صفحات الناسوليد بركسية

سكاي نيوز” سارت في “الطريق إلى الموت”.. وسقطت/ وليد بركسية

 

 

لا يمكن وصف الفيلم الوثائقي “الطريق إلى الموت” الذي عرضته قناة “سكاي نيوز عربية” مساء الأربعاء، سوى بالمهزلة الحقيقية. فحجم الضبابية والغموض اللذين اكتنفا الفيلم، إضافة لافتقاره لأي معلومات قيمة، جعلت منه مضيعة حقيقية للوقت على الشاشة.

الفيلم أنتجته “سكاي نيوز” ضمن سلسلتها الشهرية “وثائقيات”، لكنه فشل في تحقيق الوعود التي أطلقها للجمهور في إعلاناته لأكثر من أسبوع. لم يقدم أي معلومات حول أسباب التحاق المقاتلين الأوروبيين بتنظيم “داعش” في سوريا، وهو محور الحلقة، بل اكتفى بطرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها وتتبع القصص الفردية بطريقة تحقيقية سطحية أقرب إلى “شرلوك هولمز” هزلي، وهو ما لم تنتقص اليه سلسلات بصرية موازية في القنوات المنافسة مثل سلسلة “فردوس الضلال” القيمة التي تبثها قناة “الحرة” حالياً.

يطرح البرنامج الأسئلة المهمة، لكنه لا يقدم الإجابات، ربما لأنه لا إجابة واحدة للغز الذي يدفع الشباب الأوروبي إلى ترك حضارته وثقافته وحياته العائلية والتوجه نحو الموت في بلاد غريبة. وأتت التفسيرات الاحتمالية التي طرحها الفيلم شديدة العمومية ومتفاوتة بين الدعاية الداعشية الفعالة والظروف الاقتصادية والأسباب الرومانسية. ولم يتم ربط كل تفسير بحالة فردية معينة، فانحدر الفيلم بذلك نحو التنظير المجاني حول فصل جوهر الاسلام عن “داعش”، مفضلاً عدم الغوص في تفاصيل الدين نفسها، على غرار معظم البرامج المماثلة.

تنقلت كاميرا الفيلم بين لندن وباريس ومدريد لمحاولة التواصل مع أهالي وأصدقاء مقاتلين أجانب مشهورين لدى تنظيم داعش (الفرنسي ميشيل دو سانتوس، البريطاني جهادي جون..)، لكنها فشلت في التواصل مع أحد، باستثناء والدة دوس سانتوس التي تحدثت باقتضاب وهي تفرغ صندوق سيارتها من الخضراوات من دون أن يظهر وجهها، فمضت الحلقة من اعتذار إلى اعتذار. لا أحد يريد الظهور أمام الكاميرا للحديث عن “داعش”. الكل خائف من قوة خفية أكبر منه، وكاد التصوير طوال ساعة من الزمن يخلو من الوجوه البشرية، حتى في اللقطات الأرشيفية.

اللقاءات البديلة في الفيلم لم تعوض النقص في الإعداد. أحاديث مع أئمة مساجد أوروبية أو خبراء متخصصين في علم النفس والاجتماع ومسؤولي أجهزة المخابرات. المقابلة الوحيدة المثيرة للاهتمام كانت مع “أنجم تشودري”، أحد أبرز الدعاة المتطرفين في بريطانيا، لكنها لم تكتمل بسبب انسحاب الأخير من اللقاء بسرعة. كل ذلك جعل من محاور الفيلم أقرب الى رؤوس أقلام صالحة للتوسع في أفلام أخرى بعمق أكبر، حيث تبدو القصص الفردية لكل مقاتل أوروبي على حدة مثيرة للاهتمام وجديرة بتكريس الوقت والجهد لكشف تفاصيلها الخفية.

الحديث عن دور وأداء المخابرات والشرطة التركية ظلّ بسيطاً، وأقرب الى الإشارات العابرة، رغم أهميته، حسبما أكد أصحاب الفيلم أكثر من مرة. ولم يتم عرض أي لقاء لمسؤولين في الإدارة التركية، بل توجه البرنامج بشكل مفاجئ في نهايته إلى الحدود التركية السورية لمحاولة التواصل مع مهربين تابعين لـ”داعش” بغرض التسلل إلى “أراضي التنظيم”، وأتى الحديث هناك ضبابياً حول آلية السفر وكلفته، مع كثير من التهديدات بالقتل، من قبل المهربين، للفريق الصحافي المتنكر “في حال اكتشاف أي علاقة تربطهم بالجيش الحر أو النظام أو الإعلام”.

وعليه، لم يغامر الفريق بدخول الرقة مثلما وعد الجمهور، مفضلاً استخدام طريقة بديلة للتسلل، وهنا بلغت المهزلة ذروتها حيث انتهى الفيلم بمشهد أقرب للديكودراما منه للواقع، ولا يمكن الحكم على مصداقيته أبداً. وكانت الكاميرا فيه مثبتة بطريقة خفية مع شخص يقود على ما يبدو دراجة نارية متوجهة إلى الرقة، ثم الحديث مع عناصر التنظيم على أحد الحواجز الداعشية، من دون تقديم أي تفسيرات أو شرح إضافي حول الآلية والطريقة ودون متابعة لما حصل داخل أراضي التنظيم.

فيلم بهذا الأسلوب، لم يكن ليصدر في قنوات “سكاي نيوز” الموجهة للجمهور الأوروبي بكل تأكيد، فأسلوب المغامرات والتحقيق والغموض الرخيص هو محاولة مكشوفة لخلق الإثارة على الشاشة، بغرض التغطية على الضعف في الإعداد والتنفيذ رغم الإمكانات المتوافرة لطاقم القناة عموماً.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى