صفحات سورية

سوريا: المواجهات المذهبية بين الكلام وواقع الحال!


طارق حمو

حديث البعض المعارض في الجزم بعدم وقوع حرب اهلية في سوريا لايقنعني. التأكيد على ان “الشعب السوري لم يشهد في تاريخه اية صدامات مذهبية” وظل متوائما متوافقا و”سمنا على عسل” مجرد كلام وخطب. لاريب في ان الكثير من السوريين مطلعون على “بعض” الموروث الشعبي لكل فئة ومايختزنه هذا الموروث من خوف وتوجس حيال الفئة الاخرى. العراقيون أكدوا قبلنا على “وحدة الشعب العراقي” وحللوا في ان هذا الشعب لن يدخل في حرب أهلية مهما حصل، بل وقالوا بان عشائرا واحدة مقسمة بين طائفتين ولن تتحارب مهما حصل، وظلوا يكررون هذا الكلام و”الفرق المسلحة” و”الفيالق الطائفية” تدق رقاب المئات من الابرياء وتقتل على الهوية كل يوم.

سوريا تشبه العراق كثيرا.

هناك تحول طرأ في مسيرة الثورة الشعبية السورية، وحصل ذلك بسبب عدة عوامل منها استطالة مدة الثورة وقمع النظام الذي لايٌحتمل والتدخل الاقليمي.

عندما لفظت الثورة “الجيش السوري الحر” والذي ٌشكل كتائب “عمر بن الخطاب” و”معاوية ابن ابي سفيان” وغيرها، وهي اسماء لها دلالات طائفية بحتة، وردت ب”المثل” على فرق الشبيحة والامن وعناصر الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، وصار العين بالعين، دخلنا في بداية المواجهات المذهبية. وجاء التدخل الايراني والتركي والعراقي واللبناني ليكمل المشهد. الايرانيون ارسلوا خبرائهم وعناصر “الحرس الثوري” لمؤازرة النظام. ويٌقال بان كل من “حزب الله” اللبناني و”جيش المهدي” العراقي فعلا الأمر عينه. تركيا اصطفت مع تنظيم الاخوان المسلمين السوري واغدقت عليه الأموال والمعلومات ورسمت له خطط التحرك سياسيا وعسكريا، فبات موقنا بالنصر وبانه سيكون الحاكم القادم لدمشق، ووعد الاتراك بحكم يشبه حكم “العدالة والتنمية” او حكم “النهضة” التونسي على اقل تقدير!.

تركيا تقنع الاخوان بالتشدد والعمل على اقصاء غيرهم والتصدي للكرد ( اعدائها التقليديين) وايران و”حزب الله” والقوى الشيعية العراقية تدفع النظام السوري للتشدد والمضي قدما في القمع والقتل، وتوهمه بان الحراك قد خفت وانها “شدة وستزول”، وانهم مع النظام في خندق واحد اذما تجرأت اطراف اقليمية او دولية وشنت حربا عليه ( انظر: زيارة جنرال ايراني بارز لدمشق عقب تصريح الاخوان المسلمين حول قبولهم بالتدخل العسكري التركي في سوريا).

للأسف سوريا اصبحت ضعيفة الان ومطمعا لكل من هب ودب. النظام هو المسؤول الاول. هذا النظام القاتل يهمه فقط الكرسي وان يبقى على عرش السلطة يمارس الحكم المطلق. اما تركيا فتريده ضعيفا ذليلا ان بقى، او الاتيان بحليف عميل ينفذ كل كلامها ويشن قمعا ضد فئات سورية اخرى معينة وكالة عنها. حليف يحتكر صوت “الاغلبية” ويمارس الوصاية عليها ويجعل من خطابه معاديا للاقلية لانها “حكمت اربعين عاما وحرمت الاغلبية من حقها في الحكم”. أي منطق كارثي هذا؟.

لايبدو ان الازمة الراهنة ستنفرج عن قريب. وتركيا لن تتدخل والنظام قوي قادر على الرد الموجع. من المؤكد بانها ستدعم “الجيش السوري الحر” وتعمل على تقويّته وربطه بها. أما بشار الأسد فلن يتوقف عن اصدار أوامر القتل والسحق، بالموازاة مع استمرارالمراوغة مع الجامعة العربية.

السوريون امامهم شتاء طويل دامي، يبدو انهم سوف يقولون فيه كلاما كثيرا حول “وحدة الشعب السوري” و”تحريم الحرب الاهلية” و”الاخاء التام بين الطوائف”، بينما تخطط ايران وحلفائها كيف تحمي النظام في دمشق من الانهيار مهما كلف ذلك من دماء، وتخطط تركيا كيف تستحوذ على سوريا وتمد حدودها الى مابعد دير الزور وتٌلحق مناطقا في حلب والحسكة بها، ستسميها ب”المناطق العازلة”، تحت ذريعة “ايواء المدنيين وحمايتهم” بموافقة من بعض المعارضة البائسة وبفتوى شرعية من جماعة الاخوان المسلمين العتيدة!!.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى