صفحات سوريةفلورنس غزلان

سباق محموم نحو مؤتمرات تحاور أو لاتحاور- بين النظام والمعارضة-.


فلورنس غزلان

بالتتالي انعقدت مؤتمرات للمعارضات السورية، لكل منها أجنداته وممثليه، بعضها شبابي وبعضها الآخر من رجال سياسة ومثقفين ومعارضين مستقلين وممثلي عشائر وممثلي أحزاب دينية وليبراليين ..الخ بدأها مؤتمر ” أنطاليا” في 31 من شهر أيار الماضي إلى 2/6 وتحت عنوان” المؤتمر السلمي للتغيير” ..خرج المؤتمر ببيان ختامي لاغبار على ماورد فيه ــ رغم كل ماجرى قبله وبعده من مغالطات ومن تباينات، وحتى اللحظة لم يسفر المؤتمر عن نتائج ملموسة على أرض الواقع السياسي والاجتماعي السوري لا في الخارج ولا في الداخل.

تلاه على الفور وبعد يومين من انعقاد الأول مؤتمراً آخر في بروكسيل أي 5/6 2011، وتحت عنوان” الإئتلاف الوطني لدعم الثورة السورية”، ضم بين صفوفه أكثرية ذات جذور وبعد إسلامي مع بعض المستقلين أو أطراف سياسية يمكننا القول أنها بعثية أكثر منها يسارية، ولم يهاجم أي طرف من أطراف المؤتمرين بعضهما البعض ، بل اعتبرا أن المعارضة يمكنها أن تحتمل وتحتاج لأكثر من مؤتمر يجمع صفوفها المشرذمة، والتي لا أرى أن هذه المؤتمرات ساهمت بالحد من هذه التقسيمات أو قربت بين وجهات النظر وجعلت الكل يتجاوز الأيديولوجيا ويقف مع نفسه ومع الوطن ، مع الانتفاضة بعقلانية توحد وتتحد مع لجان التنسيقيات أو تكملها..دعماً عملياً وفاعلا إعلامياً وسياسياً.

ثم انعقد مؤتمر لشباب ال 15 من آذار في اصطنبول في 28 من حزيران الماضي أيضاً، سمي مؤتمر” إئتلاف شباب 15 آذار”!

في هذه الفترة اشتد الخناق على النظام عالمياً ..مع صمت عربي مطبق ــ سبق وطرحنا أساب تخوف الأنظمة من رياح التغييرــ..وحتى الموقف العالمي لم يكن بمستوى يطلب فيه من النظام التنحي ويتلاقى مع مطالب الشعب السوري ومع ماقدمه من تضحيات فاقت كل التضحيات ، التي قدمتها ثورات عربية سبقتها..بل أثبت الجميع حرصه على بقاء صورة النظام ورئاسته على الأقل ، لأنها الضامن الأهم لاستقرار المنطقة أو بالأحرى لاستقرار الحدود والأمن مع إسرائيل،وأثبت أن الحل الأمني عاجز عن الفعل وعن الاتيان بنتائج ترضي وتُثَّبت موقع النظام.. وإن إلى حين..ورغم كل القمع والاجتياح والتخريب والقتل المتعمد والإهانات والتعذيب، كل هذا لم يردع أو يخفف من حدة التظاهر بل ساهم في امتداد رقعتها وفي ازدياد أعدادها بين المدن والقرى وعلى كافة أراضي الوطن السوري، مما حدا بالنظام إلى طرح مشاريعه الخلبية ذات المستوى المتدني ، ودعواته للحوار الوطني المشبوهة، والتي لاهدف لها سوى الالتفاف على الثورة ومحاولة التقرب من بعض الأصوات المستقلة ..فسمحت بعقد مؤتمر في ” فندق سمير أميس” بدمشق..ورغم أنها خطوة أولية لم تماثلها خطوة منذ أكثر من أربعة عقود..ورغم أن المجتمعين كان بينهم وجوه معارضة لها تاريخها المحترم ..لكن كانت هناك أيضاً وجوه موالية للنظام، كشرت عن أنيابها المخابراتية حين تصدت لأحد المؤتمرين ممن يملك حساً وطنياً متماشياً مع الشارع ومطالبه ونهض يطالب المؤتمرين بأن يكونوا متماهين مع صوت الشارع، فأشبعوه ضرباص ولكماً وركلاً!! ــ هل يمكن لحليمة أن تترك عادتها القديمة، أو للذئب أن يتحول لحمل وديع؟ ــ..وكان للنظام مكسباً هاماً في سماحه بانعقاد مثل هذا المؤتمر..والدليل أن صوت الخارجية الأميركية جاء ليضغط على المعارضة السورية” بقبول الحوار مع النظام “!، وإن قدرنا كذلك أنها خطوة خسر فيها النظام وتعتبر اعترافاً منه بأن ضغط الشارع السوري هو مادفع به إلى قبول مثل هذا المؤتمر..وأن ماقاله المؤتمرون هو نتيجة للدماء الزكية الطاهرة التي أراقها النظام، وقدمها الشعب السوري قرابيناً من أجل كرامته وحريته وبناء مستقبل مشرق يحلم به المواطن منذ عقود، ومع أن النظام مازال يطرح الحوار وأن موعده في العاشر من الجاري ويترأسه نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع ولجنة جلها من الموالين وأبناء الجبهة الوطنية الخاضعة للمادة الثامنة من الدستور ، في ظل هذه الظروف تفتتح الحوارات!!….في ظل القتل ، الدبابة، تفتيش البيوت ونهبها بالسيارات العسكرية الشاحنة ، ناهيك عن المحلات التجارية، الاعتقالات المتواصلة بكل الأنحاء وفي كل يوم….صدر عفوان رئاسيان ..لم يطالا إلا النذر اليسير من المتظاهرين ولم يقطع مع إعادة اعتقالهم ثانية، إلى جانب مزوري العملات والقوادين والحشاشين، ومرتكبي الجنح والسرقات..ولا تزال أعداد المعتقلين على خلفية المشاركة بالتظاهرات، تنوف على العشرة آلاف معتقل معظمهم دون محاكمة..ويتعرضون لكل أنواع التعذيب والترهيب والتحقيق المتعدد.

كل هذه المؤتمرات دعمت في بياناتها وخلصت إلى أنها مع الانتفاضة واسترداد الشرعية الدستورية وفصل السلطات.. وحق الشعب السوري بدولة مدنية ديمقراطية، جميعها انعقد في ظروف مؤلمة وأثناء اجتياح الأمن والجيش لأكثر من مدينة ، ومع اتساع مستمر لرقعة الاحتجاجات وتزايد في عدد الشهداء وأعداد المعتقلين ، ودون أي تلويح لا من قريب أو بعيد من النظام أنه يعيد النظر بالحل العسكري وبالعنف المفرط بحق الحراك الشعبي والتظاهر السلمي، علماً أنه وللمرة الأولى نجد أن لجان التنسيقيات الشبابية للثورة السورية قد أصدرت بياناً تتحدث فيه عن رؤيا مستقبلية سياسية لسوريا تضمنت نقاطاً عشرة تعتبر برنامجاً سياسياً، يجب ألا يقبل أي مؤتمربما هو دون هذه المطالب وهذا السقف السياسي، وأهمها:ـ”

1ــ وقف القتل والعنف واستهداف المظاهرات من قبل أجهزة الأمن والميلشيات والشبيحة المرتبطين بهم.

2 ــ الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا، القدامى والجدد، ووقف الاعتقال والملاحقة بحق ناشطي الثورة والمعارضة.

3 ــ أن الثورة ستستمر، ولن يتوقف التظاهر السلمي ودون ترخيص مسبق، لأنه سلاح الشعب للدفاع عن حقوقه.

4 ــ نؤيد فكرة الدعوة إلى مؤتمر وطني له موضوع واحد، هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.”

لكننا نفاجأ ومع استمرار العنف والتهجير والقتل والاجتياح واستخدام كل أشكال ووسائل التشبيح الإعلامية ، بأصوات معارضة تتصارع وتريد أن تجني ثمرة لم يكن لها في صنعها دور يذكر ..اللهم إلا الدعم النسبي المتباين بين هذا الطرف وذاك في الموقف من السلطة القائمة وتفكيكها والتغيير لبنيتها ، وبين مَن يرضى بالابقاء عليها والحوار معها مرحلياً ــ حسب قوله ــ أو تخوفاً أيديولوجياً حسب رؤية الطرف المعارض وقناعاته وإلى أي حد يمكنه أن يصل في قبول الآخر والتغيير وغموض الغد بالنسبة له..فيفضل الإبقاء على من يعرفه ويعرفها على أن يتعامل مع جيل شاب ثائر يريد قلب الطاولة على طرق بائدة وأساليب لايوثق بها ولا يؤتمن جانبها ..من خلال تجربة مايعادل نصف قرن من الزمن

فهاهو الأستاذ حسن عبد العظيم يصرح لوكالة الصحافة الفرنسية بإنشاء” هيئة للتنسيق الوطني تهدف إلى التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا”، وإلى توحيد، صفوف المعارضة في الداخل والخارج، ويبدو أن هذه الهيئة قد وضعت مشروع وثيقة سياسية تم تداولها بين الأحزاب والشخصيات المدعوة للمشاركة في مؤتمر التنسيق، والذي سيتم الإعلان عنه في اليومين القادمين”!، المفاجيء في الأمر أن أسماء شاركت في مؤتمر” سمير أميس ” تطرح الآن في التنسيق مثل:” ميشيل كيلو، فايز سارة، عارف دليلة( رغم أنه انسحب)، بالآضافة للأستاذ هيثم المالح ــ الداعي الأول ” لمؤتمر الانقاذ “!ــ بالاضافة للدكتور برهان غليون ،هيثم العودات، ورامي عبد الرحمن من الخارج، مع أحزاب التجمع الديمقراطي وأحزاب كردية، وتجمع أحزاب اليسار…الخ ونرى أن أسماء ترد هنا وهناك في مؤتمر الانقاذ المطروح حديثاً ومؤتمر هيئة التنسيق!، لا أدري هل أُخذ برأي الأطراف جميعها وقبلت أن تشارك بالمؤتمَرَين معاً؟…أم أننا سنفاجأ بوحدة نتمناها بالطبع بين المؤتمرَين؟!…

في الوقت نفسه يصدر استنكار وعدم تأييد من اللجان التنسيقية يرفض فيه أي حوار مع النظام طالما أن العنف مستمر والاعتقال مستمر ..الخ

فلم كل هذا الزخم المؤتمراتي؟ وأين يصب..إن لم يكن هدفه السباق لكعكة لم تنضج بعد ولم تعرف مكوناتها؟، كما لا أعتقد أن كل هذه المعارضات والعراضات لها دور أكثر من دور الداعم..والكلمة الفصل تبقى بيد شباب الثورة وصناعها ومن يدعم دورها ويثبت من أقدامها وتتواءم طروحاته المستقبلية مع طروحاتها وتتفق أحلامه بسوريا الغد مع أحلام هؤلاء الشباب الذي قدم ويقدم التضحيات ــ دون أن أغفل تضحيات الكثير من الشخصيات المعارضة المنتمية لأحزاب أو المستقلة ومادفعته في سجون الأسد. ــ.وهي المقصودة والمدعوة للانضام لزخم الشارع وتطلعاته ، وللتعاون مع لجان التنسيقيات للخروج بسورية دون المزيد من الدماء ودون المزيد من التشرذم والانقسام السياسي والاثني أو المذهبي، بل توحيد الجهود تحت سقف المواطنة السورية والتعددية السياسية وبناء الدولة المدنية ، دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية، التي تساوي بين الأقلية والأكثرية أمام دستور عادل يختاره الشعب.

ــ باريس 4/7/2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى