صفحات الرأي

“سوريا الإقتراع أم الرصاص؟” للأميركي كارستين ويلاند

 


بورتريه عن بلاد الشام في عهد بشار الأسد

يقدم الباحث كارستين ويلاند في كتابه “سوريا الإقتراع أم الرصاص؟” (دار رياض الريس) تشريحا وافيا ينفذ فيه إلى تعقيدات الواقع السوري، المستترة جميعها تحت طبقة من الاستقرار بالمعنى الإعلامي. سوريا، في هذا الكتاب، هي دراسة يتشابك فيها خط أدبي، بآخر توثيقي.

يتطرق الكاتب إلى المسألة السورية، منذ تولى الرئيس بشار الأسد قيادة البلاد خلفاً لوالده. يركز الكتاب على إظهار التباينات ما بين الرئيس الإصلاحي، الآتي بمنظور للحكم (مدنيا وسياسيا) يتنافى تماما مع آراء الحرس القديم في حزب البعث، أولئك ممن كانوا مقرّبين من الرئيس الراحل حافظ الاسد. لا يستند تشريح ويلاند إلى المعطيات الصحافية والتقارير حول بعض الحوادث الامنية في سوريا بين عامي 2004 و2005 على وجه الخصوص. نكتشف في هذا الكتاب، أبعادا شديدة التعقيد للمجتمع السوري، إثنيا، وقوميا، وعروبيا، وطائفيا كذلك. كما ننجذب إلى الطبقات التي يقدمها الكاتب حول بنية المجتمع السوري والمؤثرات السياسية والإعلامية والمخابراتية والحزبية البعثية التي تقود المجتمع نحو ما يعتبره أعضاء البعث القدامى الظل الحاجب لدرء الأخطار التي تنوي إسرائيل والغرب من ورائها واميركا تحقيقها.

يركز الكاتب على تحليل العراقيل التي وقفت في وجه مسيرة الإصلاح التي كان بشار الأسد بدأها منذ اوائل الالفية الثالثة، والتغيرات في مواقفه من هذه الإصلاحات، كذلك العراقيل التي أدت إلى استقالة مسؤولين كان عيّنهم الرئيس بخلفية تكنوقراطية. فالتبديلات التي أجراها منذ عام 2000، في غضون عامين من رئاسته، مكّنته من استبدال ثلاثة أرباع المناصب القيادية التي تقارب الستين على المستوى العسكري والسياسي والإداري. إلا أن العديد من مبادرات الرئيس كان قد كبّلها الشوفينيون العروبيون المتشددون، كمسألة منح الاكراد الجنسية السورية على سبيل إعلاء حس المواطنية وتعزيز الانتماء. كذلك الامر بالنسبة إلى الإصلاحات الاقتصادية حيث يصرح الأسد في مقابلة صحافية “لدينا من يدفع بالعملية في الاتجاه الصحيح، وثمة من يدفعها في الاتجاه الخاطئ، وآخر يسحبها الى الخلف”. كما يشير الكاتب إلى أخطاء الحكم السوري داخليا، كإبعاد قوى المجتمع المدني التي يقودها معتدلون، والضعف في محاربة الفساد ومحاباة الأقارب.

أما خارجيا فيتعلق الامر بشؤون عدة كالانعزال عن الشركاء الأوروبيين، خصوصا في مسألة حقوق الإنسان، والخطأ في معالجة قضية لبنان. فاغتيال الرئيس رفيق الحريري كان بمثابة كارثة للسوريين. يقول المؤلف: “وإذا كان بشار متورطا في قتل الحريري أو لا، فإنه قد استخف إلى حد بعيد بردّ الفعل الدولي وتصميم الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، على المتابعة في موقفها المتعنت تجاه سوريا”. والبلاد لم تكن يوما خالية من الاضطرابات الأمنية. مثال على ذلك، ما حصل بين أكراد وعرب في مباراة كرة قدم، بحيث رفع العرب صوراً لصدام حسين، بينما رفع الأكراد نجوما واعلاما أميركية. امتدت اعمال الشغب لتطاول الكثير من المناطق وليعتقل الآلاف من الاكراد، وليوضع مئات منهم في السجون لشهور. يستند الكتاب إلى آراء بعض المثقفين السوريين والحقوقيين، وتحليلاتهم. من بين هؤلاء ميشال كيلو وأنور البني.

يتناول الكتاب كذلك مسألة علمانية سوريا، وهي علمانية تُنفَّذ بأشكال شتى، منها المحافظة على توازنات مع الاقليات وحمايتهم، واللعب على الموضوع الأمني بإمساك شتى الخيوط في وقت واحد، من الأمن الإقتصادي، إلى الامن العروبي، إلى الأمن الاجتماعي، إلى الأمن المؤسساتي المتمثل في سيطرة أجهزة الإستخبارات السورية، على الرغم من أن بعض أفراد هذه الأجهزة، لا يتوانون عن استخدام نفوذهم الخاص من أجل إحكام قبضتهم ضد قرارات رئاسية، أو توجهات إصلاحية لبشار الأسد، على قول المؤلف. لكن هذه العلمانية في المقابل، تتغذى أيضا بإبقاء سوريا توازنات وعلاقات إقليمية مشدودة جدا، سواء مع تركيا النموذج الإسلامي المعتدل، وهو ما تحتاج إليه إقتصاديا، او على المستوى اللبناني، أمنيا. لكن لبنان، الخاصرة الصغيرة لنظام بشار الأسد، يقوم بحماية أمن سوريا وموقعها الاستراتيجي في العالم، الذي لا يمكن إمراره من دون ضمان تأييد شعبي للرئيس، لشخص الرئيس تحديدا، على غرار ذلك التأييد الذي حظي به والده الراحل الرئيس حافظ الأسد. تالياً، فإن سوريا العلمانية، تقوم على عناصر عدة، من بينها إذكاء الإنقسامات، والتأخر في الاعتراف بسيادة لبنان وواقع ان سوريا، لم تلعب بعد خروجها من لبنان، دورا تصالحيا او داعما للاستقرار في هذا الجار الصغير.

اما علاقة النظام السوري بقضية فلسطين، فلا شك انها تخضع في مدى قوتها او ضعفها إلى المتغيرات الإقليمية والسياسية، التي يساهم الغرب طبعا، والولايات المتحدة خصوصا، بترسيخها. إلا أن هذا يقدَّم على طبق من فضة للسوريين، ذلك أن اعلان سوريا أنها المستوعب الذي يصون القضية الفلسطينية والفلسطينيين، وهي مأوى الجماعات الفلسطينية المسلحة من جهة، ومغذيتها، وإسكات كل مجهود فلسطيني فكري لإخراج القضية الفلسطينية من وصاية سوريا، لا يمكن ان يتعزز بدون النظر إلى المعطيات المحيطة والمتوالدة في السنوات الأخيرة، كتقهقر عراق صدام حسين، وتفتته، وانزياح الفكر العروبي، ودعاية القومية العربية في اتجاه سوريا، حصرا. يحاول ويلاند، مع هذا، رسم صورة متكاملة، وهادئة عن سوريا، وإن بكثير الموضوعية والبحث الجاد.

مازن م.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى