صبر درويشصفحات الناس

سوريا: التعليم بين البعث وداعش/ صبر درويش

من المعروف جيداً الأهمية التي اولاها نظام البعث لمؤسسة التعليم في سوريا، حيث كانت المدرسة واحدة من اهم ادوات سيطرته على المجتمع، عبر ضخ أفكاره، والسعي من اجل قولبة عقول الفتية والتحكم بها.

 يحفظ السوريون جيداً شعارات طلائع البعث التي كانت ترافق الطالب السوري منذ سنته الدراسية الأولى وحتى تخرجه من الجامعة، كما يتذكرون “النظام المنضم” والذي كان يدرس في المرحلة الإعدادية من خلال مادة التربية العسكرية، التي ألغيت قبل سنوات.

 وبينما يتم عسكرة المجتمع عبر هذه “المادة التربوية” تقوم مادة “التربية القومية” على تحطيم ما تبقى لدى الشبان من قدرة على التفكير، وبعد مرور سنوات الدراسة يتخرج شبان وشابات متشابهين حتى ليكاد يصعب التمييز في ما بينهم، فسلطة القمع تلح على التشابه لا التميز والاختلاف.

 أما منذ اندلاع الثورة السورية، فلم يكن التعليم في بعض المناطق بمنأى عن دخول بعض التعديلات عليه، فبينما نجت مناطق في التخلص من مواد البعث وقعت أخرى في فخ مناهج “داعش”.

يقول أحد المدرسين في يبرود لـ”المدن”، ويدعى طلال، إن “أول ما قمنا به كان حذف مادتي التربية القومية والطلائع، ولم نستعض عنهما في شيء، بينما ابقينا على منهاج التعليم مع حذفنا لكل ما يمت للأسد الأب والأبن بصلة”،  مع بعض الإضافات الطفيفة على المنهاج التعليمي، كذكر أسماء شهداء الثورة، وتوضيح الأسباب التي دفعت بالشعب السوري كي يقوم بثورته، ولا يخلو الأمر من مهاجمة النظام المسيطرة على البلد منذ عقود.

 وحول هذه النقطة، تقول والدة أحد الطلاب “الوضع عادي جداً، التعليم ما تأثر ابداً بأي من الأحداث، غير أنه بصير غياب وقت القصف”. وتتابع “أما من ناحية مواد التدريس أو طرائق التدريس أو الحضور فما تغير علينا شي ابداً، المديرة اللي كانت مدرستها نموذجية على مستوى سوريا ما تزال نموذجية، والمديرة اللي كان عندها بعض التجاوزات ما زال عندها نفس الأسلوب”.

 ولكن ليس هذا ما يحدث في مناطق أخرى من المدن السورية التي تمت السيطرة عليها من قبل المعارضة. في الشمال السوري حاولت الكتائب المتشددة التي تسيطر هناك فرض نسخة معكوسة عن نظام البعث.

يشرح هالصحافي عبسي سميسم، لـ”المدن” هذا الأمر قائلاً “قامت عناصر تابعة لتنظيم داعش باقتحام المعاهد التعليمية في مدينة الدانا شمال شرق إدلب، وهددوا باغلاق المعهد إن لم يتم الانصياع إلى الاوامر التي تقضي بالفصل بين الجنسين على مستوى المدرسين أو الطلاب”.

 ويضيف “في مدينة بنش التابعة لمحافظة إدلب، حاولت جبهة النصرة التدخل في شؤون الطلاب وحتى المدرسين، ولكن قوبل الأمر برفض كبير من الأهالي”.

 لم يحدث تغيير مهم على مناهج التعليم في أغلب المدن السورية المسيطر عليها من قبل الكتائب باستثناء المدن التي سيطر عليها تنظيم “داعش”.

 سامي أحد المتطوعين في إنشاء إحدى المدارس في إدلب يقول لـ”المدن” إن تنظيم “داعش” “قام بالتدخل حتى بتعيين شيخ الجامع في منطقة الدانا، ورفضوا المنهاج التعليمي السابق جملة وتفصيلاً، واكتفوا بفرض مواد دينية ليتم استبدالها بتلك المناهج، وذلك على الرغم من افتقارهم للحد الأدنى من المهنية”.

 وفي مدينة الرقة أيضاً يتكرر الحادث ذاته بأشكال متعددة، بينما في أغلب المدن التي يسيطر عليها هذا التنظيم فإن منهاج التعليم لا يعدو يصبح عبارة عن تعاليم دينية لا ترتبط باي محتوى علمي متعارف عليه. يضيف سميسم “هم يحاولوا أن يشجعوا التعليم الشرعي من خلال افتتاح مراكز للتعليم الشرعي، ومن ناحية ثانية يقومون بالضغط على المدارس المدنية الخارجة عن سيطرتهم، ويسعون إلى مضايقة كادر التعليم بأشكال شتى”.

 ويختم حديثه بالقول: “واقع الحال أن أفكارهم أبداً لاتتناسب مع الاعراف ولامع التقاليد…، لذا يسعون إلى فرض أفكارهم بالقوة”.

في المقابل لم تسجل مثل هذه الملاحظات في محيط العاصمة دمشق.  يقول أبو صلاح وهو مدرب يوغا سابقاً لـ”المدن”، إنه اختار التطوع في مجال التعليم لقناعته أنه يستطيع إحداث “فرق من خلال التدريب الرياضي الذي أمتهنه”. ويضيف”لم يتدخل أحد في شؤوني أو شؤون كادر التدريس، وعملياً لم يتغير الكثير في المنهاج التعليمي لأن ذلك يحتاج إلى مختصين وكلفة طباعة للكتب وهو شيء من الصعب القيام به حالياً”.

يبذل الناشطون في المدن الخارجة عن سيطرة النظام جهوداً خارجة عن المألوف من أجل المتابعة في عملية التعليم، وذلك لأسباب نفسية بقدر ما هي تعليمية في الوقت الذي يعلن فيه صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، يونيسيف، أن التعليم في سوريا شهد انخفاضاً حاداً يعد الأكبر في تاريخ المنطقة، وأشار إلى أن نحو ثلاثة ملايين طفل سوري اضطروا إلى ترك مدارسهم نتيجة تدمير كثير منها أو الفرار من الحرب أو لإعالة أسرهم.

 تقول إحدى المدرسات في إحدى المدارس في الغوطة الشرقية لـ”المدن” إنه “من الضروري أن يذهب الأولاد إلى المدارس، هناك على الأقل يمكن أن يخرجوا ولو قليلاً من مناخ الحرب السائد بين الناس، حيث نتمكن من التواصل معهم ونحاول أن ندفعهم لكي يطوروا بعض من مهاراتهم ويشغلوا تفكيرهم باشياء غير الموت المنتشر حولنا”.

 كل الجهود التي تم رصدها على صعيد عملية التعليم في مدن محيط دمشق تدين بنجاحها المتواضع إلى من تبقى من متطوعين، يؤكد أغلبهم أنهم لم يتلقوا أي دعم من أي جهة كانت، وهو ما يشير إلى حجم التقصير لدى قوى المعارضة وعلى رأسها الإئتلاف الوطني.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى