صفحات الناس

سوريا: الحكومة “تعقلن الدعم”.. وتعوض على موظفيها حصراً/ رولا عطار

 

 

أحكمت الحكومة السورية قبضتها على لقمة عيش المواطن السوري، بشكل تام. فالسياسات الأخيرة لحكومة وائل الحلقي كان عمادها رفع الدعم عن المواد الأساسية كالخبز والغاز والمازوت، بما يتناقض مع ما كانت تعلنه هذه الحكومة نفسها في مناسبات عدة، أي عدم تخليها عن هذا الدعم.

تنصل الحكومة من دعم هذه المواد رتب ارتفاعاً في الأسعار وشجّع السوق السوداء. وآخر إبداعات النظام، إصدار قرارات بأقل من 48 ساعة، شكّلت الضربة القاضية لمعيشة السوريين، سواء أكانوا موالين للنظام أو معارضين له. فقد أصدر الرئيس بشار الأسد يوم أمس الأحد قراراً تشريعياً حمل الرقم 7 في العام 2015، يقضي بمنح العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، والمتعاقدين بعقود سنوية، تعويضاً قدره 4000 ليرة سورية شهرياً أي ما يعادل 18 دولاراً، بإسم “تعويض معيشي”. ولا يخضع هذا التعويض بحسب المرسوم لأي حسومات مهما كان نوعها ويصرف مع الراتب أو الأجر أو المعاش.

والتعويض هذا لن يناله سوى موظفي الدولة، وبالتالي سيكون على بقية السوريين من غير الموظفيين الحكوميين، تحمل أعباء زيادة الأسعار من دون أن يحصلوا في المقابل على أي تعويض. علماً بأنّ مثل هذه الزيادات تعني حصول زيادات متلاحقة على أجور النقل المختلفة، وعلى أسعار المواد الغذائية بما فيها الخضار والفواكه، ومختلف الصناعات، وخصوصاً التي تعتمد على المازوت.

وكان قد سبق القرار الأخير، قرارات إتّخذت يوم السبت الماضي تمحورت حول توحيد سعر ليتر المازوت للقطاعين العام والخاص بـ 125 ليرة (0.58 سنت) وتحديد سعر اسطوانة الغاز المنزلي بـ 1500 ليرة (7 دولارات) وربطة الخبز بـ 35 ليرة (حوالي 0.16 سنت). وقامت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بتحديد الحد الأقصى لأسعار مبيع غاز البوتان في جميع أنحاء سوريا، وعليه، حُدد سعر اسطوانة الغاز 10 كيلوغرامات “منزلي” بـ 1457 ليرة للجهات الموزعة، على أن تباع للمستهلك بـ 1500 ليرة، كما حُدد سعر اسطوانة 16 كيلوغراماً “خدمي” (للمصانع والمعامل)، بسعر 2230 ليرة للجهات الموزعة، على أن تباع بـ 2400 ليرة للمستهلك. كما أصدرت الوزارة قرارا تم بموجبه تخفيض سعر مادة الفيول إلى 85 ألف ليرة للطن الواحد بدلا من 95 ألفاً للقطاعين العام والخاص، مع بقاء سعر ليتر البنزين الممتاز بـ 130 ليرة.

بالنسبة للخبز، حدد القرار وزن ربطة الخبز “المرقد العربي” والمنتجة لدى الشركة العامة للمخابز بـ 1450 غراماً، وبسعر 35 ليرة للربطة الواحدة المعبأة بكيس نايلون، وبـ21 ليرة لغير المعبأة، أي للمستهلك مباشرة.

وتضّمن القرار تحديد أسعار مبيع الدقيق التمويني بحيث يبلغ سعر الطن القائم بما فيه ثمن العبوة 18485 ليرة للمخابز العائدة للشركة العامة للمخابز الآلية والاحتياطية، و18720 ليرة لمخابز القطاع الخاص.

من جهته لم يجد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك حسان صفية، حجة يبرر بها قرار توحيد سعر المازوت، سوى أنه “أتى استجابة لمطالب المواطنين وكل قطاعات الشعب والمنظمات الشعبية، بقصد منع الاحتكار والتهريب والفساد والمحافظة على الثروة الوطنية”. علما بأن ما كان يطالب به معظم السوريين خلال الفترة الماضية، هو أن تقدم لهم الحكومة حلاً بتوفير مادة المازوت بالسعر الرسمي لا العمل على رفع السعر، لأن المشكلة الأساسية تكمن بارتفاع السعر لمادة غير مؤمنة أصلاً.

وبيّن صفية أن بقية القرارات كانت من ضمن خطة “عقلنة الدعم” بإعتبار أن سوريا تعيش ظروفاً استثنائية، الأمر الذي يتطلب حراكاً استثنائياً وقرارات استثنائية. لافتاً إلى أن “الحكومة ما زالت تحمل هم المواطن، وهي حريصة على توفير مختلف السلع والمواد الغذائية والضرورية، وعلى التصدي لكل من تسول له نفسه المساس بقوت المواطن ومعاقبة كل من يخالف أحكام هذه القرارات”.

ومع أن السوريين اعتادوا على تلقي قرارات حكومية تستنزفهم مادياً ومعنوياً، لكن ذلك لا يعني أن هذه القرارات لم تسبب موجة واسعة من الانتقادات للحكومة، التي باتت تصدر قرارات غير متناسبة على الاطلاق مع الظروف الاقتصادية العامة. وتعليقاً على ذلك يقول المواطن فادي العريضي ساخراً: “لا يسعني سوى أن أشكر السيد وائل الحلقي، رئيس الحكومة الكريمة التي لا توفر جهداً لتأزيم حياة السوريين”. ويشير إلى أن “ليتر المازوت كان يباع بـ 200 ليرة حين حددت الحكومة سعره بـ 80 ليرة، فكيف ستكون الحال عند تحديد الحكومة سعره بـ 125 ليرة؟”.

خلال سنوات الأزمة، بات لكل مادة وسلعة سوقاً سوداء خاصة بها، وهذا ينطبق على الخبز المباع من قبل المخابز الحكومية. لكن التصريحات الرسمية تشير إلى أن زيادة 10 ليرات على ربطة الخبز (من 25 ليرة إلى 35 ليرة) لن تؤثر على السوريين، خصوصاً أنّ سبب الزيادة هو تخفيف العجز في مادة الطحين، حيث ستحول قيمة الزيادة في السعر إلى الشركة العامة للمطاحن، كما يوضح مدير الشركة العامة للمخابز عثمان حامد.

على أنّ الخبير الاقتصادي، أياد محمد، يرى أنّ إلغاء الدعم لا بد أن يتم بشكل كامل وليس انتقائياً، على أن يعقب ذلك توجيه الوفر منه إلى مستحقيه الحقيقيين، خصوصاً أن رفع السعر سيخفف من موضوع التلاعب بالأسعار والمتاجرة بالمواد المدعومة، وسيساعد على تأمين المادة المطلوبة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى