صفحات الرأي

سؤال الساعة.. أتكون ديمقراطية حقيقية أم لا؟

 


فهمي هويدي

أصبحت السلفية أشهر مصطلح يتردد هذه الأيام في الفضاء المصري. مستصحبا معه أصداء متعددة من الترويع والتخويف، الأمر الذي يستدعي الكثير من أسئلة الحال والمآل.

(1)

يوم الأحد الماضي مثلا (3/4) تناولت الصحف المصرية الموضوع على النحو التالي: «الأهرام» تحدثت على صفحتها الأولى عن ائتلاف مدني من ست مجموعات لمنع انقضاض السلفيين على مطالب الثورة الحقيقية.

 

وذكرت أن مؤتمرا حاشدا ضم أكثر من ألف سلفي عقد بمسجد عمرو بن العاص -أكبر وأقدم مساجد مصر- تحدث فيه الشيخ ياسر برهامي (طبيب أطفال) الذي وصف بأنه أبرز قادة السلفيين، وكانت اللافتات المرفوعة ترسم أهم ملامح المشروع السلفي لمصر، وفي مقدمتها لافتة كتبت عليها عبارة تقول: «إسلامية إسلامية.. لا مدنية ولا علمانية».

في العدد ذاته نقلت الأهرام عن قيادي سلفي آخر قوله إن هدم الأضرحة ليس من الإسلام في شيء. وإن إقدام بعض الشبان على ذلك بمثابة «مصيبة كبرى». ونقلت عن قيادي ثالث قوله إن كل جريمة تحدث الآن في مصر تنسب إلى السلفيين دون تثبت أو تحقيق. وتساءل رابع قائلا: لماذا تكال الاتهامات الآن للسلفيين، وهم الذين لم يعتدوا على الأضرحة طوال الثلاثين عاما الماضية؟.

صحيفة «الشروق» تحدثت عن 90 ندوة ومؤتمرا عقدها السلفيون بمحافظات مصر بعد 25 يناير/كانون الثاني، كما نشرت خبرا عن تحذير شيوخ الصوفية من وقوع فتنة كبرى بسبب الاعتداء على الأضرحة. وخبرا آخر عن تحركات سلفية للسيطرة على مساجد الأوقاف.

صحيفة «المصري اليوم» تحدثت عن مؤتمر السلفيين في مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة. وأبرزت في عناوين تقريرها قول دعاتهم: سنطبق منهجنا الإسلامي مهما يكلفنا الأمر، وإذا أراد النصارى أمانا فعليهم الاستسلام لحكم الله. وفي التقرير أن أحدهم ذكر أنهم تعرضوا لسيل من الافتراءات ذهبت إلى حد اعتبار السلفيين أخطر على مصر من الإسرائيليين.

صحيفة «الوفد» نشرت على صفحتها الأولى عنوانا باللون الأحمر على أربعة أعمدة تحدثت فيه عن تصاعد أزمة الأضرحة بين الصوفية والسلفية. وتحته عناوين أخرى من قبيل: “الصوفية يرفضون الحوار وتحذير من تحويل مصر إلى لبنان أخرى”، “الشبراوي شيخ الطريقة الشبراوية يقول: ندرس الرد بالقوة ونطالب شرف (رئيس الوزراء) بالتدخل لوقف زحف السلفيين”.

صحيفة «روز اليوسف» نشرت أكثر من تقرير حول الموضوع. أحدها تحدث عن “خناقات” في المساجد بسبب السلفية. والثاني ذكر أن للسلفيين ثلاثة آلاف مسجد وزاوية في مصر، وأن التحالف المصري لمراقبة الانتخابات حذر من تنامي المد السلفي في البلاد. والثالث ركز على أن مجهولين يوزعون الدستور السلفي في إيميلات مجهولة، ووصف هذه الخلوة بأنها «تطور مفزع لما تقوم به الجماعات السلفية»، والرابع حوار على صفحة كاملة مع من وصف بأنه رئيس جماعة السلفيين في مصر ورئيس مجلسها للشورى (الدكتور عبد الله شاكر)، قال فيه إن الدعوة للخلافة الإسلامية في هذا الزمان أمر صعب لكن «لدينا البديل»، كما قال إن «الجماعة» لديها مرشحون للانتخابات البرلمانية. وإن تغيير المنكر لا يكون إلا باللسان أو القلب، إلا أن هناك اختراقات فكرية للسلفيين.

(2)

هذه حصيلة يوم واحد من المعلومات والانطباعات التي تلقاها الرأي العام في مصر. ولك أن تتصور صدى تلك التعبئة اليومية المستمرة هذه الأيام، خصوصا إذا تخللتها رسائل ترويعية من ذلك القبيل الذي نشرته صحيفة «روز اليوسف» على رأس صفحتها الأولى يوم 30 مارس تحت العناوين التالية: حالة هلع بعد التهديدات السلفية، غزوة إخوانية على مقاهي الأعراب في الفيوم بحجة تعاطي الخمور والمخدرات انتهت بمقتل شخص وإصابة 8، ارتفاع نسبة الغياب في المدارس وإغلاق بعض المدارس المسيحية، وبيانات سلفية تتهم فلول النظام بالترويج لشائعات خطف المتبرجات، طالبات بأسيوط يستسلمن للسلفيات ويرتدين النقاب، مطلقة مسلمة تضرب والدها المسيحي لإصراره على إعادتها للمسيحية.

الكلام عن السلفيين سحب وراءه كل من له صلة بالإسلام، خصوصا الإخوان الذين اتهمهم رئيس تحرير إحدى الصحف (الفجر 4/4) بالمسؤولية عن إحراق أقسام الشرطة، واقتحام مباني أمن الدولة والمحاكم والسجل المدني والسجون «التي فيها أنصارهم»، بدعوى أن الذين هاجموا تلك المواقع «كانوا يحرقون ملفاتهم وسجلاتهم ويمحون من الوجود تاريخهم الأسود».

وأضاف صاحبنا أن لجنة محايدة لتقصي الحقائق (إذا شكلت) ستكشف أن جماعة الإخوان المسلمين ليست بعيدة عما جرى على هوامش الثورة وخلال اشتعالها. ربما من باب الانتقام. وربما تعبيرا عن غريزة شرسة كانت مكبوتة. ربما لتمهيد طريق الحكم بسهولة. واستطرد بعد ذلك قائلا: إننا وجدنا أهل السلطة يمدون أيديهم إلى الجماعة بحيوية غير مفهومة. ويتركون لها مهمة تعديل الدستور(؟!). ويسارعون بإجراء انتخابات تشريعية يعرفون مقدما أنها تملك الفرصة الأكبر للفوز بها. ليُشَكَّل برلمان ملتح متعصب متشدد ستختار منه لجنة إعداد الدستور الجديد، الذي سيؤسس لنظام سياسي يمنحها فرصة البقاء في السلطة إلى يوم القيامة.

هذه الخلاصة عبر عنها بطريقة أخرى الشاعر في قصيدة نشرتها جريدة «الأهرام» (عدد 31/3) بعنوان «سارق النار»، قال فيها: إن الظلام استرد معاقله في مدينتنا وتوالت علينا الشرور!!.

(3)

بعدما أعلن أن تشكيل الأحزاب أصبح يتم بالإخطار. صرنا نقرأ كل صباح عن ميلاد حزب جديد. ساعد على ذلك أن المجتمع فقد ثقته في أغلب إن لم يكن كل الأحزاب التي أجازتها السلطة خلال الثلاثين سنة الماضية، وبعضها كان ضمن أجنحة الحزب الحاكم، والبعض الآخر كان مشمولا برعاية جهاز أمن الدولة.

وأثار الانتباه في هذا الصدد تعدد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. إذ إلى جانب حزب «الحرية والعدالة» الذي يتجه الإخوان إلى إنشائه. فقد صدر مؤخرا حكم أجاز “حزب الوسط”، وثمة شائعات عن تكتل خارج من عباءة الإخوان ومستقل عن الجماعة رُشح له اسم حزب «النهضة».

وليس معروفا موقف الجماعة الإسلامية ولا التيار السلفي، لأن ثمة آراء تتحدث عن احتمال انخراطهما في الحياة الحزبية، وآراء أخرى ترجح انخراطهما في الحياة السياسية دون الحزبية، بمعنى الترشح للانتخابات التشريعية من خارج الأحزاب، أو التصويت لأحزاب دون غيرها.

هذا الظهور المكثف نسبيا للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية نستطيع أن نفهم دوافعه. إذ لا تفسير له سوى أن تلك الشرائح كانت الأكثر تعرضا للقمع والاضطهاد في ظل النظام السابق. وحين زال الحصار الذي فرض عليها طوال الثلاثين عاما الأخيرة وفرض على الأغلبية الساحقة منهم البقاء في عذابات السجون والمعتقلات والمنافي، فإنها اندفعت نحو إثبات الحضور والعمل في النور لتجميع الأنصار في ظل الشرعية.

هذا السلوك لا يخلو من إيجابية، من ناحية لأنه يتيح لنا أن نقرأ أفكارهم في العلن، وأن نناقشها أمام الملأ. وهي ذاتها الأفكار التي كان يتم تداولها في السر وتشيع بين الشباب دون أي مناقشة. ومن ناحية ثانية، لأن ظهور تلك التجمعات إلى النور يسمح لأصحابها بأن يتحاوروا مع المجتمع ويعملوا له حسابه. وهم الذين ظلوا يحاورون أنفسهم ويتجادلون مع بعضهم البعض طوال السنين التي خلت. (لاحظ أن الذي تحدث عن “غزوة الصناديق” اضطر في اليوم التالي للتراجع والاعتذار، والاحتجاج بأنه كان يمزح وقد انتشى بعد إعلان نتيجة الاستفتاء على تعديل الدستور). من ناحية ثالثة، فإن ظهور تلك الجماعات إلى العلن يفتح الباب ليس فقط لمناقشة أفكارها ولكن أيضا لتطويرها وإنضاجها في ضوء ردود الفعل المجتمعية إزاءها.

جدير بالذكر في هذا الصدد أن خروج تلك الجماعات إلى النور فتح الباب لاحتمالات التغيير في هياكلها فضلا عن أفكارها، فقد ظهرت تكتلات داخل حركة الإخوان ذاتها، كانت فكرة حزب النهضة وتكتل شباب الإخوان من تجلياتها. كما حدثت استقالات من مجلس شورى الجماعة الإسلامية بسبب الخلاف حول مبادرة وقف العنف. كما تباينت المواقف داخل الحركة السلفية إزاء موضوع هدم الأضرحة أو الموقف من الأقباط، واكتشفنا أنهم ليسوا شيئا واحدا ولكنهم مجموعات شتى.

(4)

ضربت مثلا من قبل بحالة اليابان بعد الحرب العالمية الثانية التي تشكل فيها 400 حزب انتهت الآن إلى 12 حزبا، أقواها اثنان فقط. وكان رأيي ولا يزال أن تعطى الفرصة للجميع لكي يثبتوا حضورهم. ثم يترك للمجتمع من خلال صناديق الانتخابات أن يقرر من الأجدر بالبقاء ومن الذي ينبغي أن يختفي من المشهد.

ولكن الصوت العالي بين الطبقة السياسية في مصر لم يحتمل ظهور الجماعات ذات المرجعية الإسلامية. وتبنى موقف إقصائها، مستخدما في ذلك أسلوب التخويف والتشهير الذي اتبعه النظام السابق. ولا مفر من الاعتراف هنا بأن أغلب العلمانيين والقوميين ومعهم المتعصبون في الكنيسة القبطية لعبوا دورا مهما في تكريس ذلك الاتجاه.

لا أريد أن أبرئ المنتسبين إلى الإسلام من المسؤولية، لأن بعضهم وقع في أخطاء استخدمها الآخرون في ترويع المجتمع وتخويفه. ولأن الموقف الإقصائي والمناوئ كان الأصل، ولأن الاصطياد والتربص كان الوسيلة، فإن تلك الأخطاء جرى تضخيمها من ناحية، كما جرى تعميمها على الجميع من ناحية ثانية.

ولأنه لم تكن النوايا صادقة والنفوس صافية، فقد صار الإقصاء بديلا عن الاستيعاب. ولم يكن ذلك أغرب ما في الأمر، لأن الأغرب أن ذلك تم في مرحلة الإعداد للانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي، يختلف عن الديمقراطية المغشوشة التي عشنا في ظلها طوال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل.

لا أريد أن أقارن بحضور ودور أحزاب التطرف اليميني في البرلمان الإسرائيلي، ولكنى أنبه إلى دور جماعات اليمين المسيحي في الولايات المتحدة، وكلهم “سلفيون” وإن اختلفت مرجعياتهم الفكرية.

وأحيل من يريد أن يعرف أكثر عن اليمين المسيحي أن يرجع إلى كتاب «أصول التطرف: اليمين المسيحي في أميركا»، لمؤلفته كيمبولي بلاكر (ترجمته هبة رؤوف وتامر عبد الوهاب، وصدر ضمن المشروع القومي للترجمة بالتعاون مع مكتبة الشروق الدولية). ومن يقرأ ذلك الكتاب يكتشف أن ما يفعله السلفيون في مصر ليس أكثر من «هزار» بالمقارنة مع ما يفعله أقرانهم في الولايات المتحدة.

إن جوهر الخلاف الراهن في مصر ليس على ما إذا كان هذا الطرف أو ذاك هو الذي سيجني ثمار الثورة، ولكنه يدور حول ما إذا كنا نريد ديمقراطية حقيقية أم لا؟.

الجزيرة نت

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى