صفحات سورية

سوريا: العلويون.. شركاء أم ضحايا؟؟

 

    ثائر زكي الزعزوع

    تورّطَ العلويون شاءوا أم أبوا في حربٍ لا ناقةَ لهم فيها ولاجمل، وحُمِلوا حَمْلاً على مجاراة بشار الأسد في تصدّيه للشعب، ومحاولاتِه على مدى سنتين لتجفيف منابع الثورة، من خلال ضربِه وبكلِّ قسوةٍ وعنف مدناً وقرىً ثارت ضد نظامه.

    وإن كانت الطائفة العلوية، أو على الأقلّ قسمٌ كبير منها، قد نأت بنفسها عن التورط في ما يفعله الأسد الصغير، إلا أن من تورط كان كفيلاً بوسمِ الطائفة كلِّها بالاشتراك في عملية التدمير الممنهج، وعلى وجهِ الخصوص بعد أن ثبت وبالدليل القاطع التنسيق والعمل الدؤوب الذي تقوم به طهران، ومعها حزب الله، في دعمِ الأسد في معركته، من المؤكد أن إيران تمثل الحليف المذهبي هنا لا الحليف الاقتصادي أو السياسي.

    وقد ساهم النظام، وببراعةٍ في سحل الطائفة العلوية، إن جاز التعبير، لتكون فصيلاً مقاتلاً إلى جانبه، من خلال التسريبات التي يرسلها عناصره والتي تظهر “شبيحته” ومقاتليه وهم يقومون بقتل الناس وتعذيبهم وسرقة بيوتهم، طبعاً الشبيحة والمقاتلون دائماً هم من أبناء الطائفة العلوية، تميزهم اللهجة، والكفر، والاستهتار بكل القيم الدينية والأخلاقية. فضرب عصفورين بحجرٍ واحد، فقد حقق غايته في وضع الطائفة في مرمى نيران الثورة، وكذلك فإن الطائفة بات عليها أن تدافع عن نفسها.

    وكذا فقد عمد في بداية الثورة، إلى الاحتفاء بنعوش من يسميهم “شهداء الجيش والقوى الأمنية” وهم كذلك من أبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، وباستعادة بسيطة للأيام الأولى للثورة، وتحديداً يوم الخميس 24 آذار 2011 أي بعد أسبوع تقريباً على انطلاقة التظاهرات، فقد وصفت المستشارة السياسية للأسد ما حدث في محافظة درعا ذات الغالبية السنية بأنه “فتنة طائفية”.

    واستعان بنخبة من محلّلي الصف الثاني بل والثالث أيضاً، وهم علويون أيضاً ليقدّموا تشخيصهم للوضع، فظهروا لا مدافعين عن النظام، بل مدافعين عن الطائفة، فأكثروا من استخدام عبارات من مثل:”التنوع الطائفي”،”موزاييك الشعب السوري”، “الفتنة الطائفية”،”المتشددون الوهابيون”،”أتباع ابن تيمية” … إلخ.

    كانت الثورة تمتدّ أفقياً وعمودياً، لتشملَ كافة المناطق السورية، وفيها كان يظهر علويون يتبرأون ممّا يقوم به الأسد، ويعلنون تأييدهم ومشاركتهم في الثورة، التي جاءت، حسب توصيفهم، لتُنهي الحكمَ المستبد، وتجيء بحكم ديمقراطي، يتساوى فيه المواطنون.

    لكنّ كلامَ أولئك، وغالبيتُهم من المثقفين والفنانين، لم يقنعْ عوامَ الطائفة الذين كانت مشاهد قتل أبنائهم، ولحى المتظاهرين السنة تثيرُ ذعرهم وتجعلهم يربطون مصيرهم بمصير الأسد، فتحولوا من نائين بالنفس إلى مشاركين في فعل القمع والقتل، سواء من خلال التطوع في لجان شعبية أنشئت لغرض القمع، تمت قوننتها فيما بعد تحت مسمى “جيش الدفاع الوطني”، أم من خلال بروزهم على وسائل الإعلام ليثبتوا ولاءهم وانتماءهم لسوريا الأسد، التي تعني بالضرورة سوريا العلوية، اللامتشددة، والتي لا تتحوّل فيها الطائفة العلوية إلى مجموعة بشرية مضطهدة.

    وقد نجح المخطط المرسوم أيّما نجاح، فانقلب الأمر برمته إلى حربٍ بين طائفتين، وانتقلت الثورة إلى صراع بين طائفة سنيةٍ تسعى لتحويل سوريا إلى أفغانستان جديدة، وبين طائفة علوية تريد الحفاظ على سوريا بصورتها المنفتحة، التي يقول النظام وإعلامه وأبواقه من هنا وهناك، إن الأسد الصغير وأباه من قبله لهما الفضل الأكبر في جعلها دولة عصرية لعموم السوريين.

    حلّ الدمار في كل مكان، وهو على الأغلب دمار لمدن السنة، فيما مدن العلويين مازالت بخير، ومؤخراً صارت تسمى المدن الآمنة، حتى أن ثمة تسريبات تقول إن دويلة “علوية” يتم التحضير لها في مدن الساحل السوري.

    انجرف العلويون إلى المحرقة التي أُعِدّت لهم، وقد لا يكون بإمكانهم التراجع بعد هذه الدماء كلّها، وفقدوا نظرياً ومؤقتاً على الأقل انتماءهم لسوريا، وباتوا ينتمون لسوريا الأسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى