صفحات سورية

سوريا الى اين في ظل قرار جامعة الدول العربية


خالد عبد القادر احمد

رغم ان السياسة المعلنة للقيادة الفلسطينية, هي عدم التدخل في شئون الدول الاخرى, وهو ما اعاد التاكيد عليه مرة اخرى الرئيس محمود عباس في مؤتمره الصحفي الاخير في تونس, الا ان فلسطين صوتت سابقا لصالح قرار تجميد تمثيل النظام القذافي لليبيا, وها هي تعيد الكرة الان بالتصويت لصالح تجميد تمثيل نظام بشار الاسد لسوريا, الامر الذي يجعلنا نتسائل عن لمستوى الشفافية الحقيقية في السياسة الفلسطينية عن عدم التدخل في شئون الغير الداخلية, والتي نقضها فعلا التصويت في كلتا الحالين,

لكن المنهجية البراغماتية السياسية تختلف في الحقيقة عن الحوار المجتمعي السائد في المنطقة, فطريقة تجسيد البراغماتية السياسية للمنظور الثقافي للصراع يمنع عنها عن عدم التدخل في شئون الغير, بل يدعوها قطعا للتدخل فيها نظرا لوجود علاقة نتائج جدلية بين مختلف الصراعات, فنحن يمكن لنا ان نقول ان التغير في طبيعة ومنهجية النظام في مصر وليبيا وسوريا وايران واي بلد اخر لا بد وان يترك انعكاساته على صراع الفلسطينين مع اعدائهم . وعلى تحلفاتهم مع اصدقائهم,

لقد كان للنظام السوري دوره وتاثيره المستمر المباشر وغير المباشر على مسار الصراع الفلسطيني الصهيوني, منذ بدء حلقة الاحتلال الصهيونية لفلسطين وحتى الان, تماما كما كان ايضا للاردن والسعودية ومصر وكل دولة اخرى, وقد كان لكل منها اتجاه معين مرسوم الهدف في التاثير بهذا الصراع, حكمه في ذلك ترتيب الاولويات وتجلى في ممارسة السيادة واسترشد باستقلال المصالح, ولم تكن قطعا علاقات مبدئيتها وحدة الذات القومي والمصالح التي يدعونها, لذلك نمايز في السياسة السورية مثلا ما بين عهد ما قبل انقلاب الرئيس حافظ الاسد, حيث كان دعم واسناد الثورة الفلسطينية هو طابع علاقة سوريا بالمقاومة الفلسطينية ذلك الزمن وما بعد ذلك الانقلاب حيث اصبح الصراع ضد المقاومة الفلسطينية هو طابعها, فجاءت هزيمة المقاومة في الاردن ليليها هزيمتها في لبنان حيث كان للنظام السوري اليد الطولى في الحاق الهزيمة بقوة كفاحنا, ولم يكتف النظام السوري بذلك بل انه استمر في ملاحقة النضال الفلسطيني والعمل على ارباكه وانهاكه عن طريق شقه بمحاولات بدأت مبكرا وانتهت بتشجيع ودعم واسناد والعمل على استمرار حالة الانشقاق الراهنة في غزة.

ان تصويت القيادة الفلسطينية بالموافقة على قرارات جامعة الدول العربية هو اذن موقف سياسي يستهدف تحرر الطرف الفلسطيني من عداء نظام الاسد المستحكم في سوريا ضد النضال الفلسطيني ووحدة قواه, وهو نفس الموقف الفلسطيني من المؤيد للحصار العالمي لنظام الملالي الايراني, ومع ذلك فهو لا يستهدف الاضرار بمصالح الشعبين الايراني والسوري, بل محاولة التحرر من نهج سياسية معادية لنا, فالموقف الفلسطيني اذن موقف مشروع سياسيا في الصراع, وهو مؤشر على وجود الخصوصيات والاستقلاليات القومية,

لقد عمل نظام الاسد في سوريا على هزيمة المقاومة المسلحة الفلسطينية وهو لم يكف عن العمل على هزيمة العمل السياسي الفلسطيني في مجال التسوية, في ممارسة وصاية سياسية واضحة على شعبنا وقضيته, وفي محاولة واضحة منه لاسقاط حق تقرير المصير الفلسطيني, وتعامل معنا على اساس التدخل في شئوننا الداخلية وتصنيفنا الى مع وضد, فنالت _ المقاومة المؤدبة_ رضاه ودعمه واسناده, ونالت الشرعية الفلسطينية غضبه وسخطه وتامره, ولو قوة تاثير الموقف السياسي الفلسطيني في صراع المنطقة والصراع العالمي لكانت منذ زمن طويل استعادت سوريا الجولان, وضم الكيان الصهيوني اليه الضفة والقطاع, وتوطن اللاجئون وشطبت الهوية السياسية للشخصية القومية الفلسطينية,

ان بقاء او سقوط نظام الاسد في سوريا امر لا يعود لنا نحن الفلسطينيون, فهذا شأن الديموقراطية لسورية, غير ان استعادة وحدة الفصائل الفلسطينية هو شأنا خاصا بنا من حقنا ان ندافع عنه ضد اجندة الانقسام الداخلية واجندتها الخارجية التي تتصدر قواها ايران وسوريا,

اننا ضد التدخل الاجنبي في سوريا, فليس من المصلحة الفلسطينية في شيء ان ينتقل المجتمع السوري من كونه فريسة ديكتاتورية نظام الفردية السياسية بان يصبح فريسة احتلال اجنبي, بل ان مصلحتا في صورة الوضع السوري هو في ان يكون وضعا ديموقراطيا سياديا مستقلا. يحفظ لسوريا من منجزات الماضي استقلالها وسيادتها ويفكك حالة التحالف الموضوعية مع الكيان الصهيوني كمقدمة لتحرير واستعادة الجولان, وان لا تتمحور حياته الداخلية حول قضية المرأة ومسالة تعدد الزوجات, كما يحدث في ليبيا وتونس, وان يهتم بتطوير عملية الانتاج القومي وتطوريها الى مستوى التكافؤ مع عمليات الانتاج عالية التطور,

ان بنيوية النظام الراهن في سوريا غير قادرة حتى على ترسيم مسار اصلاح سياسي حقيقي فيها, فماهيتها وطبيعتها الطبقية وقيودها الخارجية تسير في اتجاه معاكس لاتجاه مسار التطوير السياسي للحياة القومية السورية ولا نقول ذلك تشفيا في النظام او تحريضا للحراك الشعبي السوري ولا تبريرا لتدخلات الاجندة الاجنبية, ولكننا نقول ذلك اقرار _لا يعدو ان يكون ثقافيا_ منا بمتطلبات ازالة المعيقات من مسار التطور الحضاري السوري, تمام كما نطالب بتخلص لبنان من الصيغة الطائفية دون ان يكون لنا يد بذلك, وتماما كما ايدنا المحاولة المصرية للتخلص من اللوبي الصهيوني وشريحة الكمبرادو,….الخ.

نعم ان قرار جامعة الدول العربية بتجميد عضوية سوريا والتلويح بالعقوبات وبالاعتراف _ بكافة اطياف المعارضة_ هو قرار غير دقيق في صورته العامة, وهو يخلط الاوراق والبرامج والقوى والرؤى, كما انه قرار تتجاذبه تاثيرات الاجندات الاجنبية, وفي ظل صورة الصراع الحالي في سوريا فانه يدفع بسوريا الى ظلمة المجهول, التي سيعالجها ميزان القوى السوري الداخلي تحت تاثير الاجندة الاجنبية, والتي اكثرها تاثيرا الاجندة الامريكية الاوروبية, التي تسعى للتخلص من معيقات تسوية الصراع في الشرق الاوسط , ومحاولة تحجيم الانفلات الصهيوني الذي صال وجال طوال فترة حصانة محور الممانعة, ولكن متى كان لجامعة الدول العربية قرارات على مستوى من التضامن والدقة تستطيع معه عزل تاثير القوة الجارفة للاجندة الاجنبية والصراع العالمي؟ او ليست قرارات جامعة الدول العربية هي محصلة استقلالات منقوصة السيادة؟ وما المطلوب من الحراك الشعبي السوري, هل يكف عن ان يكون حراكا في انتظار مراجعة النظام لذاته؟

ان مواقف الاطراف وحالة الصراع السوري الداخلي وصلت نقطة اللاعودة, ومن الاجدى محاولة معالجتها في اطار خصوصية التفاعل الاقليمي معها عن ان تدخل الى مرحلة التدخل الدولي المباشر, ومن الواضح ان هذا هو جوهر قرار جامعة الدول العربية الذي يبدو انه يراعي خصوصية الوضع السوري عن خصوصية الوضع الليبي, نظرا لتباين مسافة التاثير والانعكاس عن الصراع مع الكيان الصهيوني, حيث من الواضح ان قرار الجامعة العربية يصب في مصلحة الانحياز للنفوذ الامريكي لا النفوذ الصهيوني, فهل يكف مثقفونا عن مناقشة الوضع السوري على طريقة حوار الجاهات والعطوات ومحاولة تحديد من يتحمل مسئولية الخلاف,

ان تبرير موقف ومنهجية النظام او تبرير موقف ومنهجية المعارضة لم يعد امرا مجديا في سياق الية صراع عالمية واقليمية ومحلية جارفة من الواضح انها ستجرف كثيرا من القوى والاطراف في مقدمتها رموز النظام السوري ورموز حزب البعث في طريقها, لذلك بات من الاجدى للقوى الحية ان ترسم موقفها على اساس تصورها لمرحلة قادمة لا التشبث بقاطرة الماضي

ان العمل على نصرة القوى التقدمية السورية بات الان هو المهمة الحية للمجتمع الاقليمي وهو حتى مهمة كوادر حزب البعث نفسه بذاته السورية وامتداداته الاقليمية, فالمهم هو سوريا الى اين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى