خالد ممدوح العزيصفحات مميزة

سهير الاتاسي : مناضلة سورية من اجل الديمقراطية


خالد ممدوح العزي

بوتو والاتاسي صراع بين الدكتاتورية والديمقراطية:

تؤكد الراحلة” بنازير بوتو” في كتابها الذي أنجزته قبل اغتيالها وتم نتشره فورا بعد اغتيالها، والذي شكل أهمية كبيرة لها،و أولته تركيزها واهتمامها الكبير و يحمل اسم “المصالحة : الإسلام والديمقراطية والغرب ” والتي تقول بأنه لا يمكن إرساء الديمقراطية حول العالم بطبقة وسطى مستقرة ونامية ،وتهدد الاختلافات الاقتصادية الكبيرة بين الطبقات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد، كما إن سيطرة النخبة “المثقفة” أو العسكرية ،الغنية على الحشود الجاهلة ليست بالطريقة الناجحة لبناء مجتمع ديمقراطي”. وهنا الطرح الجدي الذي يدور الحديث عنه في كل دول العالم الإسلامي والعربي، هو في كيفية استبدال الدكتاتورية بالديمقراطية.

فالديمقراطية تضعف قوى التطرف والميلشيات العسكرية التي تصنعها الدول لقمع شعوبها .وإذا انهزم التطرف والمليشيات فستفادى دولنا وقوع كوارث كثيرة يتوقع المستبدون في السلطة بأنها حتمية،كما هو الحال في ليبيا وسورية واليمن . وهن يكمن سر الصراع القائم حاليا بين الدكتاتوريين والديمقراطيين في كل الدول العربية والإسلامية.

إذا كانت” بنازير بوتو” رئيسة الوزراء السابقة لباكستان وزعيمة حزب الشعب الذي اغتيلت في27 كانون الأول “ديسمبر” من العام 2007 ، في “روالبندي في باكستان”،هي أشجع مناضلة في العالم الإسلامي بوجه الديكتاتورية والاستبداد من اجل الوصول إلى ديمقراطية حقيقية في باكستان، لاقتناعها الكامل بان الحرب بين الديمقراطية والدكتاتورية، والتطرف والحداثة هي المعركة بين القوى الأساسية في الألفية الجديدة التي نعيش فيها، لأنها على اقتناع كامل بان في ظل الدكتاتورية سينمو التطرف والتعصب القومي والديني والمذهبي المتصاعد مهددا ليس وطنها فحسب بل العالم اجمع.

بوتو المناضلة ضد الدكتاتورية ونظام الاستبداد والشمولية العسكرية والفساد المالي التي مثلها نظام”برويز مشرف”، لا تختلف أبدا عن السورية سهير الاتاسي المناضلة ضد نظام الأسد والعائلة الحاكمة والنظام الأمني، والفساد المالي، لا في الرؤية ولا الأفكار لأنهم يحاربن الدكتاتورية ولأرسى الديمقراطية الجديدة .

فالاتاسي هي أشجع أمرآة سورية وعربية في العالم العربي، ليس من الغريب بأن تكون هذه المرآة العربية المطلوبة الأولى للنظام ألمخابراتي.

سيدة سورية الأولى سهير الاتاسي :

سهير جمال الاتاسيٍ مواليد دمشق ،1971ابنة المفكر الراحل الكبير الدكتور جمال الأتاسي تلقت تعليمها الجامعي في سورية ، تخرجت من قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب بجامعة دمشق، ثم حصلت أيضا على دبلوم بالتربية من جامعة دمشق، تأثرت سهير منذ نعومة أظفارها بفكر والدها الراحل الكبير و تشـبعت بطروحاته الديمقراطية وعليه آمنت بالحوار وضرورته للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة أصرت المناضلة السورية على إطلاق المنتدى منذ البداية في العام 2000، وشاركت مع نشطاء آخرين في التمهيد لقيامه، وساهمت في توسيع طيف الحضور فيه ، و أكدت على أهمية دور المرأة في المساهمة والمشـاركة الفعالة ونظراً لجهودها الكبيرة فقد تمّ انتخابها بمنصب رئيس مجلس إدارة المنتدى ، كما أعيد انتخابها مجدداً في عام 2005 قبل اعتقالها بثلاثة أشـهر تقريباً والذي أمضت فترة 4 سنوات في سجون النظام في ضل حملة الاعتقالات السياسية التي تشنها الدولة السورية، وأجهزت مخابراتها القمعية على المثقفين السورين الموقعين على وثيقة إعلان ربيع دمشق والتي كانت الاتاسي واحدة من هؤلاء المعتقلين .

فإذا كانت بوتو تنتمي إلى عائلة سياسية لها تاريخها السياسي ودورها في صنع القرار العام في باكستاني، والتي مهدت لها الطريق في الوصول إلى مركز القرار السياسي الرئيسي في البلاد وتسلم زعامة حزب الشعب الباكستاني اكبر حزب سياسي في البلاد. لقد ساهم هذا الحزب إسهاما كبيرا في إيصالها وتوليها رئاسة الوزراء في السابق ،والعودة مجددا إلى البلاد لمواجهة الدكتاتور مشرف والتي ساهمت شخصيا في إسقاطه في الشارع، فان الاتاسي لا تختلف نهائيا عنها ، تنتمي الناشطة الحقوقية السورية والمعارضة السياسية سهير الأتاسي لعائلة حمصية سورية عريقة بالنضال السياسي والانتماء القومي ، قدّمت هذه العائلة للمجتمع السوري عددا من الشخصيات المعروفة كان من بينها رئيسان للبلاد هما “لؤي الأتاسي ونور الدين الأتاسي” . ويعد جمال الدين الأتاسي والد سهير الذي توفي عام 2000م، من المفكرين القوميين المعروفين في سورية وفي العالم العربي، شارك مع صلاح البيطار وميشيل عفلق في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947، كما شغل منصب وزير في إحدى الحكومات السورية، وشغل منصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي المعارض،ومؤسـس التجمع الوطني الديمقراطي.

حياة الاتاسي في خطر:

تعتبر الناشطة سهير الأتاسي صاحبة التصريحات النارية منذ بداية الانتفاضة السورية والاتاسي جزا لا يتجزءا منها، لقد خرجت مع القلائل في مظاهرات آذار”مارس” الأولىمن هذا العام ، والتي كانت بداية الحراك الشعبي السوري،عندها صرحت الاتاسي تقول بالحرف الواحد “بان هذه التحركات الصغيرة إنما هي بداية لكسر حاجز الخوف لدى السوريين”وبالفعل كانت محقة بنظرتها للحراك الشعبي الذي تطور إلى مستوى حراك شعبي يزعج النظام ولا يستطيع قمعه مما وضع النظام في مأزق . اعتقلتها السلطات السورية في 16 اذار “مارس” 2011 م، حيث أشادت في حديث مع قناة الجزيرة،عن نوعية هذه المظاهرة الصغيرة التي جابت إحياء العاصمة، والتي طالبت بالإفراج عن سجناء سياسيين منهم المحامي أنور البني والكاتب علي عبد الله و15 طفلا اعتقلوا في مدينة درعا لكتابتهم شعارات على الجدران بوحي من الثورتين المصرية والتونسية. لقد صفعت من قبل ضابط الأمن أثناء اعتقالها وجزت بالحبس،وتعرضت لكل أنواع التعذيب النفسي والجسدي والأخلاقي الذي يمارسه جلادو النظام الدكتاتوري، مع العديد من المعارضات السوريات الذي لايزال اغلبهن محتجز في الاعتقال ، لكن المعارضة الشابة خرجت بكفالة مالية، لتعود وتطلب ثلاثة مرات إلى الأمن المركزي “امن الدولة” وتمنع من السفر وتسحب هويتها الشخصية، لكنها في المرة الرابعة رفضت طلب الأمن السوري،رافضة الانصياع لأوامر الأمن السوري،مما جعلها تصبح هدفا دسما للمخابرات السورية في البحث والتحري عنها.

الاتاسي ، تعلن بصوتها العالي من داخل سورية وتقول”إذا حصل لي أي مكروه فالنظام السوري هو المسؤول الأول والأخير” وتتساءل الاتاسي إذا قتلوها ماذا ستكون حجّتهم، هل هي من “العصابات المسلّحة” أو من “الإرهابيات” مثلاً؟؟؟!!!.

القتل وسيلة من وسائل الدكتاتورية:

النظام السوري يستطيع فعل كل شيء، ويحاول التأثير السلبي عليها، فالمراهنة على نية النظام الحسنة غير موفقة أبدا، لان النظام السوري له تاريخ حافل في القتل والتعذيب ،هو الذي يقتل شعبه بأحدث الأسلحة الروسية المستوردة بأموال السورين، لكونهم جميعا عصابات تخربيه وإرهابية ولكن للأسف بغير سلاح، بل يلوحون باغصان الزيتون والهتافات المطالبة بإسقاط النظام،فالنظام يقتل الأطفال والطفولة ويتهمها بالسلفية والإرهابية، يقتل الجرحى العزل ،يشرد شعبه إلى دول الجوار ويحاول تحميلهم مشكلته الخاصة وأزمته الداخلية ،فإذا كان نظام مشرف الدكتاتوري اغتال بوتو وهي تقوم بحملتها الانتخابية في العام 2007 م، واتهم عناصر إرهابية مسلحة بقتلها ،فان النظام السوري جاهز لاغتيال أي شخصية مهما كان صفته، وخاصة إذا اختلف معه الرأي، وتطالب بإسقاط الأسد ، فكيف إذا كانت هذه الشخصية سهير الاتاسي الناشطة والمعارضة للنظام وتطالب برحيل الأسد . سهير تعرف هذا النظام جيدا وهي تصر على التحدي ،و تكتب في صفحتها على موقع “الفيس بوك” بتاريخ 13ايار “مايو” 2011 ، بأنها لن تحاور القتلة والمجرمين…ولن تفعل.

هي مستمرة وبكل شجاعة ، ومصرة على تحدي نظام بشار الأسد من خلال كتاباتها وتصريحاتها للقنوات الفضائية الناطقة بالعربية، ففي حوار الاتاسي مع قناة فرانس 24 الفرنسية ،”تقول للشعب السوري المتظاهر ” بان من يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده”و من يقتل شعبه خائن”.

تكتب سهير أيضا على “الفيس بوك “”بأنها مستغربة تصريحات مفادها أن النظام السوري فقد شرعيته نتيجة عمليات القتل التي يمارسها بحق مدنيين عزل يطالبون بالحرية”، “فمنذ متى كان النظام السوري شرعيا؟ هو نظام جاء عن طريق التوريث وعبر تعديل للدستور تم في ظرف خمس دقائق”.

لقد تحلت الاتاسي بشجاعة خاصة، وهي الرافضة المطلق لنظام البعث وشموليتها الدكتاتورية ،هي المحاور العنيد التي دعت دوما لفتح حوار سوري عام مع جميع القوى والشرائح الاجتماعية والثقافية، من اجل إنقاذ سورية الدولة،،، سورية الشعب، لقد رفضت الحوار مع النظام لأنه قاتل وهي لا تتحاور مع قتلة ولن تفعل أبدا، تعتبر الاتاسي بان الحياة في سورية من دون البعث أجمل واحلي،لان الشعب السوري عاش 50 سنة تحت ظل القمع والبطش والتنكيل والحبس الذي مارسه البعث ،حتى أصبح الشعب يعيش حياة مبرمجة يسيطر عليها الخوف والفزع والجوع نتيجة ظلم هذا النظام وأدواته الذين حول سورية وشعبها إلى أكثرية عداديه لحزب شمولي مستبد وسط مجموعة صغيرة من المخبرين والفاسدين.

لكن سهير منذ نعومة أظافرها تعلمت من مدرسة العائلة الوطنية والقومية ،بان لا تهادن نظام البعث،ولا تساوم مع الاستبداديين والدكتاتورين، لأنها من بيت عريق بالسياسة والوطنية القومية العربية ،لهم تجربة تاريخية خاصة مع السياسة السورية، والتي تختلف عن سياسة النظام الحالي المستبد والفاسد ،فالوطنيون السوريون يصرون على أن تكون سورية دولة وشعب وتاريخ وحاضر وماضي ومستقبل . سورية ليست سورية الأسد كما اطلقوا عليها ،والتي يتم توريتها وبيعها وشراءها حسب ما تريد العائلة الحاكمة والمستفيدين منها. لذا طلبت سهير وتطالب بإسقاط النظام وتغيره دون العودة عن هذا المطلب الشعبي ،من خلال تذكرة ذهاب للنظام تقطع دون عودة، فالأسد حسب رائيها لا يستطيع أن يقدم إصلاحات جدية تغير حالة سورية الحالية، بسبب عجز هذا النظام وشيوخه وسيطرت الفاسد المالي والسياسي الذي يعيش في ظلها الزمرة الحاكمة،وحزب البعث،والمخابرات. فالذي يعول على إصلاحات حقيقية في ظل هذا النظام هو مخطئ، فكل جلسة حوار يحاول النظام شراء الوقت فيها ، من اجل الانقضاض على الثورة وعلى الثوار، لذلك كان لها نداء صريح لكل الثوار والمحتجين بأنه لا يوجد نصف ثورة في العالم،ويجب إكمال طريق الثورة فالوقوف والترقب أو الانتظار،يعني كمن يحفر قبره بيده، فالاتاسي تصر على إكمال المهمة حسب وجهة نظرها ونتيجة خبراتها مع هذا النظام ، وأكمل الثورة السلمية التي هزت كيان النظام ووضعته في مأزق جدي وحقيقي ،بعد فشل حلوله الأمنية والعسكرية ومحاولته لإسكات صوت المتظاهرين والمنتفضين بوجه القمع والبطش، بالرغم من القمع الوحشي الذي ينفذه النظام السوري وفرق موته وكتائبه الأمنية التي تقتل الأبرياء والشعب الأعزل يوميا .

الشعب بحاجة الكوادر:

لم يكن أمام بوتو مخرجا جديد للخروج من سيطرت الدكتاتور ، سوى الانتخابات النيابية التي وحدها تجبر وتسقط الدكتاتور من خلال حركة الشعب المحتج والثائر في شوارع باكستان،فذهبت بوتو إلى بلدها لتقود هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية التي تساعد فيها على طرد الدكتاتور بالرغم من معرفتها المسبقة من خلال المعلومات الاستخباراتية والأمنية التي قدمت لها، بأنها سوف تتعرض لعملية اغتيال قد تؤدي بحياتها ،لكنها تابعة مهمتها ولم تتقاعس عن حملتها الانتخابية ، فكانت جولتها الأخيرة في ذلك اليوم ،الذي تم اغتيالها بأبشع الطرق مع العديد من مؤيديها ،لقد خسرها العالم كله وليست باكستان.

ونحن في سورية والعالم العربي لا نريد أن نخسر سيدتنا الأولى في سورية، بسبب شراسة نظام البلاط وقوانينه المجحفة بحق شعبه ،لان النظام السوري مريض نفسيا ويخاف من كل شيء يحاول أن يقدم نقد للنظام .فكيف إذا كان الطالب برحيل النظام ومحكمته شعبيا ، هذا يعني بان النظام أضحى يفقد كل صوابه هو وجماعته، المستعدين لقتل الشعب السوري وحرق كل سورية من اجل إبقاء النظام على الكرسي .

فكل كادر من كوادر الثورة في سورية يجب حمايته والحفاظ عليه من وحشية وبطش هذا النظام الانتقامي، لان حالة سورية هي خليط من الحابل بالنابل، فالنظام بداء يفقد سيطرته على العديد من المدن والنواحي السورية ،ورده سيكون القتل والانتقام الوحشي.

حياة سهير وكل المناضلات السوريات غالية جدا علينا، والحفاظ عليهن ضروري من اجل استكمال الثورة وسيطرة الشعب على الدولة ،لان النساء مادة مطلوبة ومفقودة في سورية الجديدة والديمقراطية،وضرورة العمل على عدم إعطاء النظام إي هادية مجانية من قيادات الحراك الشعبي نساء أو رجال لأنهم جميعا قيادات سورية القادمة،لقد ذبح النظام مغني الثورة في حماة “إبراهيم قاشوش” لان حنجرته أزعجتهم،ويحاول ذبح الجميع إذا تمكن لان الشعب بداء يزعج النظام .

بالرغم من موفقتي الكاملة على ما كتبته الاشتراكية الألمانية الأولى”لوزا لوكسنبورغ” منذ أكثر 100 عام “بان النصر يأتي بعد سلسلة من الهزائم”.

اليوم جاء نصركم يا سهير ، نصر الشعب السوري على الدكتاتور ، يجب أن تقطفوا ثماره بسرعة قبل أن نخسر هذا النصر،ويصبح كابوسا على قلوبنا جميعا ،فما عليكم جميعا سوى الحرص على أنفسكم وأرواحكم لان سورية بحاجة لكم كما كانت باكستان بحاجة “لبوتو” التي رحلت قبل أن تعيد لها الديمقراطية التي وعدت بها شعبها .

د.خالد ممدوح العزي

صحافي وباحث إعلامي،و مختص بالإعلام السياسي والدعاية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اويد الكاتب بضروره المحافظه على سلامه السيده سهير الاتاسي .فهي كالذهب العتيق وان الشعب السوري بحاجه ماسه لخبرتها وافكارها وكلامها .سلم الله السيده من يد الصهاينه الاسديه….عزرا لتسميتهم بالصهاينه لانه برأي الخاص كل من يقتل الناس بسبب سلطه او ثروه او منصب هو صهيوني ,,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى