صفحات العالم

سوريا: الكلمة للمعارضة

 


ساطع نور الدين

كما ان الوقت ينفد امام النظام في سوريا، كذلك فانه يضيق بالنسبة الى معارضيه، الذين باتوا يتحملون مسؤولية مضاعفة عن حماية بلدهم من الغرق في الفراغ والفوضى المؤدية الى حرب اهلية تشكل اليوم هاجسا مقيما لدى السوريين جميعا.

الوقت قصير لكن هدره قاتل. وبقدر ما يبدو البحث عن معارضين للنظام مهمة سهلة، تجمع مختلف الوان الطيف السياسي والاجتماعي السوري، يظهر ان الائتلاف او الالتقاء تحت مظلة واحدة اصعب بما لا يقاس من التجربتين المصرية والتونسية او حتى التجربتين الليبية واليمنية نظرا الى طبيعة تكوين المجتمع السوري المتعدد والمعقد، والذي اخرج خلال اسابيع الازمة الحالية بعض اسوأ مظاهر انقسامه وتشرذمه الطائفي.

لكنها مهمة المعارضات السورية، طالما ان النظام انكفأ بسرعة الى طابعه والى خياره الامني المروع، الذي يمكن ان يقمع الشارع لفترة، لكنه يفسح المجال امام بلورة افكار ونصوص سياسية مناهضة لجدول اعماله المقفل، تشكل مادة اولية للنقاش بين معارضين في الداخل والخارج يحتاجون اليوم الى عملية اعادة تأهيل سياسية واسعة بعد اربعين عاما من الالغاء والاقصاء والنفي المنظم، وايضا من انقطاع التواصل في ما بينهم.

في بداية الازمة، جرت محاولة عفوية لفتح ذلك النقاش، اثمرت وثيقة عهد وطني وقّعها عدد كبير من مثقفي سوريا ومفكريها وسياسييها، كانت اشبه برد فعل على الصراع الطائفي الذي انحدرت اليه الاحتجاجات منذ اللحظة الاولى، سواء من جانب النظام الذي اعلنها حربا طائفية، او من الشارع الذي اطلق بعض معتوهيه شعارات طائفية مرعبة. لكن هذا الرد سرعان ما ضاع في خضم المواجهات التي ترسم حاليا خطوط تماس داخل المدن والقرى لم يسبق لها مثيل في تاريخ سوريا الحديث. وتبين ان ثمة فارقا ملحوظا بين خطاب معارضي الداخل والخارج، وبين دور المكونات الليبرالية والاسلامية للمعارضة في المواجهة، وهو يوحي بوجود خلاف مبكر جدا على وراثة الحكم… لم تشهده اي من الثورات العربية الراهنة.

ثمة حوارات تدور في الداخل وفي عدد من العواصم الحاضنة للمعارضين، لكنها حتى الان اشبه بجدل فكري يتجاهل كمية الدم المسفوك في الشارع، وينكر هو الاخر ان ثمة اشتباكا سنيا علويا لا بد من وقفه بسرعة، ويدور حول عناوين مجردة مثل الاسلام والدولة والنموذج والشرع والتاريخ القديم منه والحديث الذي يتصل بمجازر الثمانينيات… ويعتبر ان ما يجري اليوم ليس سوى عمليات ثأرية، تستكمل المعركة من حيث توقفت في مدينة حماه.

وفي بعض الافكار المتداولة، ما يوحي بان النظام ليس وحده الذي يعيش في الماضي، ويرفض الاعتراف بانه يفقد شرعيته وصلاحيته، بل ان المعارضة نفسها هي اسيرة ذلك الماضي، ولم تجد وسيلة لمغادرته والارتقاء بالنقاش مثلا الى الدستور وتعديلاته وسبل ازاحة الحزب القائد لخراب القطرين… او الى تنظيم انتخابات بلدية ثم نيابية حرة ونزيهة، الممهدة للتداول السلمي والهادئ للسلطة، وغيرها من الطروحات التي تجرد النظام من السلاح وتستوعب توتر الشارع، وتمنعهما معا من قيادة سوريا نحو الكارثة.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى