صفحات الحوار

سمر يزبك: لم ينجح النظام السوري إلاّ في تكوين «داعش»

ترجمة: بول شاوول
صدر للكاتبة والمناضلة السورية سمر يزبك كتاب مهم بالفرنسية بعنوان «أبواب العدم» (عن دار ستوك في باريس)، لا تروي فيه فقط وحشية الحرب السورية اليومية، وإنما تسعى إلى كشف آليات العنف في حدوده القصوى..
والمعروف أن هذه المناضلة تعرّضت لكثير من المعاناة جراء بربرية النظام، مما جعلها تخرج من سوريا، وتلجأ إلى منفاها القسري هناك.
أحد كبار كتاب مجلة «الإكسبرس» كريستيان ماكاريان (له زاوية أسبوعية مرموقة في المجلة)، أجرى معها حديثاً يعرّي النظام ويكشف جرائمه، وأشكال تواطئه مع داعش والجهاديين، وكذلك سوء فهم الغرب لما يجري في بلدها، وعجزه عن القيام باي تحرك فاعل.
ترجمنا إلى العربية الحديث برمته.
[ كيف تحددين نفسك أمام تفكك سوريا؟
ـ أنا كاتبة سورية، ولا شيء آخر، علمانية، صحافية وناشطة في مسائل حقوق الإنسان – خصوصاً حقوق المرأة فأنا لست علوية، ولا سنية، ولا مسيحية؛ وأرفض تصنيفي على أساس مذهبي. أنا جزء من مثقفين وكتّاب نزلوا إلى الشارع في بداية الثورة عام 2011، إلى جانب الشعب السوري. كنا نحلم يومها ببلاد علمانية، بسوريا موحّدة، غير طائفية، مدنية وديموقراطية.
[ إزاء تفجر بلادك، أليس عندك شعور اليوم بأنك جزء من جيل ضحية؟
ـ لا أوافق كلياً على ذلك. لم يعد هناك أي احتمال سياسي، لأي عمل أياً كان، ليس فقط، يقوم به المدافعون عن سوريا العلمانية. فآلة الحرب وحشية وعنيفة إلى درجة لم يعد ممكناً فيه تخيل المستقبل. الكل خسر. فمنذ أربع سنوات، وسوريا فريسة القصف المستمر. بدأ مع الأسد من دون انقطاع قبل أن يتصاعد مع الروس. لكن التفجيرات والقنابل تأتي من كل الجهات.. بما في ذلك محاربة «داعش». العالم كله يقصف سوريا. أتكلم عن أرض تباد وعن شعب يخضع لسلسلة لا تنتهي من المذابح. وأنا شاهدة على ذلك. رأيت كيف يعيش الناس يوماً بيوم، وكيف ينتظرون موتهم بين لحظة وأخرى.. فمن خلال هذه الأوضاع، فمن المستحيل التكهن بالمستقبل، وتصور حلول لبلادنا المنكوبة. المنتصر الكبير هو الموت، والذين ينشرونه، أي النظام وحلفاؤه، كل السوريين الآخرين، بمن فيهم الإسلاميون المعتدلون قد خسروا.
[من ربح
[ هل تعتقدين أن النظام قد ربح فعلاً؟
ـ نعم! نجح أولاً لأنه جعل سوريا واجهة لكل أنواع المصالح الإقليمية والدولية. وقد نجح في إنشاء وتكوين العدو الأسوأ، أي داعش. لكن بوصفه نظاماً إزاء شعبه، فلم يربح، ذلك أن السوريين يرون الأشياء كما هي. وهذا ما أردت إظهاره في كتابي.. الواقع أن «داعش» يحتل سوريا بتواطؤ النظام معه، وأن الجهاديين سرقوا الثورة وخدموا مصالح الأسد. وهذا ما لا تقوله وسائل الإعلام الغربية. وأنا، بوصفي امرأة، أعرف أن الجهاديين يمثلون أفظع أنواع الإرهاب. لكن أعرف أيضاً أن وجودهم مرتبط بدعم نظام الأسد.
[ كتبت «حرب تحل محل أخرى. الحرب ضد داعش حلّ محل الحرب ضد الأسد». فبعدما فشلت ضد الأسد، أتظنين أن الغربيين يرتكبون خطأ ثانياً، ضد داعش؟
ـ طبعاً، لأنهم باتوا يعتبرون أن الأسد جزء من الحل، في حين أنه في أصل الإرهاب السوري. فبإرهاب الدولة فتح الطريق للدولة الإسلامية. وارتكب جرائم حرب فظيعة، ومخزية، ووحشية..
[ مأخوذاً بالبراميل المتفجرة التي قصف بها النظام السوري، قال أحد المقاتلين كلاماً أوردته في كتابك أترحم على «الميغ» و»القنابل الكيميائية»…
ـ تعدد أشكال الموت يجعل الناس «نيهيليين»، ويدفعهم أيضاً نحو الجهادية. فعمليات القصف الأسدية، التي تتوالى ليلاً ونهاراً منذ سنوات، تشوش العلاقات والمرجعيات عند كثير من الأفراد. فهذا الانسحاق ينتج من اليأس واختفاء معنى الحياة، ما يحول دون أي لجم للعنف الموجه إلى الذي يريد قتلك، أنت، وكل من هو معك. فاليأس يقود مباشرة إلى الرغبة في الموت والرغبة في الموت تقود إلى قتل الآخرين. قابلت مقاتلاً قال لي إنه مستعد أن يتحالف مع الشيطان، وهذا ما يجعلنا نفهم سعيهم إلى القوى غير الطبيعية. يعرفون أنهم في كل الأحوال، الموت ينتظرهم، فهم إذاً مستعدون للمضي إلى النهاية ضد الأسد.. لأن للمجتمع الدولي نصيبه من مسؤولية هذا الخراب، بسبب عجزه عن وقف آلة القصف.
[ ألا تظنين أن الخطأ القاتل يكمن في عدم وقف الأسد بعملية حربية بعد القصف الكيميائي على الغوطة (ريف دمشق) في نهاية آب 2013؟
ـ كان يجب العمل بطريقة تجعل الأسد يترك السلطة مباشرة. فبعد مذابح الغوطة، ساد يأس بالغ. في بداية 2012 بدأ تنظيم «النصرة» بالتكوّن، لكن في صيف 2013، ظهر «داعش» في شمال سوريا، بطريقة جلية جداً، لأن مذابح كيميائية عديدة كانت ارتكبت لتأتي المذابح الكيميائية تتويجاً لها. وبعد صيف 2013، شاهدت تقدم داعش، وفهمت أن سوريا ستكون حطاماً وركاماً، وهنا بدأت وضع كتابي…
[ في هذه الفترة اقترحت فرنسا مبادرة عسكرية لوقف الأسد، وهذا ما رفضه أوباما متعللاً برأي سلبي للكونغرس…
ـ موقف فرنسا كان جيداً.
[ كان يجب الضرب في تلك اللحظة…
ـ نعم! كان يجب التدخّل. لكن كانت الديبلوماسية الأميركية عندها منشغلة بالملف الإيراني، الذي كانت تعتبره واشنطن أكثر استراتيجية…
[ لكن يتحمّل أوباما مسؤولية ثقيلة…
ـ تخوّف أوباما من إعادة التجربتين الأفغانية والعراقية. إلى ذلك، فإنه كان مهتماً بالتوازنات الدولية الكبرى. لكن الأهم، في كل ذلك، وجود سلسلة من التحالفات السياسية الدولية، تقوم على دعم الأسد لقضايا لا صلة لها بسوريا، مثلاً، تقسيم القرم، أو الاتفاق على النووي الإيراني. فالملف السوري صار رهن الإطار العمومي للمصالح الدولية.. من هنا، ولكون سوريا باتت نقطة جاذبية لكل جهاديي العالم، لم تكتسب أي أهمية، والأميركيون لا يبالون كذلك بمعرفة إذا كانت سوريا ستُقسّم أم لا، ولا يهتمون بموت مئات آلاف الأشخاص، فهذا الاتجاه ثمرة خطأ فادح في التحليل: أنا على يقين أن التحولات العميقة السياسية والسوسيولوجية والاجتماعية تعمل حالياً في كل الشرق الأوسط.
[ يعني..؟
ـ نجد أن الهويات المذهبية تسود في كل مكان على حساب الهويات الوطنية. إنها مشكلة كبيرة.
[ أهي حرب دينية، كما يرى بعض الذين حاورتهم في كتابك؟
ـ المسألة معقّدة.. فدافع هذه الحرب مركّب. هناك، بلا أي شك عامل ديني، لكنه يتضمن أبعاداَ سياسية واقتصادية، فالمقاتل الذي حدّثني عن الحرب الدينية ليس سوى أداة في جهاز أكثر تعقيداً، فهو يستخدم اللغة المبسطة التي يفهمها. فالحقيقة أكثر تشابكاً من ذلك. فالمعركة الوطنية الصرفة انتهت في سوريا، وحل مكانها انقسام ديني قوي جداً وحاد في سوريا، لكن المسألة أيضاً أزمة دُوّلت، وهذا بُعد آخر.
[ عندما أعلن هولاند الحرب على «داعش» ماذا عنى لك هذا؟
ـ أكيد نحن في حاجة الى دعم عسكري لمحاربة «داعش»، لكن الاستراتيجيا التي تبنتها فرنسا لهذا الهدف، وكذلك التحالف غذى داعش بدلاً من استئصاله. أولاً، أعلن الروس انهم سيقصفون مواقع داعش، لكنهم في الواقع كانوا يسحقون الجيش الحر. فرنسا والتحالف، يكتفون بقصف «داعش»، لكن هذا التنظيم يختبئ بين السكان المدنيين. فالضحايا الذين سقطوا اكثرهم هم من المدنيين وليس المحاربين. فمن ناحية لا نرى أي استراتيجية واضحة لتدمير المواقع القوية لداعش، ومن ناحية أخرى، فإن الغربيين يرون ان محاربة الارهاب تُحقق بالحرب. فمن البداية، لم يكن عندهم أي استراتيجيا. وهذا ما أدى، الى ان كثيراً من الأفرقاء انضموا الى داعش بدلاً من ان يحاربوه.
[ وما العمل؟
ـ الطريقة الوحيدة لهزم داعش، تكمن في بناء أنظمة ديموقراطية في البلدان المهددة.
[ كيف؟
ـ فالمجتمع الدولي قادر على فرض الديموقراطية إذا وافق الروس والايرانيون على ذلك، فيمكن فرض مرحلة انتقالية، هدنة. وفي رأيي ان البلدان المعنية لا تريد أن تحل الأزمة. هل يكون الأسد جزء من الحل للتمكن من محاربة داعش؟… السؤال هنا..
[ ما رأيك بهذا التفكير: من الأفضل إبقاء الأسد في السلطة، لجعل محاربة داعش اولوية؟
ـ إطلاقاً! كلا! يجب الضغط على الأسد للانتقال الى مرحلة أخرى. فلا يمكن بناء مجتمع ووقف العنف اذا لم تتم معاقبة النظام الذي ارتكب جرائم حرب. فهذا ايضاً جزء اساسي لمحاربة «داعش».
[ او لم الخطأ في تجاهل ان سوريا هي بلاد طائفية؟
ـ بعد الاستقلال، بدأت سوريا ببناء دولة حديثة.. وقامت عدة انقلابات. كانت البلاد تستعد ان تصبح بلاداً غير مذهبية، بلاداً مدنية. في 1970، وصل حافظ الأسد إلى السلطة. بالطبع، الأديان كانت موجودة، لكن كان هناك تيار وطني غير مذهبي سائد.. لكن حافظ الأسد أعاد بناء المجتمع بفرض فكرة انه هو القائد، الذي يهيمن على كل شيء. ففي بلاد افتقدت فيها الحريات والديموقراطية، فقد لجأ الناس الى الدين.. وسيطر الأسد كلياً على الطائفة العلوية وكل المجتمع. وعمد النظام الى خطة تقسيم البلاد تقسيماً طائفياً، بواسطة المخابرات. وفي لحظة الثورة عام 2011 استخدم الابن بشار الطرق المذهبية التي ورثها عن والده.
[ أترى انتهت سوريا إلى الابد؟
ـ لم يعد هناك سوريا. فهي بلاد ممزقة. كل ميليشيا تسيطر على منطقتها الخاصة. هناك داعش، الوجود العسكري الروسي، مناطق محتلة من الايرانيين، ومناطق تسيطر عليها جماعات جهادية.. وداعش…
[ كتبت «لم أكتب الكتاب بيدي..» ما هو شعورك كامرأة سورية شابة؟
ـ أحمل جحيماً في داخلي، نوع من الألم يفقد العقل. منذ خمس سنوات، لم تعد لدي حياة خاصة، ولا اجتماعية، ما زلت أحاول أن افكر. وعلى قدر ما نجوت من كل هذا الأذى، وكل هذه المذابح، اجهد في تحويل هذا الألم إلى عمل.
لكن الانسانية خيبت ظني.
بعد صدور كتابها «أبواب العدم» تحاورها «الإكسبرس»
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى