صفحات العالم

سوريا.. المعارضة متفائلة!

 


طارق الحميد

بينما شعر كثيرون، داخل سوريا وخارجها، بالإحباط من خطاب الرئيس السوري في جامعة دمشق، ومنهم أيضا أنصار الرئيس، فإن كثيرين في المعارضة السورية يشعرون بالتفاؤل. وعندما نقول إن هناك إحباطا من خطاب الأسد الأخير، فالدليل واضح، فها هو الرئيس نفسه يصدر عفوا ثانيا وبعد خطابه بيوم، أي ليس ضمن خطابه الأخير.

ولكي لا نتهم من «محللي» النظام المنتشرين في كل مكان، فقد قال الرئيس الأسد في خطابه أول من أمس عن مسألة العفو: «سأطلب من وزارة العدل أن تقوم بدراسة ما هو الهامش الذي يمكن أن نتوسع بالعفو فيه». فإذا كان العفو الثاني جاء بناء على الدراسة، فلماذا جاء العفو مباشرة ثاني يوم من الخطاب، أي بسرعة البرق، وفقا لمقاييس السرعة لدى النظام، بينما تتأخر دراسات باقي الوعود؟ الإجابة الوحيدة أن النظام أدرك أن خطاب الرئيس لم يكن مؤثرا. والسوريون أكثر من غيرهم يعلمون أن النظام يسير وفق النصيحة الشهيرة للأسد الأب، والتي تقول: «أذعن قدر اللزوم، وأصر قدر الإمكان»، لكن الواضح أن النظام لم يذعن قدر اللزوم، ويصر قدر الإمكان!

أما لماذا تشعر المعارضة بالتفاؤل، فالسبب هو أن كثيرين منهم يرون أن تأخر الأسد في إلقاء خطاب لمدة شهرين لم يكن للأسباب التي يتداولها البعض، داخليا وخارجيا، مثل أن الرئيس مسلوب القرار، وخلافه، بل يرون أن النظام كان يمارس طريقته الشهيرة في التعامل السياسي مع المجتمع الدولي وهي الابتزاز. فبحسب المعارضة، فإن النظام كان ينتظر عروضا تأتيه من الخارج، دوليا وعربيا، أي افعل كذا مقابل كذا، وهي لعبة أتقنها النظام مطولا في المنطقة، ومن أشهر تلك الألاعيب، مثلا، قصة (س + س) في لبنان، فأبرز أدوات السياسة الخارجية للنظام هي الابتزاز السياسي.

وعليه، فإن النظام كان يعتقد أن الوقت لصالحه، فإما أن يقضي على الانتفاضة الشعبية، أو أن يقدم تنازلات وفق أثمان سياسية كبيرة تعرض عليه من الخارج. ولذا انتظر النظام لمدة شهرين، لكن العروض لم تأت، والأزمة بدأت تتفاقم، من حيث ارتفاع أعداد القتلى واللاجئين والمعتقلين، وتزايد الضغط الدولي، وكثرة خروج المظاهرات في دمشق وحلب، مع تردي الأوضاع الاقتصادية. كل ذلك دفع النظام للتحرك، وعلى أثره جاء الخطاب الثالث للرئيس. وما يزيد تفاؤل المعارضة أن خطاب الأسد قوبل برفض دولي، وإحباط داخلي، فرغم خروج مظاهرات مؤيدة للنظام فإن المظاهرات المناهضة قابلتها فورا، بل ونتج عنها قتل بعض المتظاهرين ضد النظام، الأمر الذي يزيد من الضغط عليه، ويهز مصداقيته أكثر.

واللافت للنظر أيضا هو ما قاله الرئيس الروسي، فبعد أن كرر أن التدخل الخارجي لن يؤدي لحل الصراع في سوريا، فإنه، وهذا الأهم، أضاف قائلا: «ليس هناك شك في أنه من الضروري ممارسة ضغط على قيادة أي بلد تقع فيه فوضى كبيرة وتراق الدماء بوجه خاص». وهذا يعني أن الروسي قد وضع يده في جيبه بحثا عن مفتاح باب مجلس الأمن!

هذه هي القصة، ويبدو أن المعارضة السورية تقرأ ذلك جيدا، ولذا تشعر بالتفاؤل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى