صفحات سوريةعمر قدور

سوريا: الحسم ممنوع/ عمر قدور

 

 

 

في غمرة انشغال العالم بخبر استيلاء داعش على تدمر، مرّ بلا اهتمام خبر إغارة طائرات التحالف الدولي على موقع لجبهة النصرة في إدلب، مع أن الإغارة على موقع النصرة وترك داعش يتمدد لا يمكن فهمهما في هذا التوقيت بالذات إلا كنوع من التلهي عما يُفترض أنه الهدف الأساسي من إنشاء التحالف. وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تقصف فيها طائرات التحالف مواقع للنصرة إلا أن المرة السابقة كانت في مستهل عمليات التحالف، ثم اقتصرت العمليات في ما بعد على داعش، من دون تحقيق إنجاز ملموس.

بالطبع لا يحتاج التحالف لتبرير عملياته ضد النصرة، متى شاءت القيادة الأميركية، فالجبهة مُدرجة دولياً على لائحة المنظمات الإرهابية، وسيكون استهدافها في أي وقت ضمن ما منحه التحالف الدولي من تفويض لأعضائه، وضمن الموافقة الضمنية لدول غير منضوية فيه مثل روسيا وإيران. إلا أن استهداف النصرة انتقائياً، أي عدم وضعها بشكل منهجي على قائمة الاستهداف، يعني أيضاً تركها في موقع الاستثمار السياسي للإدارة الأميركية. فالأخيرة ستصمت عن مكاسب النصرة الميدانية عندما تخدم استراتيجيتها العامة، أو عندما لا تريد إغضاب حليف إقليمي داعم للجبهة. وهي لن تتوانى عن ضربها عندما يتعارض تقدمها مع حسابات الإدارة، أو عندما تريد الإدارة إبداء نوع من الضغط على داعمي الجبهة وعلى توجهاتهم في سوريا.

لا معنى لغارة التحالف على موقع للنصرة، في أوج انتصارات النصرة وحلفائها، سوى بعث رسالة مفادها أن إيقاف الزحف الذي لا يتمكن منه النظام سوف تتولاه الإدارة الأميركية بنفسها إذا خرج عن الحد المقبول أميركياً. الرسالة هنا ليست موجهة للنصرة فقط، وليس وجودها على قائمة الإرهاب هو الدافع وراءها. المقصد الحقيقي هو الدول الداعمة للنصرة وسواها من تشكيلات ما يسمى “جيش الفتح”، وهي تنص بوضوح على عدم قبول الإدارة بتقدم يتجاوز الخطوط الحمراء الأميركية التي لا تزال حتى الآن تمنع الاقتراب من الساحل ومن دمشق. لقد كان لافتاً للنظر، في التوقيت نفسه، أن يبرر النظام هزيمته في إدلب وجسر الشغور بأنها لتحصين مواقعه في مدينة أريحا القريبة الإستراتيجية لقربها من الساحل، وكأنه بات يتحرك ميدانياً وفق ما يستبطنه من الخطوط الحمراء الأميركية.

خروج دمشق عن سيطرة النظام يعني انتهاء اللعبة تماماً، والقدرة على استهداف الساحل تؤدي الغرض ذاته أمام شريحة عريضة من المؤيدين. وبما أن أوان الحسم لم يأتِ وفق التوقيت الأميركي من المرجح ألا يُسمح بتهديد جدي لأحد المعقلين المتبقيين. معركة القلمون هي للوصل بينهما، وليست لحماية لبنان كما يدعي حزب الله. فانقطاع التواصل الجغرافي بينهما سيؤدي إلى سهولة إسقاط النظام في دمشق على الأقل، وأغلب الظن أن ارتفاع صوت حزب الله وتهديداته الأخيرة مرتبطان بما تشكله القلمون من أهمية إستراتيجية، وهذه الأصوات لا تبتغي شحذ همة المؤيدين فحسب وإنما تُنذر الإدارة الأميركية بما لا تريده من سقوط دراماتيكي للنظام.

ما يلفت الأنظار أنه في ظل التطورات الميدانية التي تسارعت أخيراً يعمل المبعوث الدولي دي ميتسورا ببطء شديد، بينما سارعت إدارة أوباما إلى التواصل بعد انقطاع مع الروس. وقد أوحت التسريبات الروسية عن اللقاءات باتفاق الطرفين على دفن جنيف1، ووصل بعضها إلى التصريح باقتراب إدارة أوباما من التصورات الروسية. مجمل هذه التطورات يقلل من حجم التفاؤل بقرب الحسم. وكما كان الوضع من قبل إذا كان حلفاء النظام قادرين على تأخير سقوطه فإن إدارة أوباما هي من يلجم القوات المناوئة له في حال تقدمت أكثر مما يجب. هذا لا يعني بالضرورة تطابقاً تاماً بالرؤى بين الروس والأميركيين، لكنه يعكس تقاطعاً مستمراً منذ ثلاث سنوات مفاده: الروس لا يريدون سقوط النظام، والإدارة الأميركية لا تريد انتصار خصومه.

على ذلك، لن تكون الغارة الأميركية على مواقع النصرة هي الأخيرة، وقد تمتد لتشمل فصائل إسلامية أخرى، في حال استمر “جيش الفتح” في تحقيق المكاسب، ولم تلتزم فصائله بقواعد اللعبة. الطريف في الأمر أن النظام نفسه لا يتوقف عن إحراج التحالف الدولي، فهو يسارع إلى الانسحاب أمام داعش ليزيد في أعباء التحالف، أو بالأحرى يفعل ذلك ساعياً إلى قسمة معلنة وواضحة تلتزم فيها الإدارة الأميركية بقتال “المتشددين”، بينما يتفرغ كلياً لقتال ما يسمى “المعارضة المعتدلة”. لكن السعي المكشوف للنظام لم يُواجه بحزم أميركي، وبقيت تصريحات مسؤولي الإدارة عن أن نظام الأسد هو المتسبب الأول بنمو الإرهاب بلا سند على الأرض. فهؤلاء تهربوا طوال الوقت من التزام ينص على التخلص من الأسد والمتطرفين على نحو متزامن، الأمر الذي برز جلياً في مشروعهم لتدريب قوات سورية تنحصر مهمتها بمحاربة داعش.

لقد قيل الكثير سابقاً عن “عقدة الأسد” التي تحول بين حلفائه والانخراط في حل سياسي في سوريا، لكن الأهم الآن هو أن تتخلص إدارة أوباما نفسها من عقدة الأسد تحت زعمها المتواصل عن عدم توفر بديل. الأسد أثبت المرة تلو الأخرى أنه لا يستطيع أن يكون بديلاً لذاته أو مساهماً في صناعة المستقبل، وما لم تقتنع الإدارة بذلك فسيتعين عليها الانخراط فعلياً وعلناً إلى جانب “حلف الممانعة”. وكما نعلم فإنّ أحضان الممانعين متلهفة لاستقبالها.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى