا، أدرب بشكل رئيسي على الكتابة الصحافية وصناعة التقارير التلفزيونية.

* ما هي المعايير المهنية التي تحرص زينة ارحيم على تعليمها لطلابها؟

– الصدق، الدقة، المصداقية، الموضوعية، إن لم تستطع أن تقول الحق فلا تسمح لأي ظالم ومستبد كان بأن يجبرك على قول الباطل.

* دربت أكثر من 100 شخص على فنون الصحافة، هل بات المواطن الصحافي اليوم هو الصحافي الجديد؟

– العديد من المواطنين الصحافيين أصبحوا يعملون مع وكالات وقنوات عالمية ومحلية وأعتقد أن العديد من المواد المنجزة من قبلهم احترافية كتلك التي ينجزها أي صحافي. العديد منهم كما رأيت يريد أن يتابع في هذا المجال، لكني أخاف عليهم بصراحة من فترة ما بعد الحرب، عندما تصبح سوريا أقل خطراً ويعود الصحافيون إليها، أخاف أن تستغني عنهم القنوات والمؤسسات الدولية بحجة أنهم لا يحملون شهادات جامعية، وأغلبهم أُجبر على ترك دراسته بسبب الملاحقة الأمنية أو الاعتقال.

* لماذا اتخذت القرار بتدريب النساء على فنون الصحافة والإعلام؟

– لا يوجد في الشمال السوري إلا إعلامية واحدة، لذلك عادة ما أدعو كل من يرغب بأن يتعلمن الكتابة الصحافية للتسجيل في التدريب. ومع النساء أركز على الكتابة الصحافية، ففي البيئات المُحافظة هي الأسهل عليهن. دربت نساء لم يحصلن على شهادة البكالوريا وبعضهن أنجز قصصاً مدهشة عن قضايا لا يمكن لصحافي شاب أن يدخل عمقها ويكتبها بهذه البساطة والتأثير.

* ساهمتِ في تأسيس عدد من الصحف والمجلات الناشئة في سوريا، ما هي تلك الصحف؟ وما هي نظرتك لها اليوم؟

– العديد من الجرائد والمجلات اختفت أما لنقص التمويل واما لخطف نشطائها كما حصل مع “ثوري أنا” في الرقة. أنا لم أؤسس أي شيء بنفسي، كنت أساعد المؤسسين في المضمون والتقسيمات وأحياناً عندما أستطيع تأمين تمويل من منظمتي أو منظمات أخرى.

* كيف تنظرين الى واقع الصحافة السورية الناشئة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري؟

– منذ العام 2013، تغيّر واقع الإعلام البديل بشكل كبير. في الرقة وحدها العام الماضي، كانت تصدر أكثر من ثلاثة مجلات ما عدا الشبكات الإعلامية والمكاتب والحملات، أيضاً في إدلب وحلب، وكان تصل مجلات وصحف تصدر في تركيا إليها بسلاسة بعكس الآن لأسباب أمنية. أما الاذاعات، وبحكم الضغوط وقطع البث وانخفاض سرعة الانترنت، فانتقلت الى تركيا، الآن يوجد إذاعة واحدة يعمل كل فريقها بطاقته الكاملة من الشمال السوري وهي “فريش”.

* على الصعيد الشخصي، عدت للاستقرار في حلب عندما كان الجميع يغادر من سوريا، ما الذي دفعك إلى اتخاذ هذا القرار؟

– لم أستطع قطع علاقتي بسوريا إطلاقاً، حتى قبل عودتي النهائية إليها، في العام 2011 عدت إليها مرات، وشاركت في أول مظاهرة لي في دوما ذاك الصيف، وكانت آخر مرة أرى فيها دمشق وأزور مناطق النظام، بعدها أصبحت أدخل إليها كالمجرمين تهريباً وأتحرك في مناطق المعارضة فقط، تعرضت أيضاً للخطف من قبل ميليشيا تابعة للنظام لأيام قبل أن يساعدني أحدهم بالهرب. إحساسي بالمسؤولية والإنتماء للحراك الإنساني ولهذه البلاد المتعبة التي صدف أنني ولدت فيها هو دافعي الأول، لم أستطع تحمل البعد، وكنت أعرف أنني أستطيع أن أقوم بأكثر مما أقوم به وأنا بعيدة. اعتقال العديد من الأصدقاء واستشهاد آخرين أيضاً زاد من هذه المسؤولية، هو “إدمان” كما تقول أمي، ولا أعتقد أنها مخطئة تماماً.

* ما هي دوافعك للمساعدة في مجال توفير الاتصالات للنساء في الشمال السوري؟

– في كل التدريبات كنت ألاحظ أن النساء تتركن فقرة “وسيلة اتصال” فارغة على ورقة الحضور. فليس لديهن شبكات اتصال ولا إنترنت ولا تعرفن استخدامه. لذلك أسست بالتعاون مع منظمتي مركز “مساحتي” في مدينة حلب، وهو مقهى إنترنت نسائي يوفر مدربة تساعد السيدات المهتمات على تصفح الانترنت وفتح حسابات على وسائل التواصل الإجتماعي وتعلمهن كيفية استخدام الإيميلات مع تركيز على المواقع والصفحات التي تنشر فرص عمل، وبالتالي هو مساحة لتخرج المرأة من واقعها المغلق إلى عالم أوسع تعمل على إغلاقه أغلب القوى الذكورية والمتعصبة والأعرف الاجتماعية القاسية.

* هل لكل ذلك علاقة بتجربتك الخاصة كفتاة سورية كافحت ضد الذكورية والمفاهيم المحافظة؟

– كصبية ولدت وعاشت في مجتمع محافظ، كان عليّ أن أناضل من أجل كل حق طبيعي للفتيات في المناطق الأخرى، من دراستي إلى الملابس التي أرتديها أو العمل الذي أريد القيام به. معاركي بدأت منذ نضجت في الخامسة عشر من عمري ولم أجد من تأخذ بيدي وتعطيني فرصاً. أحاول أن أكون اليد التي لم تُمدّ لي في ذلك الوقت، علماً أن الصعوبات والقمع الآن أصبح مسلحاً ومقاومته تحتاج لقوة أكبر بكثير من تلك التي تحليت بها في مراهقتي وصباي.

* من هي أبرز الأسماء التي قمت بتدريبها؟

– أسامة حسن معتقل عند “داعش”، وأبو يزن الحلبي استشهد بمفخخة لداعش بريف حلب، وأبو محمد شام استشهد برصاص قوات النظام بحمص. اضافة الى الكثيرر من الاعلاميين الذين يعملون في وسائل اعلام مرموقة، فضلاً عن هادية المنصور وهي تكتب الآن مع “داماسكوس بيرو” و”روزنة” و”ضوضاء” ولم تكتب خاطرة في حياتها قبل التدريب الذي حضرته مع طفيلها.

* تقفين في الصف الأول المدافع عن حرية التعبير في سوريا في وقت تتراجع فيه هذه الحرية إلى مستويات متدنية مع كمية القيود المفروضة على الإعلام ووسائل الاتصال؟

– منذ أن أنشأت مدونتي العام 2011 كتبت فيها أنني صحافية منحازة للإنسانية، ودفعت الثمن بنفيي من مدينتي ومن دمشق، وتحولت إلى الملاحقة والخطف، وخسرت العائلة والأصدقاء. أعلنت موقفي باكراً من النظام فأحرقت مراكب عودتي إلى مناطقه، ثم فعلتها مجدداً مع “داعش” عندما حملت لافتة ضدهم العام 2013 وكان آخر مرور لي إلى الرقة في نهاية العام 2013.

* إذاً أنت تدفعين الآن ثمن كل مواقفك الإنسانية…

– الثمن لا يبدو أنه يقل مع تغيير المستبد ولا يمكن أن تعتاد على الظلم الناجم عن اتخاذك موقف إنسانيّ، أقول في الدورات التدريبية التي أقيمها للناشطين الإعلاميين “لا تسحق أي قصة حياتكم”، لكنني أضحك ويضحكون، فحياتنا مرهونة بصدفة اختيار البرميل لموقعنا أو انحراف الصاروخ بمقدار ميلميترات عن هدفه العشوائي.

* ما هي أبرز العقبات التي تقف في وجه نشاطك الإعلامي، كمدربة وصحافية؟

– الإعلاميون هم الهدف الأول لكل الفاسدين والمستبدين، أصبحت أفكر عدة مرات وأمارس رقابة ذاتية على نفسي لأستمر بالعمل من داخل سوريا وهذا متعب جداً علي، أصبحت أكتب أشياء أخبئها لنفسي وللتوثيق. وكامرأة مع كاميرا في مناطق إدلب وحلب، هو حدث جلل يلفت انتباه المارة والمسلحين ويثير الكثير من التساؤلات. أحتاج دائماً الى رجل معي، وفي بعض الحالات أيضاً لم يتقبلني بعض النشطاء كمدربة لأنني امرأة.

الموضوع الأمني في التدريب مرعب جداً ومحفوف بالمخاطر، فجمع 15 شخصاً في مكان واحد معرض للاستهداف، يشعرني أن المتدربين مسؤوليتي وإن قُصفنا سأكون المذنبة، أتمنى دائماً أن أكون من بين القتلى إن حدث ذلك لأنني لن أتحمل تبعات تعذيب الضمير.

* إلى جانب الخطر الأمني، من هو العدوّ الأول للصحافة وحرية التعبير؟

– لا يوجد مقياس حقيقي لعداء حرية التعبير. أحياناً أتلقى تهديدات من منظمات مدنية وناشطين علمانيين لأنني انتقدت حملة قاموا بها أو موقفاً اتخذوه.

* ما هي خططك في المستقبل القريب؟ وما الذي تطمحين إليه في حياتك المهنية؟

– أنهيت للتو عملي على خمسة أفلام قصيرة هي بورتريهات لصبايا ناشطات ما زلن يعشن في سوريا، كجزء من قضيتي لتوثيق الحراك النسائي والتاريخ الحالي، أحب أن أكمل في هذا المجال، والمدونة النسائية هي مشروعي الذي سأسعى ألا يتوقف. وعلى الصعيد الشخصي أتمنى أن أعود صحافية فقط.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى