صفحات العالم

سوريا: السلاح… السلاح

 

عبدالله بن بجاد العتيبي

صوت السلاح وقدرة السلاح وأهمية السلاح باتت المحرّك الأول لكل ما يجري في سوريا في ظل أزمة لم تزل تنتفخ وتكبر تحت مرأى العالم ومسمعه حتى غصّت بنفسها وغصّ بها العالم.

لم يزل النظام السوري يتسلح علناً من قبل دولتين معروفتين هما روسيا وإيران، وقد دخلت على الخط دولة العراق وحكومة نوري المالكي التي نقل عنها بعض الناشطين السوريين أنها تنقل السلاح لنظام بشار، وهو ما أكده بعض رموز المعارضة السورية، ورئيس أركان “الجيش السوري الحرّ” أضاف بأن مروحيةً عراقيةً قصفت معبر اليعربية بعد سيطرة “الجيش الحر” عليه، وقد كان حرياً بالسيد المالكي إنفاق فوائض ميزانيات العراق الجديد على توحيد الجبهة الداخلية في بلاده والتوجه للتنمية بدلاً من الدخول في صراعاتٍ إقليمية لا ناقة للعراق فيها ولا جمل.

ومن هنا فيجب ألا يكون مستغرباً أن تعمل بعض الدول الصديقة لسوريا على تسليح “الجيش السوري الحرّ” بشتى أنواع الأسلحة التي تمكّنه من مواجهة قوة السلاح وماكينات القتل المتعسف وغير المسبوق الذي يفرضه النظام لغةً واحدةً لا يفهم غيرها، وقد اتخذت الدول الغربية قراراً يسمح بتوفير بعض المعدات العسكرية لـ”الجيش السوري الحرّ” بحوالي ستين مليون دولار، وهي خطوة مهمة إذا تمّ ربطها بثلاثة أمورٍ: أولاً: أنها إشارة للنظام في أنّ الأوضاع الحالية لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، وأن عليه أن يقبل التفاوض الذي لم يزل يتكبّر عليه. ثانياً: أنّه استمرار لنشاطات بعض الدول الصديقة للشعب السوري التي كانت تسعى جهدها لتوحيد “الجيش الحرّ” وتسليحه بأسلحة نوعية تفيده في معركته ضدّ النظام الأبشع في القرن الحادي والعشرين، وأن هذه الجهود يمكن أن تتسع في المستقبل القريب. ثالثاً: أن تلك المعدات يمكن للجيش الحرّ الذي طوّر آليات ومعدات كان يصنعها بإمكانياته البسيطة والضئيلة أن يستفيد منها هذه، وأن يحوّلها لقوة عسكرية تخدمه وتعزز من قدراته على حسم المعركة، وإجبار النظام على أن يتخلّى عن شيء من دمويته حين يرى كفة ميزان المعركة تتحرك في اتجاهات لا يرغبها وربما لم يفكر فيها.

لم يزل النظام السوري وراعيته وحاميته الإقليمية يوقدان نيران الفتنة ويستخدمان لذلك كل الأوراق بما فيها أوراق التوت الأخيرة التي تستر ما تبقّى من سوءاتهما في التنكيل بالشعب السوري، وقد حذّر الكثيرون من قبل ومن بعد من أن هذه النيران ما لم يتمّ تدارك الأوضاع في سوريا ستنتقل لدول الجوار، وها هو “حزب الله” بعد تدخلاته التي أصبحت معروفة واشتراكه في قتل الشعب السوري بجوار النظام يجبر “الجيش السوري الحرّ” على التصدّي له والتهديد بنقل المعركة إلى مقرّاته المستقرة وفروعه في داخل العمق اللبناني، بل ها هي لبنان تتراقص على صفيح ساخن من تصاعد الشحن الطائفي ومحاولات تعبيره عن نفسه بأكثر من طريقة وهو البلد الذي عرف جيداً معنى الحرب الأهلية والطائفية، ويجب ألا يتسامح أهله مع من يسعى لجرّهم لحرب جديدة تأكل الأخضر واليابس من جديد.

كما كان على الشعب السوري -للأسف الشديد- أن يحصد حنظلاً آثار التخبط في السياسات الدولية تجاه ما يجري في المنطقة، فيبدو أن على “الجيش السوري الحرّ” أن يقوم بتغييرات دراماتيكية على الأرض تظهر بوضوح للعالم تغيراً في معادلة القوة وموازين الصراع في الداخل السوري مع النظام، بحيث يجد العالم نفسه مجبراً على إعادة النظر في مواقفه السلبية تجاه سوريا.

يتحدث النظام السوري عن مجموعات مسلحة تنتمي لتنظيم “القاعدة”، أو هي على نفس أيديولوجيته وطريقته، وهذا صحيح ولكنّ النظام نفسه مسؤول عن خلقها، وقد كان في فترة سابقة قبل أن يحمل السوريون السلاح دفاعاً عن أنفسهم يتمنّى وجودها ويسعى لخلقها حتى يبرّر حجم وحشيته للعالم، والعالم الذي ظل يتفرّج على كل تلك القوّة الغاشمة المسلطة على شعب أعزل مسؤول كذلك عن وجود هذه الجماعات، فهذه المناخات هي التي تتكاثر فيها هذه الجماعات وتجد فيها محضناً لانتشارها.

هذا صحيح، ولكن غير الصحيح هو وصم “الجيش السوري الحرّ” بكتائبه وسراياه وقادته وجنوده بأنّهم مجرد جماعات مسلحة إرهابية وهو ما يسعى نظام الأسد وحلفاؤه لترويجه وضخه على كل المستويات، ثم إنّ هذه الجماعات لم تزل محدودة التأثير حتى الآن ولم يزل الشعب السوري قادراً على احتوائها بشرط المبادرة والتعجيل بإنهاء الأزمة في سوريا عبر حلول سياسية تنهي النظام القائم برمّته وتؤمن بناء سوريا الجديدة.

إنّ القضاء على جماعات بعينها لم يزل ممكناً غير أنّ ما خرج من قمقم التاريخ من إحن الطائفية والمذهبية وغل الانتقام سيبقى طويلاً وستجد سوريا الجديدة نفسها غارقة فيه، وهو ما يجب أن تعدّ العدّة له منذ الآن، ولن تكون مهمة الخلاص منه سهلة ولا طمر ذيوله ونكباته يسيراً بأي حال من الأحوال.

إنّ المقارنة بين النظام السوري وراعيته وحاميته الإقليمية من جهة والدول الصديقة للشعب السوري وبخاصة العربية منها من جهة أخرى هي مقارنة مع الفارق، ذلك أنّ النظام السوري وإيران نظامان خارجان عن القانون وسياساتهما قائمة على استخدام شتى أنواع التدخلات والتفجيرات في كل مكان يستطيعان الوصول إليه، وذلك بعكس الدول الصديقة للشعب السوري التي لم تزل تتحرك ضمن القانون الدولي والشرعية الدولية، وتحترمان سيادة الدول وتراعيان حقوق الإنسان، وهذا التفريق مهم في هذا السياق حتى لا يحسب أحدٌ أن في الأمر ضعفاً أو تخاذلاً.

هذه التحركات الدولية والعربية على صغر حجمها حتى الآن إلا أنّها أجبرت “المعلم” ومعه “صالحي” على الاعتراف بأنّ الحوار يجب أن يكون هو الحلٌ، مع أنّ الحوار مع هذا النظام لم يعد حلاً، وأكثر من هذا لقد أصبح المعلّم مستعداً للحوار مع من يحمل السلاح وهو تطوّرٌ ذو أهمية خاصة، فهل هو مستعد للحوار مع الجماعات الإرهابية؟ أم أنّه اعترافٌ بأنّ من يحمل السلاح هم الشعب السوري ضد بطش النظام وآلته العسكرية الرهيبة؟ منطق التاريخ وطبيعة البشر والمجتمعات والشعوب يؤكدان أنه لا أمل في أن يستمر النظام السوري، ويبقى السؤال فقط عن التوقيت والطريقة التي سيزول بها النظام.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى