مراجعات كتب

«سرقات شاعر مغمور» ديوان شعر لثورة عالقة… ندى منزلجي تفتح نوافذ شعرها على الوطن وجراحه

 

 

قراءة: أنور عوض

إن اعجزتك تعقيدات الواقع السوري الراهن من ثورة عالقه بسنينها الأربع الماضيات، التي أنسربت بلا جديد منتظر أو قديم باق، وما بين أيام تلك السنين موجات الدم وهول المأساة وتمزقات وجدان أهل سوريا على أهل سوريا ومجدها وإرثها الذي تحول إلى ركام.

وإن لم ترغب في لون الدمار وجرح الشمل الذي تشظي هناك بالشام عبرالقنابل والبراميل المتفجرة، أو هناك بعيدا حيث زرقة البحر التي دفنت هي الأخرى تحت أمواجها أجساد السوريين الهاربين من الموت إلى الموت، وإن لم ترغب في الإصغاء إلى تحليلات الخبراء السياسيين وأجندة المجتمع الدولي فيما جرى ويجري، فإن السانحة ماثلة أمامك، أن ينتقل إليك القول والهول معا.. لتري الوطن وجرحه.. النزوح منه واللجوء بعيدا عنه.. فما رأيك إذن أن تدع عنك تفاوض الساسة، سوريين وغيرهم والسلطة وجبروتها ومخيمات امتدت خلف الحدود وأن تدلف إلى زاوية أخرى للمأساة، هي زاوية شعرية تكفيك ويزيد، وأعني هنا ديوان شعر «سرقات شاعر مغمور» للشاعرة السورية ندى منزلجي..

صحيح أن عشرات الأدباء انتجوا إبداعا عن الحرب وأهوالها ولكن ندى منزلجي وعبر ديوانها الشعري الذي صدرت طبعته الاولى في 166 صفحه من القطع المتوسط عن دار مسعى للنشر والتوزيع بالبحرين في اكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم ترسم خطوطا أعمق، تلون أبعاد الحياة هناك بلغة شعرية محبة ومرهقة مجروحة بالأسى والأذى، كلماتها تراقص الحروف وهي تنزف وتضفي على جراح الحرب في سوريا مسحة أمل تعبر عن خط مقاوم لليأس.

ربما وعبر هذا الديوان وقفت الشاعرة ندى منزلجي كعشرات أو مئات المبدعين الذين أرهقهم حصار السياسي ودفق الإبداع الأدبي، بل في حالة ندى فإن لعنة الحصار تطاردها على خريطة تصل حتى المنافي القسرية البعيدة عن الأرض السورية وحلم الحرية، إلا أن الشاعرة ندى نجحت في الجمع بين الاثنين وهما راهن السياسي وحلم الأديب بالحرية والحب، وعبر ديوانها تعبر عن موقفها كأديبة تومئ ما بين الحين والآخر إلى أبعاد سياسية ولكن بحصافه غير أن الشاعرة لا تسمح بأن تفقد قصائدها مركزها الإنساني أبدا، او الحرية كهدف.. هنا هي تكتب عن الحرية ليس كهتاف ثوري فقط ولكنها في الوقت نفسه ليست حالة مناجاة بل إنها شيء يقارب اليقين.

 

في قلب الثورة بعيدا عنها

في قصيدتها الافتتاحية لديوانها والموسومه «في قلب الثورة وبعيدا جدا عنها» تقول:

كنت فيما مضي أزعم أنني من مواطني العالم

ضاق انتمائي

ضاق علي

أنا المغدور الفاني

من سوريا

 

وهنا تقف الشاعرة ندى عند النهايات الراهنة بلا سرد مطول أو تبرير فقط تضع مرآة مكبرة امام العالم .. وكأنها تقول هذه سوريا وها أنتم، فأين ما تصفونه من إنصاف وعدالة وحقوق؟ وهي ذات الرسالة العميقة التي دأبت على وضعها في ثوب أدبي بليغ، في قصيدة ثانية لها بذات الديوان الشعري وهي «فريدة في صيغة الجمع».. يعبر بذهنها ربيع العرب، ثورات الحرية ومآلاتها أو بمعنى أدق كيف قد علق الربيع عند منتصف الطريق ..

 

الوليد اليتيم كما الثورات

يلتمس حلمة أمه

أمه القتيلة

كما الثورات

 

مشهد مضطرب متداع يرهق كل من حلم بالحرية بعد أن دفعت الشعوب فاتورة الثورة من دمها وتاريخها، ففي قصيدتها «شاطئ الميعاد» تعود مذكرة بترصد ووعي وبعض استنكار، بل وتحاكم في صمت آخرين أي عندما تغدو كل الجريمة الإنسانية مجرد خبر على شاشات الفضائيات ولا شيء بعدها:

 

وأظل أراقب المشهد

عذب ينتحر في عمق بحر المالح

ويتم الأمر بهدوء

ولا يأتي مذيع بليد ويبتسم

وهو يقرأ الخبر

 

وهو المشهد العالمي ذاته الذي تتمسك بإنسانيته الشاعرة السورية ندى منزلجي عبر ديوانها «سرقات شاعر مغمور» لتعقد جلسة أممية إنسانية جندها الأوحد حق الحياة لشعب، بل ولشعوب حدقت صوب

فجر مرتقب، فلم تبلغ أنفاس صبحه بسبب أن جبروت الطاغية كان براميل متفجرة أمام حناجر ملؤها نشيد الحرية وهتاف الثورة غير أن العالم أغمض عينا وطرح طاولات تفاوض غامضة بلا سقف زمن أو تحقيق مطلب أو نيل مقصد، وفي قصيدتها «أمان افتراضي» تتكب الشاعرة ندى بلسانها ولسان شعبها وغيره:

 

مكبرات الصوت سادرة :

( نبشركم بانتقال سلس)

انتقال سلس

من نطفة بشرية

خروف يافع

الموت هو الموت أيها التابوت

 

وفي مشهد دراما الموت ووقع موسيقاه الحزين تنتقل الشاعرة لتكتب عن نوع آخر من الموت غير الرحيم للسوريين، الذين فروا من نهاية الدفن تحت الأنقاض فاتخذوا مسار البحر، إذ ربما خلفه بعض حلم أمانهم وأمانيهم وما دروا أن الموت يحمل نعوشهم وهو يلاحقهم في عرض البحر، تجسد الشاعرة كل تلك النهايات بلغة درامية فوتغرافية سمتها «شهوة التابوت» جاء فيها:

 

راهقوا قبل دهر

لكنهم على الأغلب سيضحكون بتهتك

وتضطرب نبضات قلوبهم اليتيمة

لو قدر لهم

بنظراتهم الشاردة

أن يشاهدوا على شاشة التلفاز

صور مئات السوريين

المبحريين في بطون توابيتهم الجماعية

وقد ابتلعهم البحر

ثم عاد ولفظ

أجسادهم المهشمة

محتفظا لنفسه بأرواحهم

على صخور الشواطئ الموحشة

وهم يحلمون حلما غريبا

ربما ليس لأحد في العالم

سواهم

أن يأخذوه في حسبانه

وهو:

أن يصيروا

يوما ما

على شاكلتهم

 

صحيح أن ديوان «سرقات شاعر مغمور» للشاعرة ندى منزلجي يعد نافذة تطل منها عبر نصوصها الشعرية صوب عوالم ما يجري من حرب في سوريا وتداعياتها لكنه ـ أي الديوان – وبالأخص في جزئه الأخير يطرح عوالم للحب كفيلة بان تجعلك قبالة بوابة أمل وحب غير معترفة برهبة الموت، وفي غمرة الحب فلسفة الحب وجنونه تستهدي الشاعرة بكامل وعيها وحلمها بالحرية، أي حرية المحب أو حب الحرية إن شئت فها هي تقول في قصيدتها «زهور ضالة»

 

المجانين تعلمت أن أخافهم

احيانا فقط

في عربة المترو حيث لا مفر

اندفع أحدهم بحنق عارم

وركلني بطرف حذائه

أقبل لو ظنني المرأة الفاتنة

التي تخلت عنه

وليس أمه التي حبسته صغيرا

تحت الدرج

وغورا في عوالم الحب نفسه تعود الشاعرة في قصيد تها «البتلة الأخيرة» ملفوفة بحيرة ممتدة تلاحق اسئلتها أجوبتها في براءة العشاق:

كما البتلة الاخيرة في سباق (يحبني؟ لا يحبني؟)

وحيدة

حائرة

تعرف الجواب

وتنكره.

 

كاتب سوداني

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى