صفحات الناس

سعوديون في داعش..12 سبباً تدفع مراهقي المملكة إلى التنظيم/ الرياض – خالد الشايع

 

 

لم يدر بخلد السعودي محمد أبونيان، بينما كان يودع ابنه يزيد الذاهب للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، أن ولده بدلاً من أن يرجع بالشهادة العلمية، سيعود بـ”فكر منحرف متأثر بداعش والقاعدة”، كما يقول، إذ لم توحِ أية بوادر مسبقة بأن يزيد يمكن أن يتحوّل إلى “التطرف الديني”، لكن مؤيدي داعش نجحوا ـ بحسب الأب ـ “في تحويل يزيد إلى النقيض تماماً، من شاب مدمن على الخمور ويتحرش بالنساء إلى إرهابي، يسعى لقتل رجال الأمن”.

أبونيان يعد واحداً من عشرات المراهقين السعوديين الذين تأثروا بفكر داعش “المنحرف”، كما يطلق عليه في المؤسسة الدينية والإعلامية السعودية.

انتشار فكر داعش جعل السعوديين يعيشون في حالة قلق تتسع بسبب تنامي أعداد المنتمين للتنظيم، ما أدى إلى توقعات متزايدة بألا تكون تفجيرات مسجد قوات الطوارئ السعودية في منطقة عسير بجنوب غرب المملكة ومسجدي القديح والعنود في السعودية والصوابر في الكويت الأخيرة، وخصوصاً أنها جميعها وقعت بأيد سعودية، وتحديداً من مراهقين، إذ كشفت وزارة الداخلية السعودية أن 431 عنصراً من خلايا داعشة تم كشفها أخيراً (كانت تخطط لتفجير 7 مساجد)، لم يتجاوز أعمار غالبية المنتمين لهذه الخلايا الـ21 عاماً، ما يشي بأن صغار السن هم الهدف المفضّل لدى داعش، بحسب وزارة الداخلية السعودية التي أكدت أن عائلات تبادر إلى الإبلاغ عن نوايا مشبوهة لأحد أفرادها، بعد أن تلاحظ تغيّراً في تصرفاته.

أهداف سهلة

يؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي أن داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية تعمد لتجنيد صغار السن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ما الذي يدفع مراهقين صغاراً إلى التحوّل لإرهابيين؟

يجيب أحمد موكلي، الخبير الأمني في شؤون الجماعات المتشددة، أن التحاق بعض الشباب المنفلتين بالجماعات الجهادية ناتج عن عوامل سيكولوجية واجتماعية سهّلت عمليات تجنيدهم. ويقول لـ”العربي الجديد”: إن أهم تلك الأسباب هي العقلية الإجرامية التي تسكن هذا الشاب منذ وقت مبكّر نتيجة تعرضه لضغوط اجتماعية وأسرية وبالتالي تخلق شخصية انتقامية قابلة للقيام بأي عمل إجرامي (تجسّد هذا السبب في الداعشي أحمد الفرج الذي سبق أن أدين بعدة قضايا إجرامية)، السبب الثاني بحسب متوكلي، هو تعاطي المخدرات والعقوبات المترتبة عليها والتي قد تجعل من الشخص عدوانياً يتحول إلى مجرم نتيجة شعوره بالتهميش وعدم تقبّل المجتمع له، وبالتالي تجعله صيداً سهلاً لتلك الجماعات (مثل المطلوب الأمني يوسف الغامدي الذي أدين بثلاث قضايا تعاطي مخدرات إضافة لقضايا أخلاقية سُجن بسببها 6 سنوات)، ويضيف كاشفاً عن المزيد من الأسباب: “هناك أسباب أخرى تجعله هدفاً لها، كالعزلة الاجتماعية والميل للمغامرة التي تدفعه للقيام بأعمال جسيمة قد تشعره بوجوده في ظل التهميش الذي يعيشه”.

التحليل السابق، يوافق ما كان عليه يزيد أبونيان، الذي عانى أيضاً من اضطرابات نفسية، حسبما أكد والده، الأمر الذي جعله من النوعية التي تبحث عنها الجماعات الإرهابية لكونها هدفاً سهلاً، يضيف موكلي: “الجماعات الإرهابية تبحث عن هؤلاء الأشخاص المرتبكين نفسياً لتجنيدهم واستغلالهم في تنفيذ أجندتهم الإجرامية”، ويتابع: “لدى هذه الجماعات استراتيجية في آليات التجنيد، فهي تقوم بالبحث عن الأشخاص الذين من الممكن تجنيدهم ويتم ذلك عبر وسطاء أو من خلال العوالم الافتراضية، خصوصاً شبكات التواصل الاجتماعي التي تمتلك خصائص وميّزات سهّلت عمليات التجنيد، فشخص كيزيد مثلاً يعاني من اضطرابات نفسية، من السهل تجنيده والتغرير به بعد دراسة حالته من قبل جماعات متخصصة في هذه التنظيمات وإلا كيف بشاب يقوم بعمل إجرامي خطير بعد وقت قصير من تجنيده وبرفقة شخص لا يعرفه”.

خلل نفسي

لا يقتصر الأمر على التعليم، الأسرة، المخدرات، والاضطرابات النفسية فقط، “إذ يركز تنظيم داعش وغيره من التنظيمات على المراهقين صغار السن، الذين لا يعرفون كيف يميّزون بين الحق والباطل، ويتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعية، ويختارهم بدقة لكي يصبحوا انتحاريين لاحقاً”، حسبما يؤكد المختص في الجماعات الإرهابية والمحلل السياسي الدكتور يوسف الرميح قائلاً إن الكثير من هؤلاء يريد أن يلفت الأنظار إليه، لأنه يعيش حياة مهملة لا قيمة لها، وتنظيم داعش يفهم ذلك جيداً، ويعرف من يقومون بعملية التجنيد فيه كيف يستغلون عقده النقص هذه (كان هذا واضحاً في شخصية فتاة ساجر، التي هربت من أهلها لتنضم إلى التنظيم والتي وصفها أخوها فهد بأنها تعاني من الأهمال وعدم الاستقرار العقلي).

يوضح الرميح لـ”العربي الجديد”: “المستهدف عادة ما يكون مُهمَلاً في مجتمعه، وعندما يذهب مع داعش يجعلونه أميراً للجهاد ويطلق عليه لقب أبو معاذ أو المقداد، وما إلى ذلك من هذه الألقاب التي تمنحه نوعاً من (البرستيج) الوهمي، ومن ثم يذهب ليفجر نفسه” (تماماً كحال عبدالله الرشيدي الذي كان يعاني من تهميش المجتمع له، وحاول أن يلفت الانتباه عبر تقليد موضة الأزياء الغريبة قبل أن يتحوّل إلى تأييد داعش).

ويضيف: “هم يبحثون عن أشخاص ضعفاء لتنفيذ جرائمهم، فمن بين أكثر من عشرين شخصاً يختارونهم لا ينجح سوى واحد فقط ليقوم بدور الانتحاري، لأن الأمر ليس هيّناً”، ويشدد الدكتور الرميح على أن البعض يكون متأثراً بالفكر المتشدد من صغره بحكم بيئته التي كان يعيش فيها، إذ ينشأ هؤلاء في أسر متشددة في الأصل (عشرات المنضمين إلى داعش تربوا في بيئة دينية متشددة، مثل شقيق مي الطلق التي كانت تسعى للهروب بأطفالها إلى اليمن، والذي كان أصغر منفذي عملية تفجير مسجد القديح)، ولهذا يتشربون الفكر التكفيري منذ صغرهم، ليكونوا صيداً سهلاً لداعش وغيرها.

يؤكد المختص في شؤون الإرهاب على أن “التشدد الديني هو بداية التحوّل من مواطن عادي لإرهابي قادر على تفجير نفسه بهدف دخول الجنة”، ويضيف: “للأسف التشدد هو البداية، فهم يقنعون المغرر به لكي يكون انتحارياً من خلال ترغيبه بالجنة والحور العين، وهم يستغلون الذين يعانون من مشاكل اجتماعية ونفسية، ومن عانوا من مآسٍ عائلية، أو من كانوا منحرفين وغير متدينين ليكفّروا عن ذنوبهم وخطاياهم بالشهادة، وهي في الأصل انتحار وليست استشهاداً”.

ويعتقد الخبير في التنظيمات الإرهابية أن الطريقة الأفضل في التعامل مع هؤلاء، تكمن في نشر الوعي والتربية الأسرية الصحيحة، ويضيف: “للأسف حالياً الأسر مشغولة جداً عن أولادها، ويقضي الطفل معظم وقته على برامج التواصل الاجتماعي، وهي طرق أساسية للتجنيد، فالإرهابي لا يستطيع أن يلتقي بالمغرر بهم بسبب المخاوف الأمنية لهذا يلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي ويتواصل معهم، ويخدعهم التنظيم بالهيبة الوهمية والألقاب الرنانة”. (من هؤلاء المنشد الديني ماهر المشعل، الذي وصف بمنشد داعش، قبل أن يُقتل، بعد أن قرر الهرب لاكتشافه أنه خُدع، بحسب رفاقه).

في السياق ذاته، يؤكد المحلل السياسي عبدالله ناصر العتيبي على أن الخطاب الديني المتشدد يجد أرضاً خصبة عند من يوصفون بأنهم غير ملتزمين، ويقول لـ”العربي الجديد”: “هؤلاء لا ينضمون للجماعات الإرهابية بسبب التزامهم الديني فقط، بل لأنهم يعانون من مشكلة نفسية أولاً وأخيراً، ووجدت في الأدبيات الوعظية الجاهلة حلاً سريعاً وناجحاً للخلاص”، وهذا التحليل ينطبق على المغرد السعودي المعروف باسم السمبتيك، الذي كان أحد نجوم موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، قبل أن يقاتل مع داعش، وبحسب العتيبي “يُفهم من خلال الخطاب الديني المتشدد والجاهل أن بُعد المغرر به عن داعش، المفترض عن الله، سيدخله النار لا محالة، ولهذا يصاب بأزمة نفسية”، ويضيف: “يفهم من هذا الخطاب مرة أخرى أن الجهاد والاستشهاد في سبيل الله سيدخله الجنة بكل تأكيد، فيصاب بأزمة نفسيه ثانية ويقدم على الانتحار المقدس من باب الرغبة في تطهير النفس من الخطايا”.

جلسات المناصحة

خلال جلسات المناصحة التي يقدمها مركز الأمير نايف بن عبدالعزيز، إلى المنضمين للتنظيمات المتطرفة، المعروفين بـ”الفئات الضالة”، من معتنقي فكر القاعدة وداعش حسبما يطلق عليهم في السعودية، كان رد أحد العائدين من أفغانستان عند سؤاله لماذا التحق بالقاعدة، أنه تأثر بأحد أشرطة داعية معروف، هذا الداعية نفسه، كان أحد الموجودين على طاولة المناصحة، في مفارقة واضحة.

يكشف أحد المناصحين، طلب عدم ذكر أسمه لحساسية وضعه، أن الكثير من هؤلاء المغرر بهم تأثروا بفكر وفتاوى شيوخ محددين في المملكة، ممّن اهتموا بالحديث الدائم عن الجهاد بأنه السبب الأهم لدخول الجنة (ينطبق هذا الأمر على فهد القباع مفجر مسجد الصوابر في الكويت، بحسب بيانات وزارة الداخلية السعودية، التي تحدثت عن تأثره بفكرة الجهاد منذ صغره)، بيد أن الأستاذ في المعهد العالي للقضاء، الداعية الدكتور محمد النجيمي، وهو أيضاً عضو لجنة المناصحة في وزارة الداخلية، يؤكد على أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في تجنيد الشباب في صفوف داعش والنصرة، وغيرها من المنظمات الإرهابية، كونه يقدم دون أن يعلم دعاية مجانية لها، بنشره أخبار تقدمها في المعارك العسكرية بالعراق وسورية، ويقول لـ”العربي الجديد”: “بعض المنضمين لداعش لديهم نقص في التربية. أصبح الآباء مشغولون عن أبنائهم، ولا يعرفون ماذا يفعلون، وبات هؤلاء الأولاد يريدون من يهتم بهم، ويجدون هذا الاهتمام في داعش وغيرها من المنظمات الإرهابية”.

ويضيف: “الأهم في تصوري هو أن الأعلام يسهم بشكل كبير دون أن يقصد بالترويج لهذا التنظيم، فهو يعطي هالة كبيرة لداعش من خلال نشر أخباره، وكيف يسيطر على المناطق في سورية والعراق، وهذا يجعل بعض الشباب يندفع للانضمام إليه، وهؤلاء في الغالب ليس لديهم وعي شرعي، بل هم منجذبون لانتصاراته لا أكثر، فلو كان لديهم هذا الوعي لعرفوا انحراف هذا التنظيم وغيره”.

خلال عمله في المناصحة، التقى الدكتور النجيمي بكثير من “الإرهابيين”، يؤكد النجيمي على أن الكثير منهم لا يعرفون القراءة والكتابة، وهم من خريجي مراحل تعليمية متدنية جداً، أغلبهم لا يملك شهادة ثانوية، ويضيف: “هؤلاء عديمي الثقافة الدينية، ويسهل خداعهم”. ويتابع: “داعش يختلف عن القاعدة، إذ يسمي داعش نفسه دولة، ولهذا يستقطب شباباً أكثر، من الباحثين عن تصفية الحسابات مع دول أخرى وأبنائها، كإيران وغيرها”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى