صفحات سورية

سوريا الصامتة بين الشبيحة و الموتورجية


عادل أسعد

في مقطع الفيديو الشهير الذي صور في منطقة جسر الشغور و يظهر جنوداً و رجال أمن سوريين مقتولين على قارعة الطريق و محاطين بأقدام قاتليهم تباغتنا لقطة سريعة و عفوية لدراجة نارية يتبختر سائقها بها بين الجثث المتناثرة هنا و هناك . إن وجود هذه الدراجة في منطقة الحدث لهو ليس بالصدفة البحتة أو بالحدث العابر الذي لا يستدعي التنويه أو التوقف عنده ففي آخر تصريح صادر عن وزارة الداخلية السورية تتوعد قوى الأمن الداخلي به سائقي الدراجات النارية ممن يخلوا بالأمن بالملاحقة و العقاب ، و في حادثة انحراف قطار الركاب عن سكته التي وقعت في حمص تظهرآثار متعددة لدراجات نارية في منطقة التخريب التي تعرضت لها السكة الحديدية .

إن الحضور الكبير” للموتورجية” في الحراك السوري له دلالاته الهامة إن كان من ناحية الذهنية التي تتحكم بردود أفعالهم على البطش المزمن للأجهزة الأمنية أو من ناحية الفئة الشعبية الغالبة على المظاهرات السورية ، و هي دلالات على تجليات فاقعة في موزاييك الحراك السوري لدرجة يكون فيها قصير النظر من يراها استثناء لا يجب أن يؤثر على رومانسية هذا الحراك ، و متعام عن قصد من يعتبرها مجرد أفعال فردية لا يجب التوقف عندها لئلا تتأثر صورة المظاهرات ، و مخطيء جداً من يرى منها جدوى و يبررها كرد فعل على قمع الجيش له حيث لن يتوانى هذا الأخير عن التصعيد في المقابل ، و هذا كان من ضمن ما شاهدناه في درعا عندما اجتاحها الجيش فقتل و اعتقل و جمع أعداد ضخمة من الدراجات النارية و حطمها بمدرعاته جيئة و ذهاباً .

يكثر استخدام الدراجات النارية في سورية في الأرياف و في أطراف المدن و في المحافظات ذات الطابع العشائري ، فهي وسيلة تنقل مناسبة للشباب في هذه المناطق بسبب انخفاض تكاليفها و ملائمتها لوعورة الطرقات المخدمة أصلا بشكل سيء ، و فيما يختص بالناحية الأمنية فالدراجات في سوريا لا تتمتع بسمعة حسنة بشكل عام لأن نسبة اقترانها بتجاوزات جنائية تعد كبيرة مقارنة مع عددها ، و ذلك يرد إلى أمور عديدة منها سهولة استخدامها في الكر و الفر و نوعية الذهنية التي تحكم المناطق العشائرية و أغلب الريف في سوريا و التي تفصل بين الجنسين بدرجة أكبر مما في المناطق الأخرى و تعمل على ترسيخ مفاهيم غير ناضجة و عنيفة عن الرجولة والشرف و استرداد الحق . كما و إن احجام المثقفين و أصحاب الشهادات و كبار السن عن استخدام الدراجات لتعارضها مع صورتهم في المجتمع قد جعلها شبه مقتصرة على الشباب الغير متعلم من ذوي الدخل المنخفض من أبناء الأرياف و الضواحي و المدن الصغيرة الزراعية .

على عكس الشبيحة الذين باتوا معروفين للقاصي و الداني و لهم تعريفات و شروحات في الويكيبيديا و وسائل الاعلام فإن الموتورجية مجهولون تماماً مع أنهم يتشابهون مع الشبيحة في أمور كثيرة ، كفئة العمر و طبيعة المنبت المناطقي و المستوى التعليمي و الثقافي و الميل الشديد إلى العنف . و لكن في مقارنة البنية الهيكلية لكلا التشكيلين نجد فروقات أساسية و صارخة بين الطرفين تضعهم على طرفي صراع حيث يكمن لب الاشكالية لفئة كبيرة من الشعب السوري التي تراقب خائفة و صامتة من موقعها القلق بين كلا الفريقين .

من خلال المقارنة نجد أن الشبيحة هم ميليشيات مدنية شكلها و يشرف عليها الأمن السوري ، و هم غامضون بعض الشيء بالنسبة للاعلام و للمجتمع السوري و السبب في ذلك أنهم بكل بساطة هم ليسوا فئة واحدة بل فئتين مختلفتين تماماً و يحملون نفس الأسم . الفئة الأولى هي من عمال البلديات و أبناء العشوائيات من أصحاب الدخل المحدود ممن يرتبطون بطريقة أو بأخرى بالنظام ، و هؤلاء يتسلحون على الغالب بأسلحة بيضاء و مهامهم تقتصر على ضرب أو جرح المتظاهرين تحت اشراف الأمن ، أما الفئة الثانية فهي منظمة أكثر و امكانياتها أكبر و تتألف من شباب مدربين و مسلحين تسليح فردي حديث و لهم خبرة قتالية و أمنية جيدة و يستقلون سيارات حديثة وهم مزيج من عناصر أمنية سورية أو مرتبطة بالنظام السوري عضوياً و لهم قياداتهم و تنسيقياتهم الخاصة بحيث يعملون جنباً إلى جنب مع القوى الأمنية و وحدات الجيش السوري ، و لهم صلاحيات واسعة تتراوح بين مساندة القوى الأمنية كقوة رديفة يحق لها اطلاق النار و ملاحقة أهداف مطلوبة أمنياً و تهديدها أو ترويعها أو خطفها و تسليمها للأجهزة الأمنية . إن الضرب و الملاحقة و الاعتقال هي المهام الأساسية للشبيحة و هي تخضع لأوامر أمنية واضحة و مدروسة ، أما اطلاق النار بقصد القتل فهو بالدرجة الأولى من صلاحيات الجيش و من ثم الأجهزة الأمنية و عند الضرورة يمكن لشبيح الفئة الثانية اطلاق النار، و لكن أهم ما في الفئتين بالمجمل هو خفتهم و سرعة حركتهم فنراهم بلحظة و قد شكلوا مظاهرة تهتف للنظام و بمثلها قد اختفوا و كأنهم أشباح لا ترى !!

بالخلاصة ، الشبيحة هم أحد أجزاء النظام السوري ، مرتبطون بالجذع عضوياً أو عاطفياً ، لهم مجاله المسموح به و يتحركون عندما يتم تجاوز خطوطه الحمراء المرسومة بدقة ، هم متعددوا الشخصيات و يمثلون أكثر من جانب لصورة واحدة و اسلوب واحد في التعاطي مع الشعب السوري القائم على الصد و الردع و التلون لابقاء معادلة الحكم على ما هي عليه في سوريا .

إن كانوا الشبيحة بشكلهم الحالي حديثي التشكل و قد ظهروا كضرورة أمنية للنظام في ظل الاعلام المفتوح و الضغط الدولي فإن للموتورجية تاريخ قديم في المشهد السياسي السوري ، فالزمن لم يؤثر على وجودهم و إن كان قد غير من شكلهم و اسلوبهم ، هم “مرابطون” على مطيهم في انتظار الفرصة المناسبة !! في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم بدأوا الموتورجية في استخدام دراجاتهم النارية لتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات علمية و سياسية مرتبطة بالنظام السوري آنذاك ، و بالرغم من عدم استثناء الأطباء و دكاترة الجامعة من لوائح اغتيالاتهم إلا أن الموتورجية كانوا وقتها منظمين و دقيقين في عملهم ، يسيرون على خطة و خطوات موضوعة مسبقاً و كانوا أشبه بالحركات اليسارية المقاتلة التي كانت سائدة في تلك الفترة ، لذلك كان ليس بالأمر الشاذ ظهور بعض التنسيق بينهم و بين بعض المقاتلين اليساريين السوريين في تلك الحقبة . أما موتورجية الحاضر فمن الواضح أنهم أبناء الاعلام الفضائي العربي المعاصر، يتنفسون نسماته و يتمثلون خطابه ، انهم مريدون للوصال و يرون العالم من خلال الجزيرة و عالمهم المفترض هو باب الحارة ، ولائهم معقود لفقيه قريتهم أو حيهم و حدودهم و تجاوزاتهم مربوطة بمزاجه و حكمه . ففي مقطع فيديو حديث بث على اليوتوب يظهر رجل كبير في السن قد قبض عليه في قرية ما و هو يتعرض للطم و يتم التحقيق معه من رجل ملتح يعمل على تهدئة الشباب من حوله ، أما تهمة الرجل حسب ما يظهر في المقطع فهي عدم التوقف بسيارته عندما أشاروا له !! لكن ماذا لو أن هذا الملتحي في قرية أخرى قد رأى أن قتل هذا المسن هو الصواب أو أن تقطيعه سيكون رسالة جيدة تخدم القضية أو أن تعليق جثته على عامود كهرباء سيسدد حساب ما ؟؟

مما لا شك فيه أن الضحايا الذين سقطوا بيد الجيش و قوات الأمن هم أضعاف ؤلائك الذين سقطوا بيد الموتورجية ، فللنظام السوري خطوطه الحمر و التي يطلق النار عند تجاوزها و هي خطوط عريضة جداً بحيث لا تترك أي مسافة تذكر لمواطن حر و لكنها تتمتع بميزة أنها معروفة و مرسومة بعناية . أما في الجهة الأخرى فأن الصورة السلمية الجميلة للمتظاهرين السوريين و التي تتزين بكوادر سلاحها الموقف و الكلمة نراها تتناقض مع تصرفات لموتورجية موتورين و غاضبين و لهم انتشار واسع في بقع جغرافية ممتدة على طول سورية و عرضها ، حيث رأيناهم في جسر الشغور و حمص و في ريف حماة و قد قتلوا و مثلوا و قطعوا في مشهد يشدنا إلى جارنا العراق الممزق و ينبهنا بأن من رأى أنه يجب التمثيل بجثة أخيه في الوطن و تقطيعها إلى أجزاء مهما كان جرم الضحية فأنه سائر حتماً في درب ينتهي بقتل وطن و تقطيع أوصاله و خلق وضع حيث لا عزاء فيه لمن تسلح بالكلمة و لا مكان أصلاً للصامتين الذين ان تكلموا تحت الالحاح و الضغط فسيصب حراكهم في مصلحة النظام لأنه و بالرغم من كل شيء هو ليس فوضى هو و ببساطة شديدة … نظام

الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى