صفحات سوريةمنذر خدام

ساعة ونصف مع الأخضر الإبرهيمي


منذر خدام

بدا الرجل حيويا رغم السنين التي يحملها على كاهله والتي قاربت الثمانين، تعلو وجهه ملامح حزن عميق، يجاهد لإخفائها بين الحين والآخر بابتسامة خفيفة كلما أخذ الكلام ليجيب عن سؤال أو ليستعرض نتائج زيارة، أو لقاءات مع هذا الطرف السوري أو ذاك.

لقد استقبلنا – نحن الأشخاص العشرة الذين ضمنا وفد بعض القوى المعارضة في الداخل – بترحاب كبير، بل عانق البعض منا لمعرفة قديمة جمعته به في المؤتمر القومي العربي وفي غيره. بدأ حديثه بالتعبير الصريح عن حزنه الذي جاهد لإخفائه، لما يجري في سوريا وعن سقوط عشرات الآلاف من السوريين شهداء جراء خيارات لا جدوى منها، وان الشعب السوري يستحق الحياة لا الموت، الحياة الحرة الكريمة التي تليق به.

عن هذه المسألة سئل الأخضر الإبرهيمي هل هذا رأيه الشخصي أم خلاصة توصل إليها من خلال جولته الأخيرة على جميع الدول والأطراف المنخرطة بهذا الشكل أو ذاك في الأزمة السورية. أجاب بوضوح بأن ذلك هو رأيه الشخصي، لكنه تعزز أكثر من خلال اقتناعات مستجدة ومواقف لدى كثير من الدول التي زارها بأن خيار العنف لن يوصل إلى أية نتيجة سوى إلى تدمير سوريا وتمزيقها شعبا وأرضا، إضافة إلى المخاطر الحقيقية التي يمكن أن تنجم عن احتمال انتقاله إلى الدول المجاورة في حال لم تتخذ إجراءات معينة لوقفه.

وضرب مثلا ليؤكد ما ذهب إليه بأن مزيداً من التفاهم يحصل بين روسيا وأميركا تجاه ضرورة وقف العنف والبحث عن خيارات سياسية تستند أساسا إلى بيان جنيف لمجموعة الاتصال الدولية. وأضاف بأن تقدماً مهماً في هذا الاتجاه يحصل أيضا على مستوى الدائرة العربية والدائرة الإقليمية إضافة إلى الدائرة الدولية التي أشار إليها في مثاله، وقد تمثل في موافقة جميع هذه الأطراف على فكرة الهدنة الموقتة التي طرحها خلال عيد الأضحى المبارك كاختبار لحسن “النيات” و”امتحان” للضمائر.

 وعن الحل الذي يتصوره أجاب الإبرهيمي بأن المسألة في غاية التعقيد اليوم، ومع ذلك فإنه يرى ضرورة البحث عن نموذج سوري خالص للحل، لأن النموذجين العراقي أو اليمني، اللذين تدفع بهما بعض الأطراف العربية والدولية لا يصلحان لسوريا. يؤكد بأن أي حل في سوريا ينبغي أن يؤدي إلى إجراء تغيير “جذري وشامل وحقيقي”، فإصلاح النظام القائم لا يجدي بحسب رأيه، لكن مع الحفاظ على الدولة ومؤسساتها بما فيها المؤسسة العسكرية، ووحدة سوريا أرضاً وشعباً.

واستطرد شارحا فكرته بأن المدخل إلى ذلك يكون بتأليف حكومة وحدة وطنية بصلاحيات “كاملة وشاملة” لتقود مرحلة انتقالية تؤدي إلى التغيير المنشود. عند هذه النقطة حاول الشرح أكثر فقال: ينبغي على الحكومة المعنية أن تتمتع بصلاحيات كافية لتحدد ملامح المرحلة الانتقالية وآجالها التنفيذية يتم خلالها إعداد دستور جديد والقوانين الانتخابية المكملة له على أن لا تطول هذه المرحلة أكثر من سنة. واستطرد قائلا أن كثيرين يطالبونه بإعلان خطة كاملة للحل كما أعلن سلفه كوفي أنان، ومن السهل عليه أن يعلن مثل هذه الخطة، لكنه يفضل التريث وان يبني كل خطوة تالية على خطوة محققة، وبدون إنضاج خطة كهذه بالتشاور مع الجميع سوف تفشل وهو لا يريد أن يفشل.

لقد شعرنا نحن زواره بأن الرجل واثق من نفسه، وأنه يفكر بطريقة قريبة جدا من طريقة تفكيرنا، فما عرضناه في الورقة المكتوبة التي سلمناها له من مبادئ نراها ضرورية لأية تسوية سلمية محتملة للأزمة السورية يلتقي مع كثير مما عرضه أمامنا. بداية ركزت الورقة المقدمة إليه على ضرورة وقف العنف الذي “لن يؤدي إلى أية نتيجة سوى تدمير سوريا” وان فكرة الهدنة التي يعمل عليها كنا سابقا قد طرحناها لمناسبة عيد الفطر، غير أنها في حينه لاقت رفضا من غالبية أطراف المعارضة السورية وكثير من الدول الإقليمية، مع الفارق بأن طرحه للهدنة حاز على قبول شبه إجماعي من جميع الأطراف المعنية، ولم يكن باقياً سوى السلطة الحاكمة لتعلن قبولها بها.

إضافة إلى تأييدنا فكرة الهدنة الموقتة طالبناه بأن يعمل على إطلاق سراح “كافة المعتقلين على خلفية انتفاضة الشعب السوري وإعلان العفو العام”. واقترحنا عليه كصيغة إجرائية أن يتم عقد مؤتمر دولي تحت رعاية جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة تشارك فيه جميع الأطراف العربية والإقليمية والدولية المنخرطة في الشأن السوري بصفة مراقبين ويديره السيد الأخضر الإبرهيمي تكون مهمته الرئيسة تنظيم حوار بين جميع أطراف المعارضة السورية وممثلين عن النظام من المستوى السياسي لوضع خريطة طريق مفصلة للمرحلة الانتقالية يصار لاحقا لإصدارها بقرار ملزم من مجلس الأمن.

في ضوء ذلك وعلى أساسه يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمتع “بكافة الصلاحيات التشريعية والتنفيذية وترأسها شخصية معارضة”. تباشر هذه الحكومة فور تشكيلها العمل على إعداد دستور جديد للبلاد والبدء بتنفيذ خطة شاملة للمصالحة الوطنية على قاعدة تحقيق ” العدالة ورد المظالم والتسامح”، والشروع في إعادة الإعمار بالتعاون مع المجتمع الدولي والجهات المانحة.

استمع الإبرهيمي باهتمام بالغ لهذه الأفكار التي عرضناها عليه وكان يدونها في مذكرته “حتى تكون بين يديه”، وقال إنها أفكار جديرة بالاهتمام وسوف يناقشها مع الأطراف المعنية. وعندما سألناه عن مدى تفاؤله بإنجاز تسوية معينة تحقق للشعب السوري مطالبه التي ثار من أجلها وهي حقوق طبيعية له، أجاب بأنه “متفائل بحذر شديد”، ولا يستطيع أن يبشر السوريين اليوم بأكثر من ذلك. والتفت إلى ممثله المقيم في دمشق وطالبه بأن يكون على تواصل دائم مع المعارضة في الداخل ويضعها في صورة ما يقوم به.

في نهاية اللقاء الذي استمر نصف ساعة زيادة عن الوقت المحدد له ودعنا الرجل على باب جناحه الخاص حيث جرى الاجتماع ليترك لدينا انطباعا عن رجل حاد الذكاء يتميز بذاكرة قوية، وديبلوماسية متميزة، إنه بحق كما قيل عنه رجل المهمات الخاصة والمعقدة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى