رياض خليلصفحات سورية

سقوط الخط العروبي الشوفيني الشمولي


رياض خليل

الحلقة السورية

عند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، تلك مقولة معيارية ، لاخلاف عليها ، ولو طبقناها على الخط العروبي الشوفيني والشمولي ، إذن لميزنا ووقفنا على حقائق .. وليس أوهام .

–                     ماحصل من سقوط مريع لنظم الممانعة والمقاومة العربية ، يشبه ماحصل لبلدان المعسكر الاشتراكي

–                     المعسكر الاشتراكي المرحوم هو الأب غير الشرعي لنظم الممانعة والمقاومة والعروبية العنصرية الشوفينية ، والراعي الأول لها طيلة الحقبة الماضية .

–                     النظريات والفلسفة والمناهج التي تبنتها العروبية الشوفينية .. مستقاة ومستوحاة من تجارب المعسكر الاشتراكي ، وهي مجرد غطاء أيديولوجي جذاب القصد منه ” المكيجة ” من أجل إغراء الجمهور وكسبه .. وليس له أي مضمون فعلي واقعي ، مثله في ذلك مثل سائر الشعارات التي رفعها مراوغة وليس صدقا كالمقاومة والممانعة والصمود والتصدي والتضامن العربي , وعلى هذه القاعدة الإيديولوجية التضليلية بنت النظم العروبية ديكتاتورياتها الحديدية الإرهابية ، التي يمكن وضعها في خانة واحدة مع القاعدة وطالبان وسائر الحركات الأصولية الإقصائية الإرهابية في العالم ، ولكن تلك النظم تمتاز على الحركات الإرهابية كالقاعدة وطالبان وغيرهما بأنها تشكل نظاما سياسيا مخادعا وذو وجهين ، بل ذو أكثر من ألف وجه ، والمصيبة أن العالم ينظر لتلك الأنظمة ويعتبرها شرعية ، ويعترف بها ، ويتعامل معها ، ويجلس معها في قاعة واحدة داخل الأمم المتحدة ومنظماتها المتنوعة .

–                     إن التاريخ والواقع والتجربة هي التي أسقطت وتسقط هذه الأنظمة تباعا لعدم صلاحيتها للبقاء ، وعجزها عن إدارة الحياة السياسية ، وفشلها في التعبير عن إرادة الشعوب ، وإدارة الظهر لمتطلبات العصر واستحقاقات التعبير الديمقراطي المدني الحداثي .

–                     إن الاستبداد كان عبر التاريخ مصدرا للصراع والمنازعات الأهلية والقومية والدولية ، ومدرسة للكراهية والعنصرية ونشر ثقافتهما ، وثقافة الإرهاب المادي والمعنوي ضد كل شيء ، وضد كل مظهر من مظاهر الحرية والحياة والاجتماع والوفاق ، والاستبداد يقف تماما في الخندق المعادي للحقوق الأساسية للإنسان ، لأنها تفضي إلى موته وإزالته عن الخارطة وبكل صوره المادية والمعنوية ، وبكل نتائجه وآثاره الضارة على الحياة الاجتماعية والفردية . والاستبداد مخالف للطبيعة البشرية ، ولهذا يقاومه الناس بكل السبل حتى يزول . والأنظمة العروبية الديكتاتورية هي من هذا النوع الذي لايمكن لأي عاقل تحمل استبداده وجنونه وهوسه ودمويته وشذوذه عن الناموس البشري الطبيعي . والمصيبة أن الاستبداد يتبنى الأوهام والأكاذيب أيديولوجية له ، وسلاحها هذا يتناقض مع الموضوعية والعلمية والعقلانية والواقعية ، أي أنها أيدولوجية الغباء والجهل والحماقة التي لاتفهم لغة أخرى غير لغة القوة ، وهو ماحصل مع القذافي مؤخرا . حيث كل العالم في جهة ، والقذافي وحده في الجهة المقابلة ، وكان الأحرى به أن يودع في مصح عقلي .

الجهل والعقل لايلتقيان ، ولابد من أن ينفي أحدهما الآخر ، والمشكلة أن بعض النظم الاستبدادية تتمسك ببقائها حتى آخر نفس ، وحتى وهي تحتضر لاتعي مايجب عليها فعله ، ولاتصغي إلى نصائح أقرب المقربين إليها ، هذا إن تجرأ على مصارحتها بمصيرها الوشيك والمحتوم والتراجيدي ، والسبب هو أن النظام الاستبدادي غالبا مايتحول إلى جسم مشوه وممسوخ سياسيا، له رأس متضخم جدا ، يعطل عمل بقية وظائف الأعضاء التابعة له ، ويمضي سريعا نحو حتفه المحتم ، ولايستسلم حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة . مايترتب عليه تكلفة دموية باهظة كما حدث في ليبيا .

–                     قلنا أنه : عند الامتحان يكرم المرء أو يهان ، والامتحان راهن ومشهود في عدد من البلدان ، ومع ذلك لاتتعظ ولا تعتبر بقية الأنظمة الديكتاتورية من تجارب الجيران ، وهذه حماقة مابعدها حماقة . وبالتالي فإن المشهد التراجيدي سوف يتكرر ، وهو مالاتدركه الأنظمة الديكتاتورية التي جاءها الدور ، وهي تصطف على طريق السقوط إلى الهاوية التاريخية المقررة ، بل هي تتمسك وتتشبث بالبقاء عبثا ، ولاترى في المشهد سوى القشة التي ستنقذه من الغرق ، وترى القشة بحجم الكرة الأرضية ، بينما ترى الكرة الأرضية بحجم الناموسة .

–                     أيضا درجت النظم الاستبدادية واعتادت على قاعدة سياسية خاطئة حتى خلال التاريخ القديم ، هذه القاعدة التي تخالف حتى الرؤية الميكافيللية السياسية التي تؤكد ضرورة استخدام السياسة قبل العصا أو معها على الأقل ، أما أن ترمي السياسة جانبا ، وتكتفي بالعصا وسيلة للسياسة ، فهذا خطأ نظري واستراتيجي سياسي فادح ، ويفضي إلى التهلكة المؤكدة ، وهو مانشهده على الساحة السورية ، حيث اختار النظام العصا منذ البداية ، بل ماقبلها ومنذ بداية هذا العقد ، وكان أن بدأ يحصد نتائجه المأساوية المريعة ، لأنه ببساطة يتناقض مع المنطق العام للبشرية ، وللخط العام للتطور الحاصل داخليا وعربيا وإقليميا ودوليا ، وكان أن خسر النظام أوراقه تباعا ، حتى لم يبق لديه منها ماينفعه لمواجهة المصير الأسود . اختار النظام مخالفة القاعدة منذ زمن بعيد ، وقرر الخروج على الخط العربي العام جملة وتفصيلا ، وحشر نفسه في تحالف يظنه قويا وقادرا على حمايته من الأخطار المحدقة به ، غير أنه أخطأ الحساب تماما . وإيران عاجزة عن حماية نفسها ، فكيف بحماية النظام ، وإن الرهان السوري الرسمي خاسر بكل المقاييس السياسية منذ البداية ، وهو مايدفعنا إلى الاعتقاد أن النظام السوري لايشتغل سياسة ، بل عول على العصا وحدها ، واعتبرها الأداة الوحيدة لفرض الأمر الواقع والبقاء في سدة السلطة . وبالإضافة للعصا ، استخدم النظام السوري أسلحة النفاق السياسي باعتباره تطبيقا لمبدأ الحرب خدعة ، ولكنه فشل حتى في هذا ، لأننا في عصر مختلف . والنظام عاجز عن استخدام الأدوات الديمقراطية في الممارسة السياسية ، وهي الآقوى والأكثر ثباتا وفعالية ، ولكن لايعقل أن يستعمل ا لنظام تلك الأدوات المعادية له ، والتي ستفضي إلى إزاحته وزواله كنظام استبدادي متوحش ، بل وإلى وضعه في القفص .

–                     الآن بدأ الخناق يضيق ويضيق ، والنظام فاقد الوعي تماما ، تقوده غرائزه العمياء إلى حتفه دون أن يدري ، وهو يرفض أن يدري أصلا . والعصا التي يستخدمها بدأت تهوي على رأسه ونافوخه ، وستقضي عليه ، وإن طبيعة التركيبة العسكرية التي زجها في مواجهة الشعب ، ستدمر المؤسسة العسكرية وتقسمها بشدة ، لأنها لايمكن أن تقف على الحياد حيال مايجري ضد الأهل في كل أنحاء سورية . والحبل على الجرار ، والآتي أعظم .

–                     إن التعويل على الروس وغيرهم لن يجدي نفعا ، وإن السياسة الروسية ليست أكثر حكمة وبعد نظر من السياسة الرسمية للنظام السوري ، في رؤيتها ومقارباتها للمشهد السياسي الجاري ، ولذلك نجد أن رهانا ت الروس خاسرة استرا تيجيا ، وهو مايتناقض مع مقولة أن الروس ينظرون من خلال مصالحم ، إذ أين مصالحم من زوال نظام استبدادي لايستطيعون إيقافه ؟

–                     إن سقوط الخط العروبي الشوفيني القومي الاشتراكي تباعا ، يعني سقوط التيارات السياسية والثقافية الشمولية كلها ، لأنها الرصيد والمنطلق للاستبداد المقيت الذي عانت منه المنطقة عقودا ، والشارع العربي أخذ المبادرة ، وحسم أمره ، وأدارت ظهرها للإيديولوجية الشمولية الإقصائية والعنصرية ، وقطعت معها تماما ، فباتت الأحزاب الشمولية التقليدية منعزلة ومفصولة عن الواقع والشعب والحراك الشارعي . ومن الأفضل لتلك الحركات والتيارات الشمولية أن تتكيف مع الجديد ، وتعيد النظر في برامجها ورؤيتها ومقارباتها للواقع المحلي والدولي ، وكيفية التعاطي بطريقة مختلفة ومثمرة .

–                     لقد فقد النظام مصداقيته في الداخل والخارج ، واستدرج الجميع إلى معركة هو الخاسر الوحيد فيها ، وليس من المتوقع أن تقف هذه المعركة قبل الإجهاز على النظام السوري في وقت لم يعد بعيدا ، وسنرى في هذا الامتحان الصعب الذي لامثيل له إن كان النظام سيكرم أم يهان ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى