صفحات المستقبل

سقط.. يسقط.. سقوطاً


عمر حرقوص

في ليبيا يسقط العقيد معمر القذافي، وتبدأ مراحل إعلان الدولة التي يتمنى الكثيرون أن يكون نظامها حراً وديموقراطياً، وفي تونس يزهر الياسمين في صندوق الاقتراع فتبدأ المفاوضات بين القوى السياسية لصناعة ائتلاف يضم الاسلاميين واليساريين والليبراليين، أما في سوريا فيدعو المعارضون شعبهم إلى البقاء في منازلهم في إضراب عام رفضاً للقتل المتمادي الذي يقوم به نظام آل الأسد وشبيحته، هكذا تتقدم دنيا عالمنا العربي بخطوات واضحة نحو تحقيق الانتصار على الديكتاتورية وبناء دول بإرادة الناس وليس بإرادة “الجملكيات”. إنها سنة حاسمة بالتأكيد ولن يخلق مثلها إلا بعد عقود أو قرون طويلة، سنوات إعادة الحرية للناس بعيداً من الخوف الذي ولده الاغتيال والاعتقال والطرد من العمل منذ خمسينات القرن الماضي إلى اليوم.

في سوريا يكتب ياسين الحاج صالح أن “الإضراب الوطني العام والدعوة إليه وتهيئة الإجواء المناسبة له والمشاركة فيه خير من كلام لا معنى واضحاً له عن الحماية الدولية. الشعب السوري يحمي نفسه ويحمي ثورته بالإضراب العام”. يصيب ياسين في موقفه، ولكنه أيضاً يدرك أن القتل الذي لم يتوقف في حمص ولا في درعا أو غيرها من المدن السورية لا يمنعه إلا خوف النظام من العقاب.

فهذا النظام الذي استطاع أن يبعد نفسه عن العقاب بسبب عدد كبير من الجرائم ارتكبها في مراحل تاريخية كثيرة في سوريا مثل مجزرة مدينة حماه أو في لبنان من مشاركته في تسعير الحرب الأهلية واغتيال كمال جنبلاط وصولاً إلى شهداء انتفاضة الاستقلال، يحاول مجدداً أن يهرب من العقاب على ما يقوم به من مجزرة جماعية يرتكبها في الوقت الحالي ضد الناس في سوريا. والنظام يعتبر أن لا شيء عربياً أو داخلياً يمنعه من الاستمرار في عمله الاجرامي، ولكنه بالفعل يتخوف من أي عقوبات دولية كبيرة تبدأ بمجلس الأمن الدولي لأنها بالنسبة له هي القوة الوحيدة القادرة على إزالته.

هذا النظام يخاف من الخارج لأنه خزنة أمواله والقادر على منعه من التحرك ومن يستطيع أن يفرض عليه عقوبات قاسية قد تصل إلى تقديم ملفات جرائمه إلى محكمة الجنايات الدولية، وهو يهزأ من الإقليم المحيط به ومن شعبه، يستطيع أن يهجّر ويقتل ويعتقل ويمنع وفي تصوره أنه قادر على تقطيع المرحلة الحالية بالوقت والأخذ والرد حتى يقع الشعب السوري متعباً فيتفرغ للقضاء على أي بذور للحرية.

في سوريا هناك مستشفيات ميدانية في شقق سرية جهزها الناشطون لتطبيب الجرحى والمصابين من رصاص رجال الأمن، هذه المستشفيات فيها أقل ما يمكن القول عنه مستوصف، ولكن الشبان يعتبرونه أفضل بألف مرة من أي مستشفى يستطيع أن يصل إليه الشبيحة فيه، فالمستشفيات العادية حولها “الشبيحة” الى أماكن يسودها الرعب والخوف حسب تقرير صادر عن “منظمة العفو الدولية”. ويوثق التقرير الموضوع تحت اسم “الأزمة الصحية” ما تعرض له الجرحى في أربعة مستشفيات على الأقل في حمص وبانياس وتلكلخ، حيث تحولت هذه الأمكنة إلى أداة من أدوات قمع المعارضة.

وتابعت المنظمة في تقريرها الطويل أن “افراد طواقم طبية يشتبه في انهم قدموا العلاج لمتظاهرين وجرحى آخرين اصيبوا في حوادث مرتبطة بالانتفاضة تعرضوا بدورهم للاعتقال والتعذيب”.

ونقلت المنظمة في تقريرها عن ممرض قوله انه شاهد بأم عينه قوات الامن وهي تداهم أحد المستشفيات حيث يعمل وعمدت الى نزع جهاز التنفس الاصطناعي عن شخص واحد على الاقل كان يتلقى العلاج، وتقتاده بينما هو غائب عن الوعي الى جهة مجهولة”.

هناك في سوريا يموت الإنسان لأنه إنسان، ويقتل الحمير لأنهم ساعدوا الإنسان، ويهرب السفير الأميركي لأنه عرف أن القاتل لن يتوقف عند حرمة “الباسبور” الديبلوماسي، ويخطف من بيروت إلى هناك الأخوة جاسم وشبلي العيسمي مع أن هذا الرجل عمره فوق السادسة والثمانين عاماً. فيما النظام لم يتعلم لا من التجارب التونسية والمصرية ولا حتى التجربة الليبية المرّة.

وفي النهاية لا يبقى أمام الشعب السوري إلا التظاهر ومتابعة صفحة “مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات” على “فايسبوك” الذي يصنع النكتة والسخرية من قلب المأساة، وفي آخر تقليعات “المغسل” أن مندوب سوريا في جامعة الدول العربية قال “إن وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم آل ثاني مرحب به في سوريا”. فرد “المغسل عليه “اخس.. وين الممانعة وين الصمود مو على أساس قطر العدو الأول قبل اسرائيل وحمد الشيطان الأكبر كيف بتستقبلوه وانتو دولة الممانعة والمقاومة”. ويتابع “هلأ فهمت شو هي كذبة الممانعة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى