مراجعات كتب

«سوريا الدولة المتوحشة» كتاب يفكك بنية النظام الطائفية/ مصطفى عباس

 

 

 

■ تأتي القيمة المضافة لكتاب «سوريا الدولة المتوحشة» في هذا الوقت بالذات ـ غير أن صاحبه دفع حياته ثمناً لهذا المؤلَّف- عبر التأكيد على أن نظام الأسد ليست لديه حلول إلا المزيد من القمع والإجرام، مهما كلف الأمر، فرفعت الأسد خلال المؤتمر القطري السابع لحزب البعث عام 1979 أبدى استعداده لقتل مليون إنسان مقابل استمرار الثورة، التي ما هي إلا انقلاب حزب البعث وسيطرته على مقاليد الحكم عام 63 من القرن المنصرم. وعندما اندلعت الثورة السورية المطالبة بالحرية والكرامة، كانت ردود النظام وأنصاره واضحة ومباشرة، حيث الحلول العدمية لا غيرها، متمثلة بـ«الأسد أو لا أحد» و«الأسد أو تحرق البلد»، وهي ما سماها الكاتب في بحوثه الاجتماعية «منطق الكل أو اللاشيء، «لأن أي تساهل يعني فلتان السلطة من أيديهم، وبالتالي عودتهم إلى ما كانوا عليه قبل تسنّمهم السلطة، فيزخر المخيال العلوي الجمعي بكم هائل من المعاملة السيئة التي كانوا يُعامَلونها في بعض المدن، وهو ما يمكن من خلاله فهم كيف أن العنف هو السبيل الوحيد للبقاء في السلطة، ومن خلاله يمكن تفسير الهمجية التي تم بها التعامل في حماة عام 82، والوحشية الكبيرة ومجازرها المتنقلة التي تم التعامل بها مع الثورة التي اندلعت عام 2011.

دراسات وبحوث اجتماعية

الكتاب دراسات ومقالات اجتماعية ميدانية قام بها الباحث على مدى عشر سنين من العيش في سوريا ولبنان، بين عامي 75 و85 من القرن الماضي وترجمه أمل سارة ومارك بيالو، وقدم له برهان غليون وجيل كيبيل، يؤكد المطبوع كيف أن نظام الأسد دأب على قتل كل نشاط مدني في سوريا، ففي عام 1980 ألغى النظام النقابات المهنية، وزج بأعضاء الأحزاب المعارضة في السجون، وعمل على عسكرة صراعه مع الإخوان، حتى يستطيع القضاء عليه، عبر ضوء أخضر من المجتمع الدولي الذي كان يخشى أن يسيطر خميني آخر على السلطة في سوريا، ولو عاصر الكاتب أحداث الثورة السورية، لاكتشف أن تحليله السابق ينطبق حرفياً الآن على الوضع في سوريا، من خلال دفع الثورة للعسكرة، كي يسهل القضاء عليها، وإطلاق سراح العناصر المتطرفة، كي تكون هي واجهة الثورة دوليا، وعليه إفقادها كثيراً من التعاطف الدولي الذي كانت تحظى به.

نظرية ابن خلدون

تفكيك البنية الطائفية للنظام عبر تطبيق نظرية ابن خلدون حول الحكم، التي تتكون من العصبية والدعوة والمُلك، فالعصبية الطائفية هي ما جمع صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ أسد وغيرهم، فسرحوا عدداً كبيراً من الضباط السنة وأنزلوا مكانهم علويين، وهذه العصبية هي ما جعلت النظام القومي العربي «العلماني» يتحالف مع الثورة الإسلامية في إيران، ورجل الدين الشيعي موسى الصدر في لبنان، وايواء المعارضة العراقية، حيث كانت النية القديمة هي تشكيل هلال شيعي يخنق دول الخليج، رغم أن الأخيرة هي التي كانت تمول النظام، وهذا هو استشراف للهلال الشيعي قبل عشرين عاماً من وقوعه، في ما حذر منه الملك الأردني قبل عدة سنوات. الدعوة ما هي إلا دعوة حزب البعث العربي الاشتراكي كواجهة تختبئ خلفها الطائفة، حتى عندما اندلعت أحداث حماة تمت تصفية الكثير من البعثيين، ولم يكن من عاصم سوى الانتماء إلى الطائفة، فمن خلالها يعرف «القمح من الزؤان» كما قال الكاتب. بخصوص المُلك أو السلطة فهي الهدف الأول والأخير الذي مارس ويمارس النظام من أجله القتل.

حزب الله إجرام منذ البداية

الكتاب الذي هو عبارة عن مقالات، رغم أنها وُقعت بأسماء وهمية إلا أنه تمت معرفة الكاتب، هو ما جعل حزب الله اللبناني يقتل ميشيل سورا، كنتيجة لكشف مفاعيل التعامل الطائفي منذ وقت مبكر، فيتطرق سورا بكتابه الذي تم جمعه بعد موته إلى التركيبة الطائفية والعرقية في سوريا، وبالتالي يسهب في الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين التي رأى أنها تنطبق عليها القواعد ذاتها لنظرية الحكم لدى ابن خلدون وأنها والنظام يمثلان مظاهر ما قبل الدولة.

تخريب بنية المجتمع وترييف المدن

لقد عمل النظام على تخريب بنية المجتمع السوري، من خلال تكريس الاختلافات بين عناصر المجتمع وزيادة الفروق، بين الريف والمدينة وكذلك بين المدن ببعضها، فضلاً عن إثارة المخاوف بين طوائف المجتمع عبر تقديم نفسه كحامٍ للأقليات، وبالتالي نكوص المجتمع وعودة الناس إلى هويات ما قبل الدولة، «منذ عشرين سنة كنا ناصريين، شيوعيين، بعثيين، أو قوميين عربا، واليوم نحن سنة، مسيحيون، علويون، دروز وغيرهم» ناهيك عن ترييف المجتمع السوري، فسيطرة البعث على الحكم تمثل برأي الباحث المستعرب «ثأر الأرياف التي سيطرت على المدن بالمعنى الحرفي»، ولا يفوت الكاتب الحديث عن الشبيبة الذين كانوا يدخلون المدارس والكليات بأسلحتهم لترهيب الناس، وهؤلاء ذاتهم الذين كان يسمح لهم بدخول الجامعات بدون تحقيق معدل العلامات المطلوب، ما أفرز جيلاً من الجهلة حاملي الشهادات.

رغم أن المقالات التي يتألف منها الكتاب كُتبت قبل أكثر من عشرين عاماً، إلا أنها مازالت إلى يومنا هذا قادرة على أن تكون وحدات قياس للمجتمع السوري الذي لم يـــــزده الاستبداد إلا تفسخاً، ولا يختلف الوضع الآن عما بعد تدمير حمــــاة سوى أن في كل مدينة سورية أصبحت هناك حماة جديدة، ومئات آلاف المعتقلين والمفقـــودين، وملايين المهجرين والمشردين، بينما النظام الذي كان قوياً في عهد حافظ اصبح لعبة بيد الروس والإيرانيين اليوم، والبلد ليس فيها احتلال واحد بل احتلالات.

٭ كاتب سوري

تالقدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى