صفحات الثقافة

سمكتان وحيدتان في حوض ضائع/ محمود خيرالله

 

 

حيث لا تنتهي الحرب أبداً

انتبهوا..

هذا الرغيفُ الأبيض الفاخر،

الذي يظهر كل ليلة،

في السماء،

ويبدو نحيلاً ـ أحياناً ـ

كعودِ قَصب،

ومستديراً

ـ أحياناً ـ

كقُرطٍ في أذنِ الغيم،

ليس قمراً،

صدِّقوني،

إنه آخر ما تبقى من دموعِ أجدادِنا،

الذين ماتوا في سالفِ الأزمان،

ببطونٍ خاوية.

هذا الرذاذُ الخفيفُ،

الذي يسقط في الخارج،

ـ الآن ـ

فيوحِل الأرضَ،

تحت أقدامنا،

ليس مَطراً

ـ ولا يَحزنونْ ـ

إنه عرقُ أجدادِنا،

الذي جمَعَه ملوكُ الأزمنة الغابرة،

وخبَّأوه ـ كالعادةِ ـ

في عَباءةِ السماء،

ليروي الأرضَ التي يحرسُها الأحفادُ

إلى الأبدْ.

هذا الشاطئ،

الذي يتمدّد كمَخدعٍ للأشجار والعصافير،

وتلك المياه التي تجري منسابةً

إلى الجحيم،

ليست نهراً،

بل دموع أمهاتٍ فقدنَ أبناءهنّ في الحرب،

وبعد عصورٍ سَحيقة،

قرَّرت هذه الدموع،

أن تلقي نفسَها في البحر،

بسببِ هذه الحرب،

التي لا تُريدُ

ـ أبداً ـ

أن تنتهي.

 

■ ■ ■

 

نُدبة

كقُبلةِ وداعٍ

مزّقتها صافرةُ القطار،

كحافلةٍ سَقطت في النهرِ

فتبللت جيوبُ الموتِ

فجأةً.

كالذنوبْ والخطايا.

كسنٍّ مَعدنيةٍ تلمع،

فوق شفاه قاتل.

كشمعةٍ.

كطلقةٍ في الميدان،

مُصوَّبةٍ منذ أعوامٍ،

لكنها لم تصل

ـ بَعْد ـ

إلى سويداء القلب،

كطريقٍ فرشناه معاً

بالأسى والحنين،

كسمكتيْن وحيدتيْن

في “حوض” ضائع

أحبُّك..

أحبّك

كنُدبةٍ.

 

* شاعر مصري

محمود خيرالله.. موتٌ يهزّ ذيله ويسبق الشاعر/ سابينا حنا

شهادة جارحة على أكثر من مستوى نشرها الشاعر المصري محمود خيرالله مطلع هذا العام، تحت عنوان “شرفة تُطل على شارعٍ ضيّق”. الشهادة التي كان يقصد منها أن تكون شهادة على الشعر وهي كذلك، تكشف طبقات من المسكوت في الواقع المصري المتمادي في قسوته.

تصعقنا ذاكرة الطفل الذي كانه مع قطارات الموت التي لم تتوقف ضحاياها، وآخرها الشهر الماضي، ومسألة العنصرية في المجتمع المصري والعربي بالطبع. يقول خيرالله: “درتُ في القرى والنجوعِ لأعرفَ أصحاباً ثم أفقدَهم بعد أيامٍ بسهولة، في المعارك اليوميَّة على ركوب قطار، أو عبور طريقٍ سريع، أو الوقوف في الطوابير، أعدادٌ هائلةٌ من الأصدقاء انتهت أعمارُهم في لحظةٍ عمياء كهذه، منهم من مات بين قطاريْن، أحدُهما يمشي عكسَ اتجاه الآخر، كانت بقاياه تُغطَّى بالصحف، بعد أن يجمعَ الصغارُ ـ وأنا معهم ـ الأصابع والأشلاء المتناثرة من الجسد الغضّ. ذات مرة أخذ قطارٌ ذراعين كاملتين لصديقٍ ومشى بهما إلى المجهول، فيما تعطلت الجنازة انتظاراً لعودة أطرافٍ غائبة”.

ويضيف مستعيداً أول بالكونة/ شرفة في حياته: “كانت شاشةً واسعة لهذه القصص، قضبانُ سكك حديدية، وعامل تحويلة عجوز نائم دائماً ويُفضِّل أن يمشي مُتهدِّلِّاً كالضحايا حين يصحو، سرعان ما يعلو صوت صفيرٍ ليوقظني، أخرجُ لأرى جثةً جديدة ويكون من السهل التعرف إليها من الملابس، رغم أن الدماء أعطتها لوناً زاهياً ومثيراً للغثيان”.

اليوم يظن الشاعر أنَّ الطبيعةَ كانت تختبر قدرته على احتمال الفَقْد: “أعتقد الآن أنها كانت تدرِّبني على كتابةِ الشعر، بطريقة يصعُب تعلُّمها سوى في مدرسة الموت، فأينما مشيت كان الموتُ يهزُّ ذيلَه أمامي، ويتركني معذباً بالفُرجة عليه، ليس غريباً أن تهزَّ كلابُ الأسى ذيولها في كثيرٍ من قصائدي، كأنَّها تُعايرني بقدرتها على الانتقام”.

لكن أكثر التفاصيل تأثيراً هي ما يرويه عن والده: “ولدتُ لأبٍ من أصولٍ سودانية صريحة، وأمٍ بيضاء جميلة وفطرية، عرفتُ باكراً كيف تكون رجلاً أسود في مجتمعٍ لم يتخلَّص بعد من عبوديَّته، سمعتُ بشراً كثيرين يسخرون من لون أبي، ويسبونه ونحن نمشي في الشارع، كان يستمر في حديثه كأنَّه لم يسمعْ شيئاً، دون أن ينسى، كأزهريِّ يخطبُ الجمعةَ طوال حياته، أن يقولَ لي “الكلابُ تعوي والقافلةُ تسير.. يا بطل”، كان أبي يلقِّنني أوَّل درسٍ في المقاومة”.

هذا الأب جاء أجداده “في هجرة سودانية قديمة، لم أتمكَّن من تحديدها بدقةٍ أبداً، رغم أنني عرفتُ عشرات السودانيين في القاهرة والخرطوم، وزرتُ “مَلكَال” و”الأبيض” و”أعالي النيل” ومددتُ يدي في نهر السوباط ورأيت جنوبيين وشماليين يشبهون أبي كثيراً، وتأكدتُ أن أجدادي البعيدين ولدوا هناك دون أن أعرفَ متى أو أين”. ولكي يلطف من الأمر يقول: “خلال حياتي اكتشفت أن حبَّ القراءة مذهبٌ سودانيُّ أصيل”.

اقــرأ أيضاً

ما زلنا هنا وما زلنا أحياء

العربي الجديد

محمود خير الله يؤرخ سياسياً لمزاج المصريين: “بارات مصر” … شاهد على مدنيّة الدولة!/ صبري عبد الحفيظ

وسط انتعاش الكتابات الدينية المتشددة، التي تسببت بدورها في انتعاش حالة التطرف في المجتمع العربي عموماً والمصري خصوصاً، يخرج علينا الشاعر والكاتب الصحافي محمود خير الله، بكتاب فريدة في مجاله، يحمل عنوان “بارات مصر.. قيام وانهيار دولة الأنس”.

صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يحاول محمود خير الله جاهداً في كتابه التأريخ لعالم البارات في مصر ومزاج المصريين بمعناه الفسيولوجي والمجتمعي والسياسي، ويرى أن استمرار البارات في هذا البلد منذ قرون، يرتبط بـ “مدنية الدولة المصرية” والحفاظ عليها، بل يذهب إلى القول إن انتشار البارات في مصر دليل على “التسامح الديني”.

ويقول “خير الله” في مقدمة كتابه: “نعم لقد عَكَس بقاء البارات الشعبية في مصر حتى اليوم، قصصَ كفاحٍ كبيرة، عاشتها الروح المصرية المتسامحة، على مدى ثلاثة قرون تقريباً، من دون أن يتجرَّأ أحد على منحها القيمة التي تستحقها هذه البارات، بسبب الدور الذي مثلته، دائماً وأبداً، في ترسيخ معاني الدولة المدنية والحفاظ عليها من الاندثار أو الزوال”.

حسب وجهة نظر المؤلف فإن “البارات شكَّلت على مدار عشرات العقود في مصر، نواةً شعبيةً، وفي متناول أيدي أغلبية الطبقة الوسطى، لأفكار التسامح الديني وقيم الاستمتاع بمتع الحياة”. على حد تعبيره.

ورغم أن موضوع كتاب “بارات مصر” متفرد في حد ذاته، ورغم أن كثيرين قد يختلفون حول ما يحويه من موضوعات، وبعيداً عن التناول الديني الذي يحرمها قطعياً، بل ويلعنها ويلعن “شاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها”، إلا أن “خير الله” يضفي على كتابه المزيد من التفرد، من خلال تناول القضية من زاوية سياسية، ويسعى جاهداً إلى وضع اللبنة الأولى في عملية تأريخ صناعة الخمور في مصر، وعلاقاتها ليس بالمجتمع فقط، ولكن بصناعة القرار السياسي والإقتصادي، على مدار فترة يحددها الكاتب بـ “قرنين من الزمان على الأقل”.

تحقيق تاريخي

ويقول “خير الله” إن صناعة الخمور والبارات في مصر تطورت من “مجرد “بوظ” ـ جمع “بوظة”ـ يباع فيها الشعير المُسكر، إلى بارات شعبية، بعضها يدور فيه العزفُ والرقص إلى اليوم، وبعضها الآخر لا يقدم سوى المشروبات الكحولية المصرية، بعضها في شوارع وسط القاهرة، وبعضها الآخر في شوارع مدينة الإسكندرية”.

ويدعو الكاتب الباحثين إلى ضرورة البحث والتدقيق فيما يشاع عن تعاطي الحكام المصريين منذ عهد محمد علي باشا وحتى الآن للخمور أو المخدرات، ويقول في كتابه: “كثيرون من حكام مصر ـ لا محمد علي فقط الذي كانت الشيشة عامرة دائماً إلى جواره ـ كانوا يحكمون هذا البلد تقريباً، وهم تحت تأثير الخمور أو تحت تأثير أنواع مختلفة من المخدرات، وأن أصحاب القرار في القصور الملكية التي حكمت مصر لسنواتٍ طويلة، كانوا جميعاً ـ تقريباً ـ من الذين يسكرون، ولو على فتراتٍ مُتقطعة”.

كما يدعو إلى تحقيق تاريخي فيما يروى عن تعاطي الرئيس الراحل أنور السادات لمخدر الحشيش، ويقول: “ليت مؤرخاً واحداً يروي لنا حقيقة واضحة، فيما تتناقله الشفاه من حكايات غير موثقة، حول ما كان تناوله الرئيس محمد أنور السادات، وهو على متن الطائرة التي تقله إلى إسرائيل في السبعينيات من القرن الماضي، ليت مؤرخاً واحداً يقول لنا ـ ذات مرة صراحة ـ ما حقيقة ما نشر على أحد المواقع الإسرائيلية حول بقع من “زيت الحشيش”، كانت على أطراف “البايب” المتدلي من فم الرئيس السادات في هذه الرحلة، حيث هبط الرجل من الطائرة وهو يترنح غائباً عما يحيط به من الكاميرات والمصوّرين واللعنات العربية الهائلة، التي اتهمته صراحة، وقتها، بتقديم التنازلات وخيانة القضية الفلسطينية”.

ويرجع “خير الله” تاريخ ظهور “بارات مصر” إلى بداية لاحتلال الانجليزي “1882 ـ 1952”. ويقول: “تأسس العشرات منها مطلع القرن العشرين، للتخفيف من الأعباء النفسية على الآلاف من جنود الاحتلال، لكن في الأربعينيات من القرن ذاته، أنفقتْ شركات الخمور العاملة في مصر أموالاً طائلة للدعاية لمنتجاتها، واضطرَّت للمشاركة في إنتاج أفلام سينمائية، موضوعها رصدُ حروب الشرطة ضد تجارة “المخدرات”، لتكريس الصورة الذهنيّة، التي تعتبر تناول المسكرات فعلاً طبيعياً في أغلب الأفلام السينمائية المنتجة في النصف الأول من القرن العشرين، أي في العهد الملكي الشهير بالمستوى الرفيع في ليبراليته، والتي جعلتْ من الملك فاروق آخر حكام دولة محمد علي، رمزاً متجسّداً للحاكم الذي لا يعرف أحد مدى صحة ما ينسب إليه، من قضائه أياماً تحت تأثير الخمور، حيث كان دائم التواجد في أماكن احتسائها من الكازينوهات إلى المتنزهات، هو وأغلب أركان حكمه وحاشيته”.

غير أن “خير الله” يؤكد في الفصل الأول  المعنون بـ”مصر.. تاريخ من السُكر”، أن صناعة الخمور قديمة قدم الحضارة المصرية، ويقيم على ذلك الأدلة من الكتب التي تتناول التاريخ الفرعوني، ويقول: ” كان النبيذ، مُصاحباً للعمال، الذين بنوا أهرامات الجيزة الخالدة، خلال عملية البناء، حوالي 2480 – 2550 ق. م، حيث عُرفت أربعة أنواع منه، وخمسة أنواع من البيرة، إلا أنه في القرن الخامس قبل الميلاد، كانت مدينتا “نقادة” و”نخن” تشكِّلان مركزي الحضارة في مصر، قبيل عصر الأسرة الأولى، وقد عُثر على أجزاء من حائط المدينة القديم والمعبد، وبعض من منطقة المقابر، فإذا بها تضم آثار واحدة من أوائل الصناعات، حيث وجدتْ في إحدى المقابر أوَّل معمل لصناعة “البيرة” في التاريخ، يضم أربعة أزيار لتخميرها، تبلغ سعة الواحدة منها 390 لتراً، يرجع تاريخها إلى حقبة “نقادة”، ليكون أول معمل لتصنيع البيرة في العالم القديم، ولتحمل البيرة أول اسم مصري لها: “هاكت”.

ضغوط رهيبة

ومع قدوم الحكم الإسلامي، ظل المصريون يحتفظون بعاداتهم في تعاطي الخمور، سراً أو جهراً ـ حسبما يقول “خير الله” في كتابه: ” ظل اهتمام المصريين ـ إذن ـ بالخمور قائماً، إلى أن دخل الإسلام مصر، حيث بات الأقباط أكثر تحفظاً في إنتاجها، من دون أن ينقطع هذا الإنتاج، ووفقاً للمستشرق البريطاني “ستانلي لين بول”، فإن الخليفة الفاطمي الأشهر والأشرس، “الحاكم بأمر الله”، أمر بمنع “الجّعة” ومصادرة “الخمر”، تماماً مثلما أمر بمنع “أكل الملوخية” وقام بصبّ “العسل في النيل”.

ويشير الكاتب إلى أن “قصص تناول الخمور في كثير من قصور الحكم الفاطمي كثيرة لدى المقريزي، ما يعكس انتشارها في مصر بعد دخول الإسلام، وتخصيص أماكن لتناولها، ومنها ما رواه عن “توران شاه”، نجل الصالح نجم الدين أيوب، لما حارب جيش لويس التاسع، منتصف القرن السابع الهجري، قرب المنصورة وهزمَه شرّ هزيمة كان :”إذا سكر في الليل جَمَع ما بين يديه من الشمع، وضرب رؤوسها بالسيف حتى تتقطع ويقول: “هكذا أفعل بالبحرية”.

وينتقل إلى الفصل الثاني ليرصد علاقة جماعة الإخوان المسلمون بتلك الصناعة خلال العام الذي حكمت فيه مصر، ويقول: “اضطرَّت جماعة الإخوان ـ خلال عام حكمها الوحيد ـ إلى خيانة كامل معتقداتها الدينية، تحت وطأة ضغوط رهيبة من الاحتجاجات السياسية، وباتت صناعة وتجارة الخمور في عهدهم، حقيقة ملموسة في الشارع، ودليلاً على هذه الخيانة العظمى، من وجهة نظر المتشددين، فتحت ضغوط اقتصادية مُعقدة سمح قادة الجماعة، باستمرار تجارة الخمور، وقبول أموال الضرائب الباهظة التي تدفعها الشركات المنتجة والمستهلكون لهذه السلعة ـ حتَّى العام 2012، كانت خزانة الدولة تحصل على نحو نصف مليار جنيه، من ضريبتى “المبيعات والأرباح” على الخمور فقط ـ نظراً إلى تأثيرها المباشر على اقتصاديات السياحة في مصر من ناحية، ورغبة منهم في إعلان ترحيبهم بتجارتها، بعد اتهامهم بمعادات السياحة ومستلزماتها، من ناحيةٍ أُخرى”.

ويسوق “خير الله” في كتابه مجموعة من الوقائع والأدلة، للتأكيد على أن البارات تلعب دوراً في الحياة السياسية بمصر، ومنها ما ورد في الفصل الثالث تحت عنوان “كافيه ريش”: مائة عام من الثورة”، ويقول: “كافيه ريش”، واحد من المطاعم التي لعبت ـ إلى جوار بعض المساجد والكنائس ـ أدواراً عظيمة ومُلهمة في تاريخ هذا البلد، عبر انحيازها الدائم إلى جانب الثوار، في أيام الثورات المصرية الكثيرة، خلال القرن العشرين، حيث استطاعت هذه المطاعم بالذات، أن تكون ملاذاً آمناً لبعض هؤلاء الثوار، بل وأسهمت في صناعة “شيء” من النجاح لهذه الثورات، وهو ما حدث مع “ثورة 1919″ وتكرر بالوتيرة نفسها وعلى المقاعد ذاتها، قبل ثلاثة أعوام، في 25 يناير، 2011، وتكرَّر ثالثاً في العام الماضي، إبَّان ثورة 30 يونيو”.

وفي الفصل الرابع، يتحدث “خير الله” عن مقهى الحرية ذي السقف العالي، ويروي كيف أنه كان ومازال ملتقى الفنانين والساسة والمثقفين، وشهدت أروقته صناعة كثير من القرارات السياسية، ويقول: “أجيالٌ عديدة من نجوم مصر، استمتعت بالشُرب والتدخين والحكي هنا، من شيوخ التلحين الراغبين في الاستماع إلى إيقاع الدنيا، وعلى رأسهم  الشيخ زكريا أحمد، إلى كبار الممثلين الباحثين عن النماذج البشرية: أحمد رمزي ورشدي أباظة، وشكري سرحان وعبدالسلام محمد، إلى أشهر مخرجي السينما المصرية وصناعها، فطين عبد الوهاب وحسن الإمام، إلى أهم الرياضيين، عبد الكريم صقر ومختار التتش، إلى الضباط الأحرار، صنَّاع “23 يوليو 1952″، خصوصاً الرئيس الراحل، محمد أنور السادات”.

ويعتبر “خير الله” في سياق حديثه عن بار “إيليت” بالإسكندرية، أن ” الحياةُ الطويلةُ التي عاشها هذا البار، كانت دليلاً على أن البارات هي الطريقة الوحيدة التي يُمكن بها قياس “درجة حرارة” ليبرالية مُجتمعٍ ما”.

وبعيداً عن الاختلاف مع وجهة نظره، إلا أن “خير الله” ينظر إلى “السُكر” على أنه “أحد أشكال التحرر الاجتماعي وممارسة الحريات الخاصة، التي عرفت في مصر، قبل ثلاثة آلاف سنة تقريباً”. حسبما ورد في كتابه.

يذكر أن محمود خير الله، يعمل صحافياً بمجلة الإذاعة والتليفزيون، وهو شاعر أيضاً، صدرت له عدة دواوين شعرين منها: “لعنة سقطت من النافذة”، “كل ما صنع الحداد”، و”لا شيء يدوم”.

هموم شعرية: مع محمود خيرالله

القاهرة – العربي الجديد

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. هنا وقفة مع الشاعر المصري محمود خيرالله.

■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

– “القرّاء” كلمة واسعة جداً كالسماء، لكن القارئ الذي يعرفني جيداً لا أراهن عليه كثيراً، قارئي الحقيقي هو الذي لم يُصادف قصيدتي بعد، لم نلتق ـ إذن ـ في صدفةٍ ميتةٍ، لنتعارف كالأصدقاء الأحياء، الذين تربطهم القصائد. كان من الممكن أن أقول لك إنه لا قرّاء لي، لأستريح من سؤالك، لكنني لن أفعل، نعم لي قرّاء كثيرون، لكن القاعدة ستتّسع ـ بالتأكيد ـ لو زادت مساحة الشعر، وهذا من رابع المستحيلات في ظل “الظروف الحياتية” البشعة التي نحياها، مصرياً وعربياً.

■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

– ليس لدي ناشر، والشعراء في مصر لم يعد بإمكانهم أن يحلموا بناشرين لائقين، لدينا فقط نشرٌ حكوميٌ طويل الأجل، ونشرٌ خاص باهظ التكلفة، وكلاهما مُر، كما تعلم.

■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟

– طبعاً لا يخلو من فائدة، فأنت تستطيع به أن تجرّب نصوصك، وأن تتعرف إلى تأثيرها على الآخرين، وأن تمتحن فيه السماء التي تحلّق فيها قصائدك. لم أتوقف عن النشر أبداً بإرادتي في المجلات والصحف والمواقع، لكنني كسول وفي منتهى البطء، فيما يتعلق بالنشر، ديواني الأخير “كل ما صنع الحداد” صدر عن دار نشر “صفصافة” عام 2010، وديواني القادم “لا شيء يدوم” يُفترض أن يصدر عن إحدى دور النشر الخاصة، في كانون الثاني/ يناير 2018، خلال الدورة المقبلة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

– لا أبدأ بنشر قصائدي في صفحات التواصل، بل أنشرها أولاً في المجلات، ثم أعيد نشرها على صفحتي، أنا لستُ من أصحاب الجماهيرية الشعرية في “الفيسبوك”، وأظن أن “اللايكات” و”الشير” لا تفيد الشعر بالانتشار والرواج الإلكتروني، بقدر ما تسجنه في قفص الذائقة السائدة، المشغولة بشفاهية النص وانفتاحه. والشعر يفترض فيه ألا يكون سجيناً في قفص، بل عليه أن يحلّق في الأعالي بمنتهى الحرية، ويكفينا ما تبنيه حكوماتنا من سجون على نفقة الموازنة العامة للدولة.

■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

– لدى الشعر العربي اليوم قرّاء كثيرون بكل تأكيد، صدِّقني، لكن الحكومات لا تريد أن تعترف بذلك، وليس من مصلحتها ـ في الحقيقة ـ أن يزيد قرّاء الشعر. كلنا يعرف الحرب التي تشنها الدولة المصرية، مثلاً، بقيادة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، ضد قصيدة النثر، ويعرف اللائحة الكاملة من المؤامرات المحكمة، التي تحاك دائماً لاستبعاد كل شعرائها من المؤتمرات والسفريات والجوائز والمنح، التي يوزعها حجازي على حفنة من “صبيانه”، في الوقت الذي لا تجد فيه مجلات وزارة الثقافة وإصداراتها المعنية بالشعر جميعاً، سوى قصائد شعراء النثر المصريين، لتنشرها بتوسّع على صفحاتها، هل تعرف لماذا؟.. لأن قرّاء الشعر كثيرون.

■ هل توافق على أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى، هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي ولماذا؟

– لا أحب أن أتصور أن هناك سباقاً بين قراءة الشعر العربي والمترجم. الشعر حالة عامة، يفيد القصيدة العربية جداً أن يقرأ العرب شعراً مترجماً، مثلما يفيد القصيدة الغربية، أن يقرأ الغرب الشعر العربي مترجماً إليه. الأزمة عندنا أن قراء الشعر عموماً قليلون، وأن السبب في ذلك هو الإهمال الفادح الذين تعانيه مؤسساتنا الثقافية.

■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟

– أعتقد أن مزايا الشعر في كل اللغات واحدة، وهو ما رأيته بعيني حين قرأت قصائدي لمدة عشرة أيام متواصلة، على جمهور فرنسي عام 2015، في ضيافة مهرجان “أصوات حية” في مدينة “سيت”، بجوار شعراء من لغات أخرى، ولا أظن أن الشعر الجميل له نقاط ضعف.

■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟

– قبل شهور قدّمتُ إجابتي عن هذا السؤال، حينما قدّمتُ مختارات للشاعر الفلسطيني الراحل طه محمد علي، ضمن سلسلة “إبداع عربي” عن “الهيئة العامة للكتاب”. هذا الشاعر الكبير الذي لم يسمع عنه الوسط الثقافي المصري، “المشغول بنفسه دائماً”، إلا حينما صدرت مجموعته في مصر الشهر الماضي، بعنوان “صبيّ الفراشات الملونة”.

■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟

– أن يتخلّص من الأدعياء والكهنة والمقلدين.

بطاقة: شاعر مصري، صدر له في الشعر: “فانتازيا الرجولة” (1998)، و”لعنة سقطتْ من النافذة” (2001)، و”ظلّ شجرة في المقابر” (2004)، و”كلّ ما صنع الحدّاد” (2010). وصدر له في السرد كتاب “بارات مصر.. قيام وانهيار دولة الأنس” (2016).

كما أعد وقدّم مختارات شعرية للشاعر الفلسطيني الراحل طه محمد علي بعنوان “صبي الفراشات الملونة” (2017). يعمل محمود خيرلله نائباً لرئيس تحرير “مجلة الإذاعة والتلفزيون” الأسبوعيّة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى