صفحات سورية

سوريا: المكونات الصغيرة في خطر

كمال سيدو

لن أبالغ إذما قلتُ بأن الكرد والمكونات الصغيرة عددياً في سوريا مثل الأرمن والسريان/الأشوريين/الكلدان والدروز والإسماعيليين وأبناء الديانات المسيحية والإزيدية  ناهيك عن العلويين في خطرٍ محدقٍ وقد يتعرضون إلى الإبادة الجماعية… لسنا صادقين مع أنفسنا إذما قلنا أن لهذا علاقةُ بموقف الكرد وتلك المكونات والأقليات من النظام أو المعارضة.

لقد قام النظام البعثي في فترة حكم آل الأسد باضطهاد جميع السوريين من الكرد وحتى العلويين؛ وفيما يخص الكرد فقد مارس النظام الحالي والنظم السابقة سياسة منهجية من التعريب القسري والتهجير وتغير الطابع الديمغرافي للمناطق ذات الأكثرية الكردية ومنع تدريس اللغة الكردية وتطويرها… وزجّ بالعديد من الكرد الذين كانوا يرفضون هذه السياسة في السجون وتم تعذيبهم وقتل البعض تحت أيديهم أو اغتيل؛ لذا من الطبيعي أن يكون الكرد من المعارضين الأوائل للنظام… مالم يفعلهُ الكرد وبقية المكونات هو رفضهم للمشاركة في الصراع الطائفي وخاصة خلال السنتين الأخيرتين حيث تفاقم التناحر والاقتتال الطائفي في سوريا وفي عموم المنطقة…

وقد تصوّر بعضهم بأن الكردي إذا لم يشارك في حرب السنة ضد الشيعة فلن يرضى عنهم السنة… والعكس صحيح… إن مسألة مشاركة الكرد في “الحرب الشيعية السنية” معقدة للغاية… خاصةً إذما أخذنا بعين الاعتبار أن الكرد هم سنة وشيعة وعلويين وإزيديين وكاكائيين وهناك زاردشتيين ومسيحيين وحتى يهود وبعض من أنصار الديانة البهائية…

وحتى لو شارك الكرد في الحرب الدموية ضد “الشيعة” إلى جانب “السنة” فلن يغير هذا كثيراً من سياسة القوة السنية الرئيسية أي “الإخوان المسلمين” ضد الكرد.

فلنقم بمقارنة بسيطة بين الحالة السورية والحالة الليبية. كان للأمازيغ في جبل نفوسة في ليبيا (على سبيل المثال) دوراً بارزاً في معركة طرابلس الغرب… و يعود لهم الفضل أيضاً بالسيطرة على الحدود الليبية التونسية… ورغم ذلك فالأمازيغ يتعرضون اليوم إلى القتل من قبل حلفاء الأمس، من “الإسلاميين والعروبيين” في ليبيا…

فلنقرأ ما يكتبه بعض من “الإسلاميين العروبيين” الليبيين عن الأمازيغ بعد سقوط معمر القذافي:

“لم نشعر يوماً ما بالتفرقة وهم كقبيلة مثل بقية القبائل وإذا عانوا من الاضطهاد فهم كغيرهم من الليبيين في الحالة سواء وما هذه الإعتصامات والمؤتمرات المشبوهة والمطالب الشرعية التي يتفق عليها الجميع والغير شرعية كاللغة والمطالبة بها كلغة رسمية يتضمنها الدستور يجب أن تقر في استفتاء عام لا من مجموعة بعينها فالعربية هي لغة الدين قبل ان تكون لغة الليبيين وبأي حق تفرض لغة محلية يتحدثون بها أقل من 2% من السكان… كل هذه المطالب ما هو إلا انسياق وراء مخطط غربي وخدمة لمصالحٍ خارجيةٍ وبالتحديد فرنسا قصفت بطائراتها قوات القذافي، وهم مجموعة من العملاء قليلة لم يستطيعوا ولن يستطيعوا لأن الإسلام ترسّخ عند أهلهم الأمازيغ… فظهروا اليوم بقالبٍ آخر ووجه جديد وتحوّل ذلك إلى سياسة تحت ذريعة الاضطهاد والمطالبة بالحقوق؟ فهل سيتحول اليوم إخواننا الامازيغ إلى أن يكونوا كأكراد العراق سكيناً في خاصرة الوطن” .

إذاً المشكلة هي في فكر “الإسلام العروبي” الإقصائي الذي لا يؤمن بالتنوع القومي والديني على أساس المساواة الكاملة في الحقوق… إن “الإسلام العروبي” يرى في “كردستان والكرد” “إسرائيل ثانية” في المنطقة… أما المسيحيون فهم بالنسبة لهم مجرد “عملاء للغرب الاستعماري الكافر…”

إن الأوساط الرئيسية من المعارضة الإسلامية السورية أعلنت مراراً وتكراراً أنها تريد أن “تجعل الوطنية السورية والتحلي بخلق الدين العظيم والرسالة الحضارية العربية هما القاعدة والمرجعية للجميع في تفسير المفاهيم عن من هو ثائرٌ ومن هو ليس بثائر في سوريا…”

كما نرى فلا مكان للتنوع القومي والديني في هذا الفكر “الإسلامي العروبي”… وقد كان ومازال هذا الفكر الإقصائي سبباً رئيسياً في تفكك ما يسمى بالعالم العربي…

إذا كان نظام معمر القذافي وبشار الأسد يضطهدون الأمازيغ والكرد باسم العروبة فإن الحكام الجدد في ليبيا (وفي سوريا مستقبلاً) سيقومون باضطهادهم تارةً باسم العروبة والإسلام معاً وتارة ً تحت غطاء إقامة دولة المواطنة وهنا يكمن الخطر المحدق والمميت للتنوع القومي والديني والثقافي…

وبالعودة إلى موضوعنا السوري فإن الحل الوحيد، باعتقادي، هو تقسيم السلطة والثروة في سوريا وإقامة نوع من النظام اللامركزي أو الفيدرالي الذي يضمن الأمن والحقوق والكرامة للجميع…

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى