صفحات الناسغالية شاهين

سوريات وحيدات.. يواجهن لجوءهنّ ويتحدّين واقعهنّ/ إسطنبول ــ غالية شاهين

 

 

هنّ نساء من خلفيات مختلفة، تركن سورية وعائلاتهنّ ليعشن اللجوء بطريقة أخرى.. بمفردهنّ. على الرغم من كل التحديات التي يواجهنها، يصمدن ويؤكدن أن “ما يواسينا ويخفّف عنا هو أن لا فضل لأحد علينا هنا”.

“عندما تُترك المرأة بمفردها، عليها كسر الحواجز لتحقيق أهدافها. عندما تشعر بالضعف أو العجز، عليها أن تكون قوية للدفاع عن نفسها وأطفالها ومنزلها”. بهذه الكلمات تختصر لاجئة سورية كلاماً يطول عن واقع السوريات الوحيدات اللاجئات في دول الجوار، وبعض الدول الأوروبية.

كثيرة هي التقارير، التي تناولت أوضاع السوريات في مخيمات اللجوء، لذا نحاول تسليط الضوء على معاناة السوريات الوحيدات، اللواتي اخترن العيش في المدن خارج المخيمات. هؤلاء رغبن في الاستقلالية أو تأمين حياة أفضل لهن ولأسرهن، فاختلفت الصعوبات والتحديات.

في لبنان مثلاً، تتزايد الأعباء على النساء الوحيدات من كل النواحي، المادية والاجتماعية. ميادة الحايك، (44 عاماً)، صيدلانية من دمشق وأم لطفلين. تروي أن “معاناتي بدأت مع فكرة ولي الأمر منذ اللحظة الأولى، التي اتخذت فيها قراري بمغادرة سورية برفقة طفليّ إلى لبنان، بعد طلاقي بفترة من الزمن. فالمرأة في مجتمعاتنا وقوانيننا، مهما بلغت من ثقافة وعلم، لا يُعترف بها كولي أمر لأولادها. تكررت هذه المعاناة في كل خطوة قمت بها”.

وتتابع الحايك أن “المرأة المطلقة تعاني كثيراً في مجتمعاتنا. فقد لاحقتني فكرة الوصاية، لتتخذ شكل وصاية الأخ الرجل على الأخت المطلقة. لكن الأمر انتهى عندما اتخذت قراري بمغادرة منزله، مهما كانت النتائج. وواجهت المجهول. في البداية، سكنت في مجمّع للسوريين اللاجئين، حيث عرفت معاناة مختلفة. لكنني تمكنت أخيراً من الانتقال وعائلتي إلى منزل مستأجَر بعدما وجدت عملاً في إحدى الصيدليات. وحالياً، وبالرغم من كل أشكال الإساءات والإهانات التي أتعرض لها، وبالرغم من تحملي وحدي مسؤوليات كان من الممكن أن تتوزّع على اثنين في الحالات الطبيعية، أعيش في استقرار نسبي”.

أما في تركيا، فيختلف شكل المعاناة قليلاً ليأخذ أبعاداً شخصية أحياناً تتعلق بمواجهة مجتمع مختلف وصعوبات لا سيّما في اللغة والعمل. وبالرغم من تعدد منظمات المجتمع المدني السورية في تركيا، إلا أنها ما زالت عاجزة ومقصّرة في وضع برامج داعمة فعلياً للنساء السوريات، لا سيما الوحيدات منهن.

ربى الشوفي (30 عاماً) ناشطة ومترجمة سورية عزباء من السويداء، قصدت تركيا بمفردها بعدما اضطرت إلى الخروج من البلاد. هي أملت في التلاقي مع شباب ثوري ناشط تستطيع العمل والتواصل مع الداخل السوري من خلاله. وعن تجربتها تقول: “بالإضافة إلى ما يخلقه لجوؤنا القسري وغربتنا من حرمان، نضطر إلى تحمّل أعباء إضافية. فانخراط الواحدة منا في الثورة والظروف التي نتجت عنها، من أبرز أسباب خروجها وحيدة. هي في الغالب متمردة في الأساس، وهذا ما قد يشكل دافعاً لاحترامها لدى البعض. لكن في الوقت نفسه، قد يدفع ذلك بآخرين إلى استغلالها، إذ هي بالنسبة إليهم كسرت قيوداً كثيرة، فيبررون لأنفسهم التمادي نظراً لعدم وجود من يساندها أو يدافع عنها”. تضيف: “وقد صدمت شخصياً بسلوك أصدقاء مثقفين وتصرفاتهم غير الإنسانية. فثمة تجاوزات عدّة تحدث يومياً في أماكن العمل المختلفة، بحق النساء. وذلك فقط لأنهن لا يتجاوبن أو يتغاضين عن تصرفات مسيئة قد تصل إلى حدّ التحرش”.

وتتابع الشوفي أن “التجربة تبقى بالرغم من صعوبتها، غنية ومميزة. هي أضافت خبرة على خبراتي، وتشكل تحدياً كبيراً على الصعيد شخصي. لكنها بالتأكيد أصعب على نساء أخريات. أنا لطالما كنت مؤمنة بأنني أساوي الرجل في الخيارات والقرارات وتحمل المسؤولية، وبأن توازني نابع من ذاتي وغير مرتبط بالمحيط”.

ياسمين مرعي، (30 عاماً)، صحافية من حمص، تقيم وتعمل حالياً في مدينة غازي عنتاب. تقول: “وجودي كامرأة وحيدة خارج سورية كانت له سلبياته وإيجابياته. المعاناة الأساسية كانت في البحث عن سكن وعمل. لكن الإيجابية في ذلك هي الخبرة والثقة بالذات. وتبقى قضية الحرمان من لقاء الأهل، وعدم القدرة على العودة إلى سورية، الأكثر إيلاماً”.

إلى ذلك، تتحدث مرعي عن معاناة النساء الوحيدات في تركيا قائلة: “لسن قليلات هؤلاء اللواتي يعانين ظروفاً معيشية سيئة جداً، وهذا يجعلهن عرضة للاستغلال. لذا يجب التركيز عليهن وإيلاؤهن اهتماماً خاصاً. لكن وللأسف، ما من منظمات تعنى بالنساء الوحيدات، وإن توفرت منظمات سورية تنموية متخصصة في الاهتمام بالنساء لجهة تعليمهن بعض المهن اليدوية”. وتشدّد على أن قضية هؤلاء “يجب أن تدرج على رأس قائمة أولويات المنظمات أو المؤسسات، الرسمية منها (الحكومة المؤقتة والائتلاف) والمستقلة”.

وحدة

في أوروبا، وجهة عدد كبير من السوريين والسوريات في الفترة الأخيرة، تختلف صعوبات الحياة بالمقارنة مع لبنان أو حتى تركيا. فهناك، تؤمّن الدول المضيفة للاجئين السكن وتمنحهم رواتب تقيهم من الحاجة وتزيد، في حين تتمثل المعاناة في إحساس عارم بالوحدة.

ريما (28 عاماً) متزوجة وأم لطفلين، لجأت حديثاً إلى ألمانيا. تقول: “لم يكن قرار خوض التجربة وحيدة سهلاً قط. ولم تكن التجربة بحد ذاتها، خصوصاً تلك الرحلة البحرية المرعبة، سهلة أيضاً. فأنا لم أعتد الاعتماد على نفسي بشكل كامل من قبل، وهذا أصعب ما أعانيه حالياً”.

وتوضح: “اضطررت إلى تحمّل كل هذا بهدف تأمين عائلتي، الموجودة حالياً في تركيا. لكنني أشعر بالوحدة والضعف، بالرغم من كل ما قدمته لي هذه التجربة، لا سيّما القوّة التي اكتشفتها في داخلي ولم أكن أدركها من قبل”. وتؤكد أن “هذه هي المرحلة الأقسى في حياتي، لكنني آمل أن أتمكن من خلالها من تأمين حياة مختلفة لأولادي”.

خبرات راضة

وعن حالة اللاجئات السوريات النفسية، لا سيّما الوحيدات منهن، يتحدث الدكتور جمال صبح، طبيب الأمراض العصبية والنفسية الذي يعمل في عيادة التأهيل العصبي – النفسي في مدينة أخن الألمانية، فيقول: “لا شك في أن أوضاع الحرب وتعرض عدد كبير من اللاجئات السوريات لخبرات نفسية سيئة وراضّة، من قبيل الاعتقال والحرب واللجوء وسوء المعاملة وخسارة أحد أفراد العائلة، تجعلنا نعتقد بأثر ممتد وربما حاد على الصحة النفسية للنساء عموماً”. يضيف: “لا يمكن طيّ الصفحة بسهولة مثلما يعتقد البعض. فالمرور بخبرات نفسية راضّة قد يؤدي إلى مشكلات نفسية وجسدية عديدة ربما تتطور لاحقا إلى أمراض نفسية واضحة تحتاج إلى تدخلات دوائية ونفسية – علاجية. وبالتأكيد، فإن النساء الوحيدات أو اللواتي فقدن روابطهن الاجتماعية، أو المعيلات الوحيدات، يتأثرن بهذه الأوضاع بطريقة أكثر حدة بالمقارنة مع غيرهن من النساء”.

وعن صعوبات الحياة في المجتمعات الجديدة، يقول صبح: “يحتاج اللاجئ إلى قدرة أو مبادرة ذاتية لفهم آليات وطبيعة علاقات المجتمع المضيف. لكنه بحاجة أيضاً إلى روابط ثقافية واجتماعية تؤمنها العلاقات في ما بين أعضاء الجاليات السورية الصغيرة. لا يمكن إكمال الحياة في بلد أوروبي مضيف بالطريقة التي ألفناها في سورية”. ويشدّد على أن “قدراً من المرونة في التعامل وفي الانفتاح على الآخر، يكون أفضل من الانغلاق على النفس وفي الجماعات المماثلة ثقافياً”.

أما في لبنان، فتوضح الباحثة في قضايا المرأة، صباح حلاق، من رابطة النساء السوريات والرابطة السورية للمواطنة، أن “منظمات عديدة من المجتمع المدني اللبناني والسوري تعمل مع اللاجئات السوريات، الأمهات والمعيلات. والتركيز يكون على تمكين النساء من بعض المهارات كالخياطة وتصفيف الشعر والتمريض”. بالنسبة إليها، “تمكين النساء من هذه المهارات غير مجدٍ نظراً لانعدام التسويق، ولأن هذه البرامج لا تمكّن المرأة اجتماعياً ولا تؤهلها للخروج من إطار العائلة والانخراط في النشاطات المدنية. ونحن نعمل على الدعم النفسي والتوعية حول الجندر والعنف ضد النساء”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى