صفحات سورية

ســـوريــا.. مأساة اليوم…

    رد على مقال السيد محمد زهير الخطيب, المنشور في الحوار هذا اليوم

    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=355101

غسان صابور

    كلما طالعت غالب الصحافة العربية, واستمعت إلى القنوات التلفزيونية الواسعة الانتشار, بسبب اتساع ثرواتها البترودولارية, والتي تخصصت بمهاجمة سوريا, وإنـزال كل مصائب السماء والأرض عليها.. أزداد تمسكا بحبها, وخاصة بالبحث عن أسباب ومسببي مأساتها… ومنذ بدء ما سمي بالأحداث السورية.. وكلمة أحداث هنا, تتفجر بالمآسـي, وبمئات آلاف القتلى وآلاف ألاف الجرحى.. وملايين المشردين, داخل الأراضي السورية, وفي العالم كله.

    ولكن قبل كل شيء, أريد أن اتحدث عن بعض المهاجرين الLUXE الذين يعيشون في استراليا أو أمريكا أو كندا أو في البلدان الأوروبية الغنية, وخاصة الذين أتوا ببعثات سورية, من أطباء ومهندسين وغيرهم, متمتعين بأكثر من 1200 أورو في الشهر الواحد, لمدة خمسة سنوات على الأقل. ولما دارت الطبة, أعلنوا ـ كذبا ـ أنهم مضطهدين في بلدهم. لأن المعارضة أصبحت موضة لامعة في الصالونات الأوروبية… وخاصة انتقاد بلدهم ورئيس بلدهم. حتى أن أحد التجار السوريين والذين استفادوا زمنا من هذا النظام والذي نقل تجارته وقلمه وفصاحته إلى مدينة تورنتو بكندا, وازدهر عندما أعلن فصاحته ومعارضته للنظام.. يتمسخر على صفحات هذا الموقع على طريقة نطق رئيس الدولة السورية.. لأنه لم يجد أي مجال آخر للنقد… علما أن هذا المتحدث بصوت الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وإعلان دمشق.. الخ..ألخ…….مسطرة ملتحية من معارضات اليوم….. وهذا ما ألومه ــ من ألمي ــ على هذه السلطة الحالية.. وألومه أكثر على جميع المعارضات المختلفة, من أقصى يمينها, حتى أقصى يسارها.. أنهم لم يخلفوا ولم يحضروا ولم يصنعوا لهذا البلد ولأولادهم والأجيال القادمة.. وفي محنتنا الحالية.. غير هذه المساطر الحزينة المتعبة من القياديين أو المفكرين…وغير هذا التفكير المحدود وفقدان كلي للكاريزماتيةCharismatisme.. وما آل إليه هذا البلد المفجر الحزين, من مــآس إنسانية, نحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أجيال بــنــاءة صالحة جدية سورية, لمحوها من صفحات تاريخنا, والتي لم تعرف سوريا وشعبها مشابها لها, عبر العديد من النكبات التي عبرت أراضيها خلال آلاف السنين…………

    ***********

    أعيش في فرنسا من خمسين سنة تماما, بعد أن غادرت سوريا نهائيا في مطلع الشباب, وبدأت حياتي هنا من أقل من الصفر. وصلت إلى هنا بعد بدايات استقلال الجزائر عن فرنسا. وكان كل قادم من عربي ينظر إليه باشتباه وحذر. ومع هذا لم أترك يوما أي مجال لكائن من كان انتقاد بلدي, بالرغم أنني لم أحمل معي آنذاك ذكريات طيبة من السلطات المخابراتية والأمنية والقيادية والحزبية التي تتمختر به, والتي منعت عني كل أنواع الأوكسيجين… ومع هذا لم أسمح ولا أسمح لكائن من كان المس بسمعة سوريا وكرامتها.. لأنني كنت أعتبر هذا تحديا وتعديا على كرامتي الشخصية… ولا أحيد عن هذا المبدأ بأية لحظة… ولو أنني عندما أجد ثغرات وسلبيات واعوجاجات بهذه السلطة.. كنت أول من يوجه الانتقاد.. بلا وجل… ولكنني لا أقبل أن يكون هذا النقد مسخرة على البلد وأهلها,, أو على ظهر دبابة ناتوية… أو جحافل من اللحى المغبرة التي تحرق الأخضر واليابس, باسم إلــه غريب الشكل والأسلوب والشريعة, والتي لن تجلب بأي شكل من الأشكال أية حضارة جديدة, ولا أية حريات ولا ديمقراطية… ولا أي تغيير أو إصلاحات إيجابية.. ســوى تدمير البلد كليا.. وتهجير أهاليها.. خدمة لمؤامرات مرسومة مدروسة, لمحو هذه الدولة كليا من خارطة المصالح الرأسمالية العالمية, والمخزنات البترولية.. والأدهى مشاريع التوسع الصهيونية والإسرائيلية المرسومة من بدايات القرن الماضي… سياسة وقع في فخها الرديء وفي خياناتها الرهيبة, غالب المعارضات المحترفة المحترفة, وغالب جيران سوريا, وأبناء عمها من حراس الإسلام وحكام باندوستان قــطــر, الذين مولوا وسلحوا آلاف المحاربين الجهاديين أو المرتزقة من أربعة أقطار المعمورة, إرضاء لأسيادهم في الحكومات الأمريكية المتتابعة, والذين لا هم لهم سوى حماية إســرائيل ومخططاتها ومشاريعها التوسعية, ولو على حساب هلاك جيرانها… فتحولت ســوريـا اليوم إلى مهلكة لتجارب حربجية, خططتها هذه الدول المنتفعة التي تسعى إلى التخلص من سوريا كدولة صامدة قوية… ومن هؤلاء المحاربين الإسلاميين الذين ترغب هذه الدول الأوروبية وغيرها التخلص منهم, ومن خطر وجودهم على أراضيها, معتبرة إياهم منظمات إرهابية.

    سوريا المتفجرة اليوم.. ســوريا الحزينة لآلاف قتلاها, صابرة مع آلاف جرحاها وملايين مهجريها, بحاجة إلينا كلنا.. كل السوريين أينما وجدوا في العالم.. لوقف هذه المجازر الإجرامية, على أرض بلد مولدنا… أن ننقذها قبل صوملتها أو أفغنتها وغرقها في هلوســات الموت والتطرف الديني الذي لم نعرفه في أظلم الحقبات التاريخية… سوريا لن تصبح أمارة إسلامية, مهما كانت قوة الجحافل التي تغزو أرضها اليوم… لأنها كانت خلال آلاف السنين بلد التآخي والتآلف بين جميع الطوائف والإثنيات المختلفة التي عاشت على أراضيها خلال آلاف السنين, وشكلت قواعد حضارتها وجمالها وبنييانها وفنونها وآثارها على حضارة العالم كله… حتى قبل خلق جميع الأديان.

    لتجمعنا ســوريــتــنــا, أينما كنا, وأينما عشنا… تـوحـدنـا لملمة جراحها وآلامها اليوم.. بدلا من الحقد والكراهيات والسلبيات الطائفية والإثنية… لنبنيها من جديد… ولذلك لنوقف هذه الحرب الغاشمة الحاقدة التي افتعلها من يريدون أن نتقاتل ونتحارب, ونفني بعضنا البعض… حتى يبدأوا الحفريات البترولية!!!…………….

    انادي وأناشد من تبقى لديهم بعض من الوعي والعقل والتحليل… من يدري؟… من يدري… علنا ننقذ كرامتنا وحريتنا واسمنا بين الأمم…………

    للقارئات والقراء الأحبة كل مودتي ومحبتي وصداقتي واحترامي.. وأصدق تحية مهذبة.. حـــزيـــنـــة.

    غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى