صفحات الناس

ساقي المبتورة فداء الثورة السورية/ مصطفى محمد

 

لا يعرف اليأس إلى قلبه طريقا. كان مقاتلا في صفوف الجيش الحر عندما كان يمشي على قدميه، وهو الآن مهتم بالقراءة والشعر والأفلام الوثائقية ومشارك فيها، بعد أن فقد قدمه اليمنى في إحدى معارك مسقط رأسه، والتي صوّر تحت سمائها فيلمه الوثائقي الأول “تحت سماء حلب”.

أحمد إبراهيم (23 عاماً)، من أوائل المنشقين عن جيش النظام، التحق بأول كتيبة مسلحة شكلتها المعارضة، في ريف حلب، وتحوّل لاحقا إلى أحد أيقونات الثورة.

وبحسب أحمد، فإن انشقاقه شكّل تاريخ ولادته مجددا، وفرصة حياته التي يعتبرها الأغلى، رغم كل الصعوبات والخطر المحدق بعائلته “اتخذت القرار لأنني كنت غاضبا من الظلم التاريخي الذي يمثّله حزب البعث الذي أمقته منذ الصغر”.

أصيب أحمد بطلق ناري في معركة في منطقة الهزازي، وتم إسعافه في أحد المشافي الميدانية في مدينة الباب، ليضطر الأطباء إلى بتر ساقه، بسبب التشوهات الكبيرة التي أحدثتها الرصاصة المتفجرة. “عندما استيقظت من تأثير المخدّر، قالوا لي رجلك بترت، لم أفكّر فيها ولم أسألهم عنها، هي وسيلة وأملك وسائل أخرى، قد يكون ذلك لأن عائلتي كانت معي، ومؤخراً علمت أنها مدفونة بقبر كتب عليه اسمي. ما زلت على قيد الحياة، والأحياء يجب عليهم الوقوف ضد الظلم”، يقول.

يتابع أحمد: “زرت مدينة الباب كثيرا بعد بتر قدمي، ولم أقم بزيارة القبر الذي دفنت فيه، حاولت أن أحمل السلاح مجدداً، ولكن يبدو أن القدم لا بد منها في الحروب، ولذلك اتجهت مصادفة إلى الأفلام الوثائقية بعد زيارة لبيت صديق إعلامي، لأكتشف أن الإعلام حرب لا تحتاج إلى الأطراف، بل تحتاج الوسيلة الأقوى وهي فكر الإنسان وإيمانه بعدالة قضيته”.

شارك إبراهيم كشخصية رئيسية في فيلم وثائقي، يتحدث عن سماء حلب المليئة بالطائرات مقابل حياة مليئة بالحب والصدق والإيمان بوطن للجميع على الأرض تحت سماء لا تجلب إلا الموت. كما شارك في فيلم قصير بعنوان “سوا للموت”، يحاكي الحملة التي أطلقها الرئيس السوري بشار الأسد للانتخابات الرئاسية الأخيرة، تحت مسمّى “سوا”، ولكن بطريقة مغايرة، تتجسد في مشهد تظهر فيها الألف في آخر كلمة سوا، برجل أحمد المبتورة، وهو متمدد بجانب قدمه. وحاول الفيلم مقاربة ما يجري على الأرض، لإيصال رسالة فحواها أن هذه الانتخابات تقام على أشلاء السوريين.

وعن التجربة يقول أحمد: “في الفيلم الأول حاولت أن أقول للعالم أن هناك رجالا قدموا كل شيء حتى ينالوا حريتهم المسلوبة، في مواجهة نظام بالغ في إجرامه وحقده ليجعل سماء حلب ناراً تحرق من يعيشون تحتها. أما الفيلم الثاني فكان لفتة إلى حقيقة المهزلة الانتخابية، وأردت أن يفهم العالم أن الديكتاتور لا يتحول إلى ديمقراطي مهما تزيّن بتوابع الديمقراطية”. يستحضر أحمد، ذكرى رفاقه الشهداء، فالذاكرة ممتلئة بصورهم، وخصوصاً رفيقه الشهيد محمد جميل عباس، الذي آلمه استشهاده أكثر من بتر رجله بحسب وصفه، ويتواصل مع من تبقى منهم على قيد الحياة. يقول: “علم الثورة يمثلني فقط، لا تلك الرايات المختلفة. ومن لا يرفعه لا يمثلني، والثورة بخير، وما هذه الفوضى الظاهرة إلا لوازم لا بد من ظهورها في كل الثورات، والثورة السورية ليست مختلفة عن الثورات”.

بالمقابل يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أكبر تهديد يواجه الثورة السورية، لأنه أوقع قوات المعارضة بين فكي كماشة وشتت جهود المعارضة التي كانت متجهة لحسم المعركة مع النظام لصالحها في حلب، إلا أن النظام استفاد من ظهور داعش، واستجلب قوات إضافية لتعزيز صفوفه. يقيم أحمد وعائلته اليوم في غازي عنتاب التركية، حاله حال أغلب أهالي حلب بعد تحولها لمدينة أشباح، بعد موجات من نزوح أهلها.

حلب

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى