صفحات الثقافة

ســقوط الطاغيــة فــي الأدب

 


منيرة ابي زيد

صخـرة طانيـوس، كاليغـولا، الملـك كانـدول

إن الانتقال من طابع السلطة المطلق الى طابعها النسبي يتبلور في الأدب بعدة أشكال. بالفعل، لطالما كان الأدب فسحةً لعرض صورة القائد المتسلط، الزعيم، الذي يلامس بسلطته الأبدية والمطلقة صورة الإله. قد تبرز هذه الصورة ضمن المجتمع الشرقي الذكوري من خلال وصف السلطة الاجتماعية والسياسية في رواية «صخرة طانيوس» أو في سياق المسرحية العبثية «كاليغولا» لألبير كامو.

في نهاية «صخرة طانيوس» رواية أمين معلوف التاريخية التي نالت على جائزة غونكور عام 1993، يقول طانيوس الذي جعله سكان القرية حاكماً عليهم محل الزعيم الإقطاعي: «والآن، أكاد أنهار من التعب، وسأذهب لأرتاح. إذا كان ثمة من يريد أن يشغل المركز الذي أخلاه الشيخ، فليفعل، فأنا لن أمنعه». وهكذا، تم الانتقال من مفهوم السلطة المطلقة الى مفهوم تداول السلطة، أي ما يشبه الديمقراطية. وبالفعل، كان شيخ القرية يجسد السلطة المطلقة، هو الذي يسيطر على كل شيء: «آنذاك، كانت الضيعة بأسرها ملكاً لسيد إقطاعي واحد»، هو القائد والزعيم الذي تتمحور حوله حياة كل القرويين. أما، الآن، فطانيوس يدعو كل سكان القرية للعب دور القائد، وكأنه يعترف بذلك بأن الشعب بات مصدر السلطات. هذه الرواية التاريخية التي تدور أحداثها في القرن التاسع عشر وتتداخل أحداثها مع ثورة 1840 تروي قصة فرد ومجتمع وتاريخ. وتعبّر هذه الرواية عن نظرة أمين معلوف لمجتمعه الذي يحبه ويسخر منه في آن.

وبالفعل، تبدأ الرواية بالعبارة التالية: «في ذلك الزمن، كانت السماء واطئة الى حدَ أن أحداً لم يكن يجرؤ على الانتصاب بكامل قامته». هذه الجملة معبرّة جداً على مستوى علاقة الإنسان بالسلطة المطلقة، السياسية أو الدينية. ففي هذه الرواية، تمثل السماء إحدى رموز هذه السلطة وتضفي عليها بعداً إلهياً. إنها السلطة القمعية التي تمنع الإنسان من الانتصاب، وتجبره على العيش في الذل. الانتصاب هو تعبير عن فعل التحرر والرفض للواقع الاستبدادي. وبالفعل، تعرض هذه الرواية قصة قرية تعيش تحت سلطة الشيخ، الزعيم الإقطاعي الذي يهمين على حياة جميع سكانها. وتجسّد قصة حياة طانيوس الألم، الوجع والحاجة الى الرفض والثورة في مواجهة هذه السلطة التي تكتسب طابع شبه سماوي وكأنها مقدسة. طانيوس هو الإبن اللقيط لشيخ القرية الذي أنجبته لميا زوجة جريُس. وهو يعكس من خلال تخبطه الشخصي أزمة مجتمع بأكمله. وهكذا، يعرض الكاتب في هذه القصة وصفاً للمجتمع اللبناني الذكوري في القرن التاسع عشر. إذ أن التسلط على المستوى السياسي والاقتصادي هو امتداداً للقمع الاجتماعي. يبرز في هذه الرواية وصف للسلطة الإقطاعية وتدهورها التدريجي حتى تظهر صورة القائد المدمّر الذي فقد هيبته وسلطته.

السماء، رمز السلطة

تقترن رمزية السماء بالسلطة في الرواية من خلال عدة تعابير مثل: «قرب السماء، كان هناك سلطان استانبول». إنها السماء، إذاً إنها السلطة بلا منازع. وتذكرنا السماء كرمز للسلطة بالمشهد الأخير من فيلم «Trueman Show» (ترومان شو) حيث يرتطم مركب ترومان بالسماء الوهمية التي عاش تحتها طيلة حياته. وفي هذه اللحظة، يكتشف ترومان أنه كان مجرد دمية يحرّكها مخرج من خلال مجموعة من الممثلين، وأن حياته هي فيلم يشاهده كل الناس من خلال مجموعة من الكاميرات التي تصوره كل يوم. يحاول ترومان أن يخرج من هذا العالم الوهمي عدة مرات، إنما ينجح الناس الذين يحيطون به من منعه. وفي هذا المشهد المؤثر، آخر مشهد من الفيلم، يظهر المخرج – الإله، الذي يسكن في كوكب إصطناعي مع فريق عمله، ويتكلم مع ترومان محاولاً أن يثنيه عن الخروج الى العالم الحقيقي. ولكن ترومان يسخر منه ويفتح باب السماء الاصطناعية ويخرج منه. في هذا المشهد، تبدو السماء وكأنها عنصر ملموس، إنها خشبة مطلية بالأزرق يضربها ترومان بيديه حين يدرك أن حياته كانت وهمية. إن تحويل السماء الى شيء ملموس يجردها من طابعها المطلق. فقدت السماء هذا الطابع بسبب وعي ترومان، وهو الذي تمكن من بلوغ هذه السماء بعد أن أبحر مطولاً وتحدى المخاطر. كاد ترومان أن يموت غرقاً بسبب عاصفة إفتعلها المخرج ليمنعه من التحرر من عالمه الوهمي. ولكن ترومان لم يخف وتابع مسيرته حتى كسر هيبة السلطة. إذاً، دمّر ترومان صورة السلطة المطلقة بشكل رائع في هذا المشهد بفضل وعيه وتوقه للحرية. وهكذا، تخلّص من هذا المخرج – الإله الذي حاول أن يلعب دور الأب.

وهكذا، قد تأخذ هذه السلطة المطلقة التي تهيمن على حياة الناس طابعاً أبوياً. بالفعل، يبدو المخرج في فيلم «ترومان شو» وكأنه يحب ترومان على غرار الأب الذي يحب ولده. إنها سلطة الأب، الزعيم أو الإله السماوي التي تتجلى من خلال مختلف الرموز. وبالفعل، في «صخرة طانيوس»، ينادي الشيخ أبناء القرية ب«يا إبني!»، «يا بنتي!». إنما ما يمكننا أن نلاحظه على مستوى المقارنة بين فيلم «ترومان شو» ورواية «صخرة طانيوس» هو الفارق بين السلطة الجلية، الواضحة المتجسدة في شخص الشيخ والسلطة غير المرئية وغير الملموسة، وهو الإله الحديث، الذي غالباً ما يبرز في عالم السينما حالياً. ونلاحظ ذلك أيضاً، في فيلم «The Matrix» الذي تمّ إخراج عدّة حلقات منه، أن العالم محكوم من قبل سلطة وهمية قائمة على غياب الوعي لدى البشر لوجودها أصلاً. وحده الوعي هو الذي يمّكن الانسان من أن يعرف أنه محكوم من هذه السلطة ويسمح له بمكافحتها. لذلك تدور قصة الفيلم كلها داخل العقل الإنساني. إنها المعرفة في مواجهة الوهم. ومن أجمل مشاهد هذا الفيلم هو المواجهة بين الرصاصة وقوة وتركيز العقل البشري التي تنجح في التغلب على صورة الرصاصة وتدميرها.

وبالفعل، تبرز أهمية قدرة المعرفة والعقل في «صخرة طانيوس» من خلال المدرسة التي تسمح لطانيوس باكتشاف قدراته ومعرفة مجتمعه. إنه مجتمع تهيمن عليه السلطة على المستوى السياسي، الاجتماعي والأخلاقي. في هذا الإطار، يبرز المجتمع الذكوري في هذه الرواية من خلال إبراز تفوّق الرجل على المرأة التي لا تتمتع بالقدرة على تقرير مصيرها. وبالفعل، حين ولد «طانيوس»، يهتف جريُس: «صبي!» معبراً بذلك عن فرح هذا المجتمع لولادة الولد، الإبن. كما نذكر في هذا السياق الطريقة التي تعامل بها شيخ القرية مع زوجته الذي يظهر وضع المرأة في المجتمع. بالفعل، كانت زوجة الشيخ تتألم، ولكنها «كانت تتظاهر باللامبالاة أو تبدي سخرية أبية، وتكبت حزنها».

أكثر الأفعال تعبيراً عن الخضوع لاستبداد الشيخ هو تقبيل يده، واليد هي من أهم رموز السلطة في الرواية: «لم يكن لأي يدٍ أخرى هذا القدر من الأهمية». وهذه اليد قد تصبح عنيفةً أحياناً: «يجب أن يظلّ الكف قريباً من رقبة الفلاح». وبهدف تلطيف هذا الفعل المذل، يكتفي بعض القرويين بالقول: «رأيت يد الشيخ» وكأنهم لا يريدون أن يعترفوا بأنهم أقل مرتبةً منه. كما تبرز الطاعة والخضوع للشيخ من خلال عبارات: «الانحاءات التي كانت تؤديها الرؤوس كلها». تبدأ نهاية الإقطاعية في هذه الرواية منذ الجريمة التي ارتكبها جريُس حين قتل البطريرك الذي أبعد ولده عن الفتاة التي يحبها. ترتكز هذه الحادثة على مقتل البطريرك على يد أبو-كشك معلوف، وهو حدث تاريخي من القرن التاسع عشر. يبرز التلميح الى التغيّر في الرواية من خلال عبارة: «لقد كانت حدثاً مهماً، تلك الثورة الفرنسية! كل تلك الرؤوس من المشايخ التي سقطت!». إنما ينزعج شيخ القرية من هذا القول الذي يشعره أن نهايته وشيكة.

تظهر صورة القائد المطلق مدمرة في نهاية رواية «صخرة طانيوس»: «بعد دقائق، كان الشيخ فرنسيس ينزل درج القصر معصوب العينينن مكبّل اليدين خلف ظهره، ليسير نحو العين بين جنديين يمسكانه بذراعيه. كان رأسه مكشوفاً، فبان شعره الفضي واقفاً حول جلح خفيف. على أنه كان ما يزال يرتدي صدريته ذات اللون الأخضر التفاحي والتطريز المذهّب، كآخر أثر لسلطته». نلاحظ في هذه الفقرة التحوّل الهام على مستوى رمزية «اليد»، تلك اليد التي كان يهرع معظم القرويين لتقبيلها باتت الآن مكبّلة. كما يبرز ضعف الشيخ وهوانه في الفقرة التالية: «منذ الأسبوع الأول لاعتقاله، سملت عيناه بالحديد المحمّى (…) كان كل ما فيه تغيّر: شاربه الأبيض، الذي لم يعد مملّساً، شعره المشعّث، مشيته طبعاً، ولكن أيضاً إيماءات يديه، وهيئته الأكثر صرامةً، وحركات رأسه، وتشنجات وجهه، وحتى صوته، المتردّد بعض الشيئ، كما لو كان يحتاج هو الآخر الى تبيّن طريقه». نلاحظ أن شعر الشيخ بات أبيضاً، ما يوحي بأنه باتت عجوزاً. إنها نهاية عمره، ونهاية عمر الإقطاعية.

موت كاليغولا

«أنا ما زلت حيّاً»، تلك هي آخر عبارة من مسرحية ألبير كامو «كاليغولا»، وهي آخر جملة يلفظها القيصر كاليغولا وهو يضحك ويصرخ في آن. يأبى كاليغولا أن يموت. بالفعل، في هذه المسرحية، يكاد كاليغولا أن يكون إلهاً. هو يرفض أن يموت، لأنه يظن أنه اكتسب الطابع الأبدي والسرمدي للآلهة. يلعب هذا القيصر دور الحاكم المطلق، فيبدو وأنه اقتنع فعلاً أنه بات شبه إله. إنما في الواقع كاليغولا لا ينجح في الفرار من الموت، يدخل عليه المتآمرون مسلحين وهو يواجههم بضحكته الجنونية. يطعنه الروماني العجوز في ظهره، يطعنه شيريا في وجهه، فيتحوّل حينها ضحكه الى شهقات. يطعنونه كلهم. لا فرار من الموت، ذلك الموت الحاضر بقوة في هذه المسرحية منذ بدايتها. يموت كاليغولا وهو يضحك، وهو الذي يقول: «أريد أن أمزج السماء والبحر، البشاعة والجمال، وأجعل الضحك يصدر من الألم». يجسّد كاليغولا صورة القائد المطلق والمجرم الذي يريد أن يتحكم بحياة وموت شعبه. إذ أنه يقول لميريا: «أنت تقود الناس، أنت ثائر. هذا جيد, وأنا أحبك كثيراً، ميريا. لذلك سأعدمك لجريمتك الثانية، وليس لغيرها من الجرائم. سوف تموت برجولة لأنك تمردت». ومن ثم يعطيه السم ليشربه، يبكي ميريا. يرفض ويحاول أن يهرب. إنما يقفز كاليغولا بشراسة نحوه. يدخل قارورة السم في فمه. وبعد عدة قفزات فجائية متتالية، يسيل الماء والدماء على وجه ميريا. يغسل كاليغولا يديه. وهكذا، قتل كاليغولا ميريا. عنف مجاني يتكرر طيلة المسرحية.

تظهر في المسرحية لدى كاليغولا حاجة قصوى شبه مرضية للسيطرة، فهو يتكلم بصيغة الأمر. كما أنه يقول: «لا يهمني إذا نمت أو بقيت مستيقظاً، إن لم يكن لدي سلطة على نظام هذا العالم». ويضيف بأن ما يرغب أن يبلغه هو أسمى من الآلهة، ويقول: «كيف تنفعني كل هذه السلطة المذهلة إن كنت عاجزاً عن جعل الشمس تغيب في الشرق؟». من الواضح أن هذا الحاكم المستبد إنفصل عن أرض الواقع، وبات يعيش في خياله. وهو يقول: «لقد جسدت وجه الآلهة الغبي وغير المفهوم. وهذا ما قد تعلّم أصدقاؤك أن يعبدون». إنما، بالفعل، الناس لا يعبدونه ولا يحبونه على الإطلاق. وهم يتذمرون منه قائلين: «هو يهين كرامتنا»، «هو يريد أن يقتلنا جميعاً، «باتريسيوس، لقد سرق ممتلكاتك؛ سيبيون، لقد قتل والدك؛ أوكتافيوس، لقد خطف زوجتك وجعلها تعمل في منزل الدعارة؛ لوبيدوس، لقد قتل إبنك. هل ستتحملون ذلك؟ بالنسبة لي، لقد حسمت موقفي. فإذا كان علي الاختيار بين المجازفة وبين حياة لا تُحتمل في الخوف والعجز، فأنا لن أتردد عن المواجهة». كما يقول أحدهم: «أجل، فلندع كاليغولا يتابع. فلندفعه في هذا الاتجاه، بالعكس. فلننظم جنونه. سيأتي يوماً يجد نفسه وحيداً في أمبرطورية مليئة بالأموات وبأهالي الأموات».

أما في رواية «الملك كاندول» لتيوفيل غوتيه، فتأمر الملكة «نيسيا» بقتل زوجها الملك «كاندول». يعتبر «كاندول» زوجته وكأنها تحفة فنية رائعة الجمال ويريد أن يعرضها عاريةً على إحدى أصدقائه «جيجاس». «نيسيا» بربرية، إنما زوجها ملك يوناني. والبربر واليونان لا يتشاطرون نفس العلاقة بعري جسد المرأة. إذ ان اليونان يتيحون للرجل أن يتأمل عري جسد المرأة، بعكس البربر المتمسكين بعفة الجسد. وكان الملك يريد أن تلعب زوجته دور التحفة الفنية التي يتمتع الناس بتأملها، فهو لا يتصرف معها وكأنها إنسان بل وكأنها صورة. وبالفعل، حين يمتلك الإنسان قدراً لامتناهياً من السلطة، تتحول علاقته بكل ما يحيط به الى علاقة مطلقة، حتى زوجته هي صورة فنية تجسد فكرة الجمال، وليست إنساناً يشعر ويتألم. نشهد في هذه الحالة الانفصال التام عن الواقع البشري والدخول في متاهات المطلق. فبنظر الحاكم المستبد، الناس هم مجرد صور. وبنظره فقدت زوجته طابعها الواقعي لتصبح صورة إلهية، شعراً، أسطورةً. وإذا كانت تلك هي علاقته مع زوحته، فما حال شعبه إذاً؟ وبالفعل، يشبه الملك زوجته بجوهرة يمتلكها. ونلاحظ في هذه الرواية القصيرة تكرار فعل: «إمتلك»، وكأن زوجته هي غرض له يريد أن يعرضه على العالم بأسره. في هذا السياق، يجدر أن نشير الى الفرق الشاسع بين ملك يحكم وملك يمتلك. الحاكم عليه أن يفكر بمصلحة شعبه، ومن هنا تبرز عبارة «الحاكم بخدمة الشعب»، أي أن وظيفته هي أن يخدم شعبه.

إنما الملك «كاندول» لا يفكر إلا بنفسه وبملذاته. وهكذا، يتفق الملك مع صديقه «جيجاس» لكي يدخل هذا الأخير الى غرفة الزوجين سراً ويتأمل جسد «نيسيا» العاري. إنما «نيسيا» تكتشف الحقيقة، وتنتقم من زوجها حين تسمح لجيجاس بالدخول الى غرفتهما الملكية وقتله. وبالفعل، بعد أن نام الملك، «تومئ نيسيا لجيجاس لكي يخرج من مخبئه، تضع إصبعها على صدر الضحية، وتوجه الى شريكها نظرة مبللة، لامعة، مليئة بالعشق، ومثيرة بوعودها، الى درجة أن جيجاس المسحور ينطلق من مخبئه على غرار نمرٍ يقفز من أعلى الصخرة حيث تمترس، يجتاز الغرفة بقفزة واحدة، ويغرز الخنجر الباكتري في قلب حفيد هرقل. انتقمت نيسيا لعفتها، وحقق جيجاس حلمه. وهكذا، إنتهت السلالة الهرقلية بعدما دامت 505 عاماً، وبدأت سلالة الميرناد من خلال شخص جيجاس، ابن داسكيلوس». وهكذا، إنتهت في هذه القصة سلالة ملكية، وبدأت أخرى. ونلاحظ في هذه الرواية دور المرأة في قتل الملك، إذ أن المرأة في معظم الأحيان هي في الموقع الأضعف، إذاً هي الثائرة.

الثورة ضد الظلم هي إذاً إمرأة تنتفض في وجه رجل يقمعها، وهي طفل يريد أن يعيش حياة أفضل، وهي طبقة عاملة تحلم بتحسين مستواها الاجتماعي. ولحظة تدمير القائد المطلق هي بلا شك من أجمل اللحظات، وهي التي ترقى بالانسانية الى أسمى درجات الحرية. هي لحظة الحرية بامتياز، إذ أن ما سيتلوها هو بلا شك إعادة تكوين شكل من أشكال السلطة. ولذلك، إبتعد تشي غيفارا عن السلطة إثر انتصار الثورة الشيوعية في كوبا، وذهب الى بوليفيا حيث قتلته السي-أي-إي ربما لأنه أبى أن يلعب دوره في مسرحية السلطة. تشي غيفارا البطل مات حراً لأنه أبى أن يجسّد وجه السلطة البشع. وجه السلطة بشع بطبيعته، وجه السلطة قاتل، مجرم وسفاح. السلطة ليست جميلة سوى بموتها. رائعة، تلمع بجمال موتها الأبدي.

ونلاحظ أن معظم صور السلطة المطلقة تبرز في الأدب ضمن سياق روايات تلامس البعد الأسطوري. إذ أن الديكتاتوريات والزعامات التقليدية تغذّي الخيال الأدبي بطابعها غير الواقعي. ولطالما برزت العلاقة مع السلطة المطلقة من خلال صور مجازية ووهمية لأن العلاقة بهذه السلطة هي في المرتية الأولى على مستوى العقل. إذ ان هذا النوع من السلطات يترسخ في النفوس، وأول أشكال الانتصارات عليه يتبلور من خلال تحطيم صورة القائد المطلق في عقولنا ونفوسنا. إذ انه لا يعيش إلا إذا ترسخت هيبته في وجداننا وإدراكنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى