مراجعات كتب

«سعادة السفير» الكتاب الذي منعه نجاد: ما قاله ولم يقله وزير الخارجية الإيراني ظريف!/ سمير ناصيف

 

 

صدر مؤخراً في بيروت مترجماً عن الإنكليزية كتاب بعنوان «سعادة السفير» الذي يشمل مقابلة مطولة محمد جواد ظريف مع وزير الخارجية الإيراني، وأجراه محمد مهدي راجي، أحد تلامذته في كلية العلاقات الدولية بوزارة الخارجية في إيران.

وكان الحوار مُنع من النشر في إيران حتى انتهاء ولاية أحمدي نجاد في عام 2013 وانتخاب حسن روحاني رئيسا. وقد تم تسجيله ما بين عامي 2010 ـ 2012 قبل أن يتسلم ظريف منصب وزير الخارجية عام 2013 بعد انتخاب روحاني ، علما ان ظريف مثلَ بلاده في الأمم المتحدة في فترتين، الأولى بين عامي (1989 و1992) والثانية بين عامي (2002 و2007)حيث كان مساعداً لوزير الخارجية في الوقت نفسه وذلك خلال ولاية الرئيس محمد خاتمي.

أهمية الكتاب حسب مترجمه محمد العطار هي ان يوضح السياسة الخارجية الإيرانية، ولكن بعد القراءة يتبين أن ظريف لم يكن ينفذ سياسة أملاها عليه مسؤولوه فحسب بل إنه وضع بصمته الخاصة على هذه السياسة ودفع (في بعض المناسبات) ثمنا لذلك.

بين عامي 2008 و2012، وعندما ترأس نجاد إيران، كان ظريف استاذاً في كلية العلاقات الدولية، علما إنه يحمل شهادات عليا من جامعات أمريكية بارزة.

ويذكر المترجم أن هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، أهدى ظريف كتابه «الديبلوماسية» كاتباً على صفحته الأولى في كلمة الاهداء «إلى عدوي المحترم محمد جواد جواد ظريف».

ويتحر ظريف، الذي يبلغ حاليا 57 عاماً، من عائلة مرتاحة مادياً، حيث عمل والده في التجارة، ووالدته من عائلة ثرية نسبياً وقد رفضت أن يتابع ابنها دراسته العليا في إيران وأصرت عليه الذهاب والتخصص في أمريكا، في وقت جرت محاولات من محيطه لإقناعه بالاتجاه نحو التخصص الديني في مدرسة الحوزة العملية في قم الإيرانية.

ومع أنه حصل على نتائج ممتازة في الرياضيات والعلوم فإنه تخصص في أمريكا في الشؤون الدولية في جامعات سان فرانسيسكو ودنفر (كولورادو) وكولومبيا (نيويورك).

وتذكرُ مقدمة الكتاب أن والد ظريف ووالدته لم يكونا من مؤيدي العمل الثوري، قبل تحول إيران إلى الجمهورية الإسلامية ولا بعده، وأنه هو شخصياً وفي صباه اهتم بفكر المفكر الناقد علي شريعتي.

وعندما تأزمت العلاقة بين إيران وأمريكا بعد عملية احتجاز العاملين في السفارة الامريكية في طهران، وتم طرد الديبلوماسيين الإيرانيين من الولايات المتحدة، عُهدَ إليه (مع أنه لم يكن عضوا في السلك الديبلوماسي الإيراني آنذاك) من طهران إدارة الشؤون الديبلوماسية لإيران في أمريكا.

ومن الأمور اللافتة أنه وبرغم كونه من عائلة من الطبقة الوسطى العليا فقد حظي باحترام ودعم عدد من قادة الجمهورية الإيرانية الإسلامية المحافظين، حيث ساهم وزير الخارجية الإيراني السابق على أكبر ولايتي في تثبيته في وزارة الخارجية، وطلب وزير الخارجية كمال خرازي منه مرافقته عندما ذهب ليتكلم باسم إيران في الأمم المتحدة في نيويورك، كما أصر عليه وزير الخارجية (بعدهما) منوشهر متكي البقاء في وزارة الخارجية في الفترة التي توقف فيها ظريف عن العمل المباشر في هذه الوزارة. وكان ولايتي أشبه بعرّاب لظريف ليصبح المندوب الرسمي لإيران في الأمم المتحدة للمرة الأولى في عام 1989. وولايتي، هو حاليا كبير مستشاري مرشد الثورة علي خامنئي، الذي يُعطيه المرشد الأذن الصاغية في كثير من الأمور.

ويذكر الكتاب أن الرئيس السابق نجاد حاول في أكثر من مناسبة إقصاء ظريف عن منصبه في تمثيل إيران في الأمم المتحدة، ولقي معارضة من المرشد، إلى أن نجح في هذا الأمر في عام 2008.

من أهم الفصول في هذا الكتاب الفصل الثامن الذي يتحدث فيه ظريف عن العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية.

ويشير في الصفحة (229) من الكتاب أنه في عهد رئاسة باراك أوباما لم يَعد الأمريكيون مصدر كراهية في إيران كما كانوا في عهد ولاية جورج بوش الإبن، وأنه نظراً إلى سياسة أوباما في التحاور والتفاوض مع إيران اكتسبت قيادته شرعية القيادة. ويرى ظريف أن أوباما اعتمد سياسة «ناعمة» تجاه إيران حتى تتـنــازل عن رؤيتها الســياسية، ولكنه قرر أيضاً أنها إذا لم تتعاون، فإنه سيزيد العقوبات الاقتصادية عليها.

ويؤكد في الصفحات اللاحقة (ص 231 ـ 232) وجود كثيرين من المستفيدين من بقاء العلاقة الأمريكية ـ الإيرانية غير مستقرة وهشة.

وعن الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، يقول (ص 233) «أنا متيقن بأن الموضوع لم يكن متعلقا بالأسلحة، وأن الهدف الأساسي كان الحصول على النفط العراقي وتقديم نموذج في المنطقة». ويضيف: «من الطبيعي أن البعض، حتى في إيران، ساورهم القلق حيال الانتصار الأمريكي السريع على العراق بما يؤدي إلى سنّة لا تنتهي في هذا السياق».

ثم يشير إلى أنه كان معارضاً لهذه الحرب الأمريكية في العراق قبل وقوعها ومن خلال مواقفه في الأمم المتحدة، ولكنه توقع بأنها ستحدث وأن النصر في النهاية لن يكون حتميا لأمريكا، لأن الاحتلال العسكري الأجنبي لأي بلد سيؤدي إلى ظهور مقاومة ضده، وأن هذا ما قاله في اجتماع مجلس الأمن في شباط (فبراير) 2003. وقد حذر، حسب قوله آنذاك من أن الاستناد إلى القوة بحجج بالية هو أمر خطير يجب الوقاية منه. ويذكر أن ارييل شارون كان يحاول إقناع القيادة الأمريكية بأن غزو إيران أهم من غزو العراق.

وبعد إسقاط صدام حسين، يقول ظريف إن بعض الدول لا تؤيد إجراء انتخابات إشتراعية في العراق لأن نتيجة هذه الانتخابات ستكون في مصلحة المجموعات الشيعية في البلد، ولكن إيران وأمريكا وحدهما دعما إجراء هذه الانتخابات.

وفي الفصل (13) بعنوان «تهديد غيران» يشير إلى انه في ظل تولي المحافظين الجدد، بقيادة جورج بوش الابن، السلطة في أمريكا كان الخيار العسكري ضد إيران مذكوراً بشكل دائم، ولكن الأمر لم يكن ممكناً منذ البداية لأن تنظيمي «القاعدة» و»طالبان» نشطتا في أفغانستان، وكانت إيران عدوة لهما ولم يكن من المنطقي إتهام إيران بالهجوم الذي حدث في نيويورك وواشنطن في 11 أيلول/سبتمبر عام 2001. وبرغم ذلك، يقول ظريف «حاول المحافظون الجدد تحويل القوة الأمريكية إلى هيمنة عالمية وتوسيع رقعة هجوماتها سعياً للهيمنة العسكرية الأمريكية في المنطقة التي بدأت في عهد جورج بوش الأب، واستمرت في عهد بيل كلينتون وبلغت قمتها في عهد جورج بوش الإبن. وفي جميع هذه المراحل، كانت إسرائيل تريد أن تصبح طهران هدفا لهجوم أمريكي خشية من أن إيران ستصبح القوة العسكرية الأولى في المنطقة في مواجهتها بعد سقوط العراق. وعندما لم تعثر إسرائيل وحلفاؤها المحافظون الجدد على حجة لهذا الهجوم اختلقا الموضوع النووي والخطر النووي».

وفي هذه الظروف الصعبة، يقول (ص 336) «أرادت السياسة الخارجية الإيرانية (وكان لي دور متواضع فيها) أن تمنع تشكل إجماع أمني ضد إيران». ويضيف «أن الإنجاز الذي حصدته السياسة الخارجية الإيرانية للسيد محمد خاتمي، لا سيما قبل الازمة النووية، كان منع تشكل اجماع عالمي أمني ضد إيران مع ان اللوبي الصهيوني والمتطرفين الأمريكيين بذلوا جهودا ليتحقق الهجوم على إيران ولكن ذلك لم يتم ومنعناه من خلال سياستنا العقلانية وقائدنا الحكيم آنذاك (محمد خاتمي)».

ويشير ظريف إلى ان هدف القيادة الامريكية خلال فترة بوش الإبن كان نقل ملف إيران إلى مجلس الامن فيما كان هدف إيران الاستراتيجي بذل ما في وسعها لمنع ذلك، و»هذا ما انجزناه في عهد خاتمي».

ويأسف في نهاية هذا الفصل من أن تصريحات أحمدي نجاد الرنانة عن نفي الهولوكوست (عدم حصول المحرقة النازية) ودعوته لتدمير إسرائيل أدتا إلى صدور قرارات دولية ضد إيران وإلى انطلاق الملف النووي ضد إيران بقوة أكبر.

ولدى سؤاله عن أسباب عزل نجاد له من منصبه في الأمم المتحدة (علما أن المقابلة معه جرت خلال فترة العزل هذه وقبل ان يصبح وزيرا للخارجية عام 2013، كما ذكرنا) يقول ظريف: «من أسباب عزلي أنني كنت مراقباً، ومن واجب المراقب أن يقول ما يراه، لا أن يفكر أولاً فيما يُعجب المستمعين وما يعجب الرؤساء. وكنت أسعى إلى تجنب هذا الامر» (ص 356).

 

«سعادة السفير (محمد جواد ظريف)».

حوار: محمد مهدي راجي

ترجمة: محمد العطار

مركز أوال للدراسات والتوثيق، بيروت 2017

478 صفحة

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى