صفحات سوريةهوشنك بروكا

سوريا: النظام يريد “إصلاح” الأصابع


هوشنك بروكا

إلى الجميل علي فرزات مع باقة أصابع..

“الإصلاح” كان ولا يزال هو المفتاح المفترض، أو “المعوّل” عليه للدخول إلى “سوريا جديدة”؛ سوريا ديمقراطية، مدنية تعددية؛ سوريا لا خلط فيها بين قوانين الله وقوانين الدولة؛ سوريا يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه؛ سوريا من دون “رئيس أسد”، يأكل البلاد والعباد، إلى الأبد.

دخلت الثورة السورية، التي بدأت ب”الإصلاح” من درعا(إصلاح المحافظ) شهرها السادس، و”سوريا الأسد” لا تزال تراوح مكانها، بدون أيّ إصلاحٍ يذكر، ولاهم يحزنون. فبدلاً من أن يهرع النظام إلى “إصلاح المحافظ”، في الأول من الثورة، استجابةً لمطالب الشعب، راح يخرّب المحافظة ويقطعها إرباً إرباً، ويضربها مع أخواتها الأخريات المنتفضات بالدبابات. وهو الأمر الذي إدى إلى رفع سقف أهل الثورة في سوريا، من “إسقاط المحافظ” أو “إصلاحه”، إلى “إسقاط النظام”، ثم “إسقاط الرئيس”، ومن ثم “إعدامه”، كما يقول لسان حال الثوار المتظاهرين السوريين، هذه الأيام.

فالإصلاح أو الإنفتاح عليه، في بلدٍ مغلق مثل سورية، منذ أكثر من أربعة قرونٍ، ليس سهلاً على ما يبدو، أو كما اعتقده البعض وعوّل عليه ولا يزال.

هو، يعني بالدرجة الأساس، “حسن نية” القائم به، للدخول إليه أو فيه، وهذا ما لا يمكن أن يكون في سوريا. فالنظام السوري، لا “نية حسنة” لديه أصلاً ل”إصلاح سوريا”، لأن إصلاحها يعني إصلاحه، أي بداية نهايته، وهو المخرّب والخربان، منذ اعتلائه للسلطة، وصناعته للتخريب المنظّم من أقصى سوريا إلى أقصاها.

عندما فشل النظام في حمل رسالة الإصلاح، أو عرف بأنه الفاشل بإمتياز لامحال، في تحقيق أهداف الشعب ب”إصلاح نفسه”، للعبور إلى “سوريا صالحة ومصلحة”، راح يقلب الطاولة على الشعب، راكباً خيار “الإصلاح معكوساً”: “النظام يريد إصلاح الشعب..لا بل إسقاطه”!

تلك هي حكاية النظام بإختصارٍ شديدٍ جداً؛ تلك الحكاية التي تطفو بين الحين والآخر على سطح تصريحات المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد.

فالفوق السوري الرسمي، يصوّر الأزمة السورية على الدوام، كأنها “أزمة شعب” وليس أزمة نظام، أو “أزمة جمهور” وليس أزمة حكم. لهذا تراه يركب في كلّ مناسبة كلامية، ل”بيع الكلام” الذي ما عاد كلاماً، يصوّر المسألة وكأنها صراع بين “خارج عميل” ممثل بالشعب السوري المتظاهر المطالب بإسقاط النظام، و”داخل وطني شريف مقاوم ممانع”، ممثل بالنظام الذي ليس له إلا التصدي لذاك الخارج وعملائه، أي “إصلاح الشعب”، وبالتالي “إسقاطه”.

تأسيساً على قناعة النظام “المحوية” هذه، المؤمنة ب”الإصلاح معكوساً”، يمكن فهم ارتكابه للحل الأمني والعسكري، كخيار وحيد لا شريك له، بإعتباره “خياراً صحيحاً” ما قبله ولا بعده “صحيح”، من وجهة نظر أولياء أموره بالطبع. فلا صحيح بعد “صحيح” الرئيس، الذي يجمعه بصحيح الله والوطن في شعارٍ نهائي إلى الأبد:” الله..سوريا..بشار وبس”!

وعلى اعتبار أنّ الأصابع كان لها حضورها الجميل في الثورة السورية، ورفع كلمتها وصورتها، كما هو الحال في أية ثورة، كان لا بدّ للنظام الذي أخذ على نفسه عهد إعدام الثورة عن بكرة أبيها، أن يقوم بالتوازي مع الإعدامات التي يصنعها شبيحته، على طول الشوارع المشتعلة وعرضها، ب”إصلاح” الأصابع والحناجر والألسن والعيون وغيرها من الأعضاء الثائرة على خراب النظام وأهله.

الإصلاح معكوساً، هو ما يقوم به النظام في سوريا؛ أي “إصلاح” الشعب، وإرادته، وحريته، وكرامته، وكلّ ما من شأنه أن يريد “إصلاح” النظام، أو إسقاطه.

أن يصلح النظام، يعني أن “يصلح” الحناجر، كما فعلها مع حنجرة إبراهيم قاووش إبن العاصي الجميل، الذي غنى للثورة السورية، مطالباً الرئيس السوري بالرحيل، في أنشودته المعروفة: “يللا إرحل يا بشار”.

أن يصنع النظام الإصلاح، يعني أن يصلح الألسن أيّ يقطعها، والعيون أيّ يفقأها، والأيدي والأرجل أيّ يبترها.

أن يصلح النظام، يعني أن يصنع الإصلاح معكوساً، أي الخراب: “سوريا خراب لشعب خراب”.

على وتيرة الإصلاح ذاته، حاول النظام أمس، عبر أجهزة الخراب السورية وشبيحته، “إصلاح” أصابع الكاركاتوريست السوري علي فرزات، المعروف بمواقفه الكبيرة تجاه الثورة السورية، بعكس الكثيرين من مجايليه الفنانين السوريين، في الداخل، الذي اختاروا أن يكونوا طيوراً في جنة الديكتاتور.

ليس للجميل علي فرزات سوى أصابعه الجميلة، كما ليس للنظام وأتباعه من أهل القطع والقطيعة إلا “إصلاحها”، ما يعني في المنتهى، “قطعها”، كما قالها الشبيحة أمس، في “موقعة الأصابع”، وهم ينهالون على الفنان بالضرب والرفس: “سنكسر أصابعك التي ترسم بها”!

ليس لأصابع علي الجميلة إلا أن تدوّن الجمال، كما ليس للنظام إلا تدوين القبح تاريخاً وجغرافيا.

ليس لأصابع علي إلا سياسة الرسم، أما النظام فليس له إلا سياسة القطع والبتر والفقئ والإعدام.

ليس لأصابعه الباقية إلا أن تدخل التاريخ، فيما النظام ليس له عدى الخروج منه.

صعدت أصابع علي فرزات، وسقطت أصابع النظام.

كلنا لعلي أصابع..

هبوا لأصابعه..أدعوا لأصابعه..

اكتبوا أصابعه ودونوها في دفاتركم اليومية..كونوا أصابعه..ضموا الأصابع إلى الأصابع..

فلتكن ثورة الأصابع، من الأصابع إلى الأصابع، على نظامٍ قروسطيٍّ، لا يمارس ضد شعبه، سوى سياسة قطع الأصابع وبتر الحياة.

فليكن اليوم، من سوريا إلى سوريا، “جمعة أصابع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى