صفحات المستقبل

سؤال وجيه!!!

بتثاقل فتح عينيه رويدا رويدا, قطب حاجبيه قليلاً ….. الساعة تشير إلى التاسعة صباحاً, ينظر إليها دون أن يستطيع حقاَ أن يدرك المعلومة التي يعطيها هذا الشيء المستدير على الحائط, كان مستيقظاً منذ عشر دقائق ولكنه لم يستطع أن يقوم بأي عمل يوحي بأنه في حالة صحو , ولولا حركة عينيه الأخيرة لأعتقد من يراه أنه دمية خشبية , فلا شيء حقا يدل على الحياة في جسده النحيل. شلل في الجسد تناهى سريعاً إلى الرأس فاكتمل بعجز واضح في مركز القرار…. إنها خمسة عشر ساعة متواصلة من السبات العميق وهي أكثر من كافية لجعل جميع وظائفك الحيوية- ماعدا الانعكاسي منها- شبه معطلة وخارج السيطرة…. (في مكان ما, لن أستغرب إن احتاج الإنسان بعد خمول طويل كهذا إلى جهاز الصدمات الكهربائية لإعادة تنظيم ضربات القلب).
لاشيء جديد في كل ما سبق … فقد سبق ومر بحالات مشابهة. في الحقيقة, هذه الحالة يستحضرها عامداً متعمداً بين الحين والأخر حين تجتاحه تلك الرغبة الجامحة في الهروب من واقعه المغرق في السواد, من زمنه المشبع بالسوء و من جلده المليء بالندوب… ينام لأطول وقت ممكن أملا بأن يحظى عند استيقاظه بلحظات من تيه لذيذ يشعر معه كمن يفتح عينيه على العالم للمرة الأولى. شخص جديد بلا أمس في حياة جديدة بأمل جديد. كان يعرف أن متعته هذه لن تدوم سوى دقائق معدودة تتنحى بعد ذلك ليعود إلى كابوسه القديم المتجدد و لكن بوقع أخف بكثير وبالنسبة إليه كان يشبهها ببضع قطرات من ماء عذب أضيفت إلى محلول مالح لتخفف تركيزه فيغدو مستساغا………على كل حال, في قرارة نفسه, كان يعشق هذا الجو الهش والمؤقت من الراحة.
هذه المرة….هذا الصباح, هناك شيء مختلف . الصمت الثقيل المطبق في الغرفة لا يوحي أبدا بالهدوء. و على غير العادة, ضوء الشمس المتسرب من خلف الستارة الداكنة لا يبشر بنهار جديد, بل إنه لا يحمل حتى شبهة التفاؤل التي كان يلقيها في نفسه سابقا….هناك فعلا شيء مختلف, شعور مختلف ….
جسد ممدد على السرير بانضباط من يؤدي تحية العلم . فقط عيناه من بين كل أعضاء جسده المشلولة كانتا قد تحررتا من قيود النوم الطويل. تجول بهما بقلق في أرجاء الغرفة التي كانت يوما ما مألوفة . فتش في الزوايا الشاحبة, حدق مطولاً بكل ما تناثر هنا و هناك من طقوس الأمس لكن عبثا حاول فلم يسعفه عقله المشتت و لا ذاكرته الخالية بخيط واحد قد يرشده إليه , إلى الشخص الذي كانه البارحة حين استسلم لنوم مبكر,غير مبرر بأي إرهاق أو تعب , فقد أخذ قراره بممارسة السبات أثناء وجوده في العمل, لذا و فور وصوله إلى البيت اتخذ وجهة غرفة النوم مخلفا ورائه ثيابه التي بدأ ينزعها مذ ولج عتبة الباب …على الطاولة الصغيرة قرب السرير, كأس من الماء و كثير من علب المهدئات , بعضها فارغ… كجهاز مبرمج مسبقاً انسل في فراشه ببطء و سلاسة , أغمض عينيه ثم كما في كل مرة حاول الولوج إلى سباته العميق, وبتمرس مكتسب, نجح ودونما عناء….
عشرون دقيقة مرت ومازال فعلا غير قادر على إدراك ما حوله. ما كان لذيذا و محبباً في المرات السابقة لم يعد مستساغا أبدا, بل فتح البابَ لشكٍ قلق بدأ يتسرب علناً إلى نفسه. تلك الدقائق التي كان يتمنى فيما مضى أن تستمر لساعات أضحت الآن كابوسه الأسوأ. ماذا الآن ؟؟؟ سؤال مر في خاطره بخفة نسمة صيفية لكنه ظل بلا إجابة تاركا إياه غارقاً في عاصفة هوجاء من الحيرة…..
فقط بعد ساعة كاملة من بداية محنته, استجمع قواه و نهض بعزم من يحطم قيداً يدميه. انتصب أمام سريره بدون تردد. تجول في الغرفة جيئة وذهابا ً…. كل شيء غامض, بلا تفاصيل وكلما أعمل في الذاكرة استحضاراً ازداد تشتته وضياعه. ما بدا على وجهه وفي حركاته في تلك اللحظة لم يكن خوفاً بل حالة من الهلع و الرعب المطلق. فجأة, توقف في وسط الغرفة, أمسك رأسه بين يديه لتخرج من بين شفتيه صرخة مدوية رددت جدران الغرفة صداها طويلاً….لكن ما بقي دون صدى هوسؤاله الوحيد و المتكرر: من أنااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ؟؟
هو سؤال “وجيه” يا سادة, لم يكن معقداً ولكن إجابته أيضا لم تكن بسيطة أبدا ….. اليوم عندما يطرح احدهم سؤالاً جديرا بالإجابة نستذكر قصة هذا الشاب, نبتسم ثم نعلق: هذا فعلاً سؤال وجيه !!!!
هذه قصة وجيه… شاب عادي يشبه اغلبنا. جرب يوماً أن يتسلل من حياته, متعباً ليرتاح قليلاً على الهامش…وجيه تجرأ و قفز من بين السطور مرات عدة قبلا ً ولم يحاسبه أحد, أعجبه الأمر واستسهل الخروج عن النص فكان عقابه وفي غفلة منه بقائه حبيس الهامش ما بقي من عمره.

سؤال وجيه!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى