صفحات سوريةمنذر خدام

سوريا: اليوم التالي لسقوط النظام


منذر خدام

شكلت تصفية خلية الأزمة في سوريا وانشقاق رئيس الوزراء السوري ضربة من العيار الثقيل للنظام السوري سوف يتلوها بالتأكيد انشقاقات أخرى في المستوى السياسي رغم تيقظ السلطة وتخصيصها نحو خمس وعشرين عنصرا امنيا لمراقبة كل مسؤول امني أو سياسي على مدى أربع وعشرين ساعة، كما أفادت بذلك بعض المصادر الإعلامية المطلعة.

بل ربما نشهد انتحار بعضهم في تعبير احتجاجي متطرف عما يجري في سوريا من قتل وتدمير وصل إلى أقرباء هؤلاء المسؤولين وأهاليهم، واعتراف منهم بالعجز عن التأثير على مجريات الأحداث كما تفيد بذلك أوساطهم.

وثمة معطيات مصدرها أوساط البعثيين والمشاهدات اليومية تفيد بأن كثيرين من قادة النظام هم في وضعية تشبه الإقامة الجبرية، فلا يستطيعون التحرك من مكان إلى آخر بدون إذن خاص ومرافقة أمنية كبيرة ليست حفاظا على سلامتهم الشخصية ممن يسمونهم “الإرهابيين” بل خوفا من انشقاقهم وانضمامهم إلى هؤلاء ” الإرهابيين”، كما يفعل اليوم كثير من العاملين في مختلف مؤسسات النظام الإعلامية والحكومية والأمنية والعسكرية.

واللافت أيضا مبادرة كثير من قادة الصف الثاني في النظام للاتصال بشخصيات معارضة للتعبير عن عدم رضاهم عما يجري في البلاد كنوع من التسليف للمستقبل. وإنهم لا يوافقون على ما يقوم به النظام من قتل وتدمير، بل أخذ يتجرأ بعضهم على توجيه نقد لاذع لبعض رجالات النظام الرئيسيين. لقد صار مألوفا اليوم أن تسمع انتقادات البعثيين وغيرهم العلنية لجميع المسؤولين في النظام باستثناء الرئيس الذي لا يزال كثيرون منهم يعصمونه عن النقد بدافع الاقتناع أو الخوف.

جميع هذه المؤشرات تصب في اتجاه واحد وهو أن النظام قد بدأ يفقد وحدته السياسية وقوته العسكرية وهو على طريق التحلل والسقوط. ولن يغير من حقيقة هذا الواقع لجوء النظام إلى تصعيد العنف في سوريا واستخدام أنواع جديدة من الأسلحة ذات القوة التدميرية الكبيرة، وإن كانت تزيد في تكاليفها. لم تعد هذه السلوكات تنطلي حتى على مناصري النظام فتوهمهم بأنه لا يزال قويا، كما لم تعد تجدي أيضا كرسائل موجهة للخارج تفيد بأنه لا يزال يملك أوراقاً كثيرة لم يلعبها. فروسيا والصين بدأتا تفكران جدياً في مرحلة ما بعد الأسد، والاقتراح الروسي بتوجيه نداء لإيقاف العنف في سوريا، لكي يتسنى إنشاء “جسم حكومي انتقالي” ينبغي وضعه في هذا السياق. وليس بعيداً عن هذا التفكير اقتراح إيران الحليف، الأقوى للنظام، بـ”هدنة بين المتقاتلين” لمدة ثلاثة أشهر من اجل أن تتاح فرصة للتفكير في حل سياسي.

جميع الوقائع على الأرض السورية تفيد بان النظام سائر إلى نهايته المنطقية بالسقوط، وأنه لم يعد أمامه سوى خيار سياسي واحد وهو الرحيل، وترك الشعب السوري يقرر مصيره بيده. من المؤسف حقا أن تكون المؤسسة العسكرية التي دفع الشعب السوري الغالي والنفيس من أجل بنائها، ويخصص لها ما يزيد على نصف ميزانية الدولة منذ أكثر من ستة عقود وحتى اليوم لتكون القوة التي تحمي الوطن وتحرر الأرض وتدافع عن الشعب، لا تزال هي القوة الوحيدة التي تحافظ على بقاء النظام رغم ما وجهه لها من إهانات عندما استطاع تحويل بعض منها إلى جهاز من أجهزته، وزجه في مواجهة الشعب. إن اليوم الذي تنتفض فيه هذه المؤسسة الوطنية في وجه النظام ليس ببعيد، فتاريخ هذه المؤسسة لا يسمح لها بالسكوت إلى ما لا نهاية على من هدر كرامتها وتشويه سمعتها في نظر شعبها بحرفها عن دورها الوطني.

إن السؤال حول حتمية سقوط النظام لم يعد مطروحاً، بل السؤال متى يسقط وبأي ثمن؟ ويبدو لي أن السؤال متى يسقط النظام؟ سوف يجد جواباً عنه قريبا،ً ربما خلال الأشهر القليلة المقبلة. ما ينبغي التفكير به جديا هو ثمن هذا السقوط وكيف يمكن خفضه إلى أدنى المستويات الممكنة. والثمن المقصود هنا ليس ما دفعه الشعب السوري حتى اليوم من شهداء ومعتقلين ومهجرين ومن دمار للممتلكات الخاصة والعامة، وهو ثمن باهظ بكل المقاييس، بل الثمن الذي من المحتمل دفعه في اليوم التالي لسقوط النظام.

ينبغي التفكير أولا بكيفية الحفاظ على الدولة ومؤسساتها ومنها بطبيعة الحال المؤسسة العسكرية.

وينبغي التفكير بحماية البنية التحتية للدولة سواء البنية التحتية المدنية أو العسكرية منها، فهي ضرورية لتأمين اشتغال الدولة ولتحرير أرضنا المحتلة بالطرق السياسية التفاوضية أو بغيرها.

وينبغي التفكير جديا أيضا بالمصالحة الوطنية، وبكيفية إعادة اللحمة والتماسك للمجتمع وإزالة الكثير من التشوهات التي تسبب بها النظام، وكيف يمكن إزالة الأوهام التي زرعها النظام في ذهنية كثير من “الأقليات” وعلى وجه الخصوص في ذهنية كثير من العلويين واقناعهم بأن لا خطر يهددهم في وجودهم بعد سقوط النظام، بل على العكس سوف يزداد دورهم السياسي والاجتماعي في ظل الديموقراطية.

هناك أسئلة كثيرة ينبغي التفكير بأجوبتها منذ اليوم، غير أن تشرذم المعارضة وتنافرها، ومحاولة البعض إعطاء الثورة الطابع الإسلامي المتطرف، إضافة إلى تنامي العنف الذي يغطي كامل المشهد السوري، ويجعل الجميع منشغلين فيه، لا تتيح للأسف فسحة مناسبة للتفكير بأجوبة عن كثير من هذه الأسئلة.

لذلك كله سوف تكون مساعدة الأشقاء العرب الحريصين على سوريا وشعبها وعلى دورها العربي والإقليمي، وكذلك مساعدة أصدقاء الشعب السوري الحقيقيين، ضرورية في هذا المجال. قد يكون من المفيد منذ اليوم مناشدة هذه الأطراف العربية والدولية عدم ترك الشعب السوري وحده بعد سقوط النظام كما تركته خلال صراعه معه. وإذا كنا نشتق لكم بعض العذر خلال المرحلة السابقة نظرا الى تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي المحيط بسوريا، فإننا لن نجد لكم أي عذر بعد سقوط النظام.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى