صفحات العالم

سلاح الطائفية السوري

 


سوسن الأبطح

«ليس من سمع كمن رأى». الحكايا التي يرويها السوريون النازحون إلى لبنان مرعبة، وتدلل على وضع محتقن وشديد التعقيد. ليس فقط أن الدماء سالت والجثث رميت على الطرقات، والمعتقلات امتلأت، ولكن أيضا هناك النبرة الطائفية المقيتة التي ترفع منسوب الخطر إلى أعلى مستوياته.صحيح أن الخطاب على التلفزيونات من جهة السلطة والمعارضة يحتفظ بإيقاعه الوطني المطمئن، لكن الأرض شيء آخر. الخوف والحقد بين الطائفتين العلوية والسنية باتا كبيرين. ما يقوله النازحون، الذين أصبحوا يتوزعون في كل لبنان، من الصعب إعادة كتابته هنا، فهو فج ومخيف، ولا يبشر بغير الخراب. ومن الأصعب أن لا ترى الأجواء نفسها وقد انعكست على المناطق السنية المحاذية للحدود السورية بحكم عدوى قميئة ومقززة، يتمنى أي عاقل أن لا يراها أو يسمع بها. «دمنا عم يغلي» يقول اللبنانيون الذين يستقبلون النازحين، ربما لهذا كان على الجيشين السوري واللبناني أن يغلقا الحدود بإحكام، خوفا من فوران قادر على إغراق البلدين معا. لكن كم من الوقت يمكن للجنود من الطرفين أن يحرسوا جغرافيا عصية على الفصل محكومة بالوصل، رغم أنف المهووسين بترسيم الحدود؟ لا حل لمشكلة الحدود التي يتمناها البعض إلا بنصب سياج كهربائي أو جدار عملاق واق، على الطريقة الإسرائيلية العنصرية، وهو ما لا يقبل به أحد.

محاولة بعض اللبنانيين تهريب أسلحة فردية بدافع النخوة الطائفية إلى الداخل السوري ليس أمرا مستبعدا، كذلك وجود سلاح بين أيدي بعض المعارضين السوريين أمر وارد، في بلد ينام بين مستودعين كبيرين للأسلحة هما العراق ولبنان. فالحدود شاسعة الامتداد في المنطقة، وهي ملك لأهلها بقبائلها وعشائرها، المتداخلة والمتزاوجة أكثر مما هي ملك قبضات الأمنيين والعسكريين. والموضوع ليس موضوع مندسين وعصابات مسلحة، وإنما مواطنون مقهورون يستخدمون كل ما يصل لأيديهم من سلاح أبيض أو أسود، لتحقيق مآرب يئسوا وهم في انتظار تحقيقها، خاصة بعد أن قوبلت مظاهراتهم السلمية بالمدافع والدبابات. لذلك فإن وجود أسلحة فردية مع بعض الثوار هنا أو هناك لا ينفي عما يحدث في سوريا صفة التمرد والاحتجاج الشعبي الذي يستحق الإصغاء والتجاوب، ولا يعني أن الإمبريالية العالمية تمكنت من إقناع بعض السوريين ببيع أنفسهم لأعداء الأمة.

العنف يولد عنفا أكبر منه. أن يتواجد بين المحتجين عناصر قليلة من المسلحين تواجه الجيش لهو أدعى للتنبه والحيطة من الانزلاق صوب القتل والقتل المتبادل. أن يكون ثمة مؤامرة دولية، تدبر كما يقول النظام للانقضاض على سوريا، لهو مما يستدعي استدراكا سريعا، أكثر من أي وقت مضى، لإنقاذ سوريا وجيرانها من تدخلات أجنبية لم نحصد منها غير الويلات، وذلك بالإسراع إلى تنفيس الغضب وفتح طاقات الأكسجين التي يطالب بها الناس.

سئل وزير خارجية سوريا وليد المعلم: هل سيستفيد لبنان من الأزمة في سوريا؟ فأجاب دون تردد: «قطعا لا». وهو محق في ذلك، لكنه في الوقت نفسه، بدا أبعد ما يكون عن الواقع حين عبر عن اطمئنانه من أن تدويل المسألة السورية لن يبلغ حد الخطر. وهو ما يجافي كل المعطيات. فسريعا انزلقت ليبيا إلى حرب لا هوادة فيها، وبات حلف الناتو شريكا قصريا للثوار، فيما ينزلق اليمن صوب حرب أهلية، رغم صبر اليمنيين ورباطة جأشهم التي أذهلت المتابعين. نعم سوريا ليست ليبيا أو اليمن، لكنها أكثر إغراء للتدخل والعبث والتلاعب بأمنها والتحكم في المفاتيح الحساسة التي تملكها، وهي كثيرة ومثيرة.

قد يفلح النظام في إسكات المعارضين بالقوة والقمع، قد يتمكن من كم أفواه المثرثرين على الفضائيات، لكن سوريا تغيرت وإلى الأبد. سوريا اليوم ليست تلك التي كنا نعرفها منذ أشهر، مستكينة في خمول. ناسها يقولون كلمات لم نكن نسمعها من قبل، يتحدثون عن أن موتهم وعذابهم واقع، سواء تكلموا أم صمتوا، لذا فالسكوت لم يعد ينفع. يشتكون من مظالم تغاضوا عنها لسنوات وما عادوا يطيقون صبرا. يعدون موتاهم ويروون أن أشباحهم ستبقى تطاردهم إن لم يحققوا لهم ما قضوا من أجله. ما الذي ينتظر سوريا؟ ما الذي ينتظر لبنان؟ أين سيصب كل هذا الجحيم الهادر؟ هل يدرك النظام حجم المسؤولية التي يتحملها اليوم، بينما مواطنوه يغرقون في مزيد من التباغض؟ وما الذي سيجنيه لبنان إن أفلتت سوريا من عقالها؟ ليس في الأفق غير الفوضى الدموية إن لم تذهب سوريا بسرعة صوب الحرية.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى