صفحات سوريةغياث نعيسة

سوريا:تستمر المجزرة بحضور المراقبين


غياث نعيسة

وصل المراقبون العرب الى سوريا بتاريخ 26 ك1/ديسمبر من العام الماضي ، بعد توقيع النظام السوري على البروتوكول الخاص بمهمتهم نهاية ت2 / نوفمبر من نفس العام.

و تندرج مهمة هؤلاء المراقبين في اطار ما يعرف بمبادرة جامعة الدول العربية التي صدرت في بداية شهر ت1/اكتوبر من نفس العام، التي تتضمن ،بالأخص، وقف العنف و القمع و سحب الجيش السوري من المدن و اطلاق سراح المعتقلين و فتح حوار بين المعارضة و النظام الحاكم للإعداد لفترة انتقالية.

و في حين أن حضور المراقبين العرب كان له أثر في تشجيع عدد أكبر من المواطنين السوريين على التظاهر ، لكنه شهد على مضاعفة عدد الضحايا من المدنيين الذين سقطوا برصاص القوات الحكومية. و في الاسبوع الاولين التاليين لحضورهم سقط نحو 400 شهيدا. كما شهدت دمشق (و غيرها من المدن) ثلاثة عمليات انتحارية سقط خلالها عشرات القتلى و الجرحى ، اثنان منها حصلتا في اليوم نفسه لوصول المراقبين العرب. و يشوب هذه العمليات الانتحارية شك كبير بوقوف الاجهزة الامنية للنظام ورائها، بهدف مفاقمة جو الارهاب و الرعب في البلاد. و لم ينج المراقبين العرب انفسهم من مضايقات النظام الدكتاتوري، حيث ان تحركاتهم تبقى محاصرة بأجهزة السلطة و تحت رقابة صارمة، و بعضهم يتم التعامل القاسي معهم او التلاعب بهم. بحيث ان ثلاثة منهم اصيبوا بجروح نتيجة لتعرضهم للاعتداء من قبل حشد من ” الموالين للنظام” في مدينة اللاذقية في 9 ك2/يناير 2012 ، و اثنان أخرين منهم قدما استقالتهما و غادرا سوريا ، رافضين ان يتحولا الى شاهدي زور امام المذبحة التي يرتكبها النظام بحق الجماهير الثائرة.

حتى وسائل الاعلام التي حضرت الى سوريا، كشرط من شروط المبادرة العربية، لم تفلت من جحيم الطغمة الحاكمة، فقد سقط الصحفي الفرنسي جيل جاكييه قتيلا اضافة الى اخر بلجيكي جريحا في عملية اعتداء على مجموعة من الصحفيين الاجانب جرت في 11 ك2/يناير، يقول النظام انها اتت من مجموعة “ارهابية” رغم انها حصلت في منطقة يسيطر عليها و يحاصرها؟

في الواقع، ان الطغمة الحاكمة لا ترتدع عن فعل ابشع الاعمال و الجرائم من اجل ازالة اي عائق امام سياسة القمع الوحشي التي تمارسها بحق شعبها ، أملة، عبثا، في سحق الثورة الشعبية .

لقد عبر الدكتاتور بشار الاسد في خطابه الرابع منذ اندلاع الثورة عن تراجع كبير عن وعود نظامه بالإصلاحات الزائفة التي يزمع القيام بها. فعوضا عما كان يروج له عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحدث عن نيته في تشكيل حكومة “موسعة” ستضم بعض الافراد “المعارضين الوطنيين”، اي اشخاص تناسب مقاسه و مزاجه. لكن الاخطر في خطابه كان اعلانه بقروب لحظة “الحسم” التي يتوعد بها ” المتآمرين و المؤامرة” اي من وجهة نظره يقصد الجماهير الثائرة التي توعد بسحقها سريعا و بشكل حاسم. و دعا من اجل الحسم الى تشكيل فرق مسلحة من المدنيين الموالين له لدعم ” الجيش” في معركته الحاسمة…. ضد الجماهير الشعبية، و هي دعوة تؤكد الطبيعة الفاشية المتزايدة الوضوح للنظام الدموي الحاكم.

و رغم توحش النظام و توعده، فان الثورة مستمرة، بكلفتها الانسانية التي تزداد ارتفاعا و الما، علاوة على وضع مأساوي فظيع لحياة جزء كبير من السكان : تدهور خطير و حاد للاقتصاد، نزوح سكاني واسع داخل البلاد، اكثر من ستة شهيد والاف عديدة من المتخفين و المعتقلين و الجرحى ، حصار للمدن و تقطيع اوصالها… و انقطاع طويل للكهرباء في غالبية المدن و تقنين يقارب الندرة للمازوت، الوقود الاساسي للسكان و خاصة في فصل الشتاء…..الخ.

يتابع النظام ، اذن، في مواجهته للجماهير الثائرة، تطبيق سياسة الارض المحروقة على صعيد كل المناطق الثائرة ، بل و على الصعيد الوطني بأكمله، و هو يعلن سلفا تشديده لممارساته الوحشية في قمع الجماهير الشعبية ، اذ اعلن رئيس الطغمة الحاكمة في خطابه الاخير تهديدا موجها الى الكتل ” الصامتة او المحايدة” حيث اعلن الدكتاتور ان “كل من يشجع الفوضى هو شريك في الارهاب”.

على الصعيدين الميداني و السياسي ، فقد اصيبت المجموعات الثورية الميدانية (تنسيقيات و تجمعات) بخيبة أمل كبيرة من التحالفين السياسيين الكبيرين، المعروفين اعلاميا، للمعارضة السورية، و هما المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق الوطنية للتغير الديمقراطي، بسبب الهوة الشاسعة التي تفصل بين سلوكهما و تصريحاتهما و عجزهما و قصر نظرهما و النزاعات الداخلية التي تنهش جسديهما و بين احتياجات الثائرين و الجماهير الفعلية و الوقائع على الارض من اجل انتصار الثورة.

ان شعارات المتظاهرين في المدن السورية “يا الله لم يعد لنا غيرك” انما تعبر عن وعي الجماهير السورية الثائرة بانها قد تركت تواجه وحيدة الة القتل البربرية للنظام الحاكم ، و احباطها الكبير من هذه المعارضة” التلفزيونية”.

للأسباب المذكورة اعلاه، يتطور منذ فترة تنسيق و حوار واسعين بين غالبية المجموعات الثورية الميدانية و السياسية ، خارج اطار التحالفين المذكورين، من أجل توحيد نشاطها و مركزتها و تشكيل ائتلاف مشترك باستراتيجية موحدة : ائتلاف ديمقراطي و علماني و اجتماعي ، يسمح بالسير بالثورة الى انتصارها على نظام الاستبداد و الفساد ، مع الجماهير الثائرة و لصالحها. و اليسار الثوري في سوريا منخرط تماما في هذه الدينامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى