صفحات العالم

سوريا امتحان لـ”الحزم” العربي/ موناليزا فريحة

 

 

 

منذ ولايته الاولى، يحاول الرئيس الاميركي باراك أوباما دفع زعماء المنطقة الى تحمل مسؤولية أمنهم. امتنع عن ارسال قوات الى المناطق الساخنة، وأعلن مراراً رفضه الانجرار الى حرب برية أخرى في المنطقة. وقد تكرست سياسته الانسحابية هذه خصوصا في سوريا. حتى عندما انتهك الرئيس السوري بشار الاسد الخط الاحمر الاميركي باستخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه، لم يتزحزح عن موقفه ممتنعاً عن تسليح المعارضة. واللافت في مقابلته الاخيرة مع توماس فريدمان، أنه بدا كأنه يفتح الطريق أمام تدخل عربي عسكري في سوريا.

عندما تساءل أوباما حرفيا: “لماذا لا نرى عرباً يحاربون الانتهاكات الفظيعة التي ترتكب ضد حقوق الإنسان أو يقاتلون ضد ما يفعله الأسد؟”، هل كان حقاً يعطي ضوءا أخضر لتوسيع “عاصفة الحزم ” الهادفة الى وقف تمدد الحوثيين المدعومين من ايران، واعادة تنصيب حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي؟. أم أن كلامه كان مجرد تكيّف مع تحولات سياسية وميزان القوى الجديد الذي فرضته “الصحوة” العربية الاخيرة؟

لعلّ الثابت حتى الآن أن ثمة دينامية عربية جديدة تتزامن مع الاتفاق النووي بين ايران والغرب، وتتطلع الى ارساء واقع جديد لم تشهد المنطقة مثيلا له منذ زمن.

الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط كان طوال الجزء الاكبر من القرن العشرين رهناً بقوة خارجية. بعد حكم الامبراطورية العثمانية رسمت القوى الاوروبية حدود نفوذها. وخلال الحرب الباردة تقاسم المعسكران الهيمنة في المنطقة. ومنذ 1990، حضرت ديبلوماسية أميركا كما حروبها بقوة في أكثر من دولة وجبهة. راهناً، تمر المنطقة بأسوأ فتراتها منذ الحرب العالمية الثانية. كل دولها تقريبا متورطة في نزاع عسكري. الفوضى فيها خطيرة، والتحالفات كما العداوات المتشابكة وأحيانا المتناقضة تكاد تستعصي على أكبر خبراء الاستراتيجيا. التدخل الاميركي المباشر صار عبئا على المنطقة أكثر منه حلاً، نظرا الى العداء المستشري له بين شعوب المنطقة. لذا، صار الانخراط العربي المباشر الذي بدأ عسكريا في اليمن، ضرورة ملحة بعدما استباحت التنظيمات الجهادية المدن ووسعت طهران نفوذها في أكثر من دولة.

من السابق لاوانه تصوّر المنطقة تأخذ زمام أمنها بنفسها وتعتق نفسها من التبعية للخارج. غير أن الحركة العربية في اتجاه تركيا وباكستان بالتزامن مع “عاصفة الحزم”، تعكس مقاربة جديدة وحزما مستجداً للتعامل مع الازمات. وعلى أهمية هذه المبادرات في استيعاب نزاع اليمن قبل أن يتحول حرب افناء داخلية، تبدو الازمة السورية الاختبار الحقيقي لقدرة دول المنطقة على وضع خلافاتها جانباً وتجاوز تبايناتها ، وتاليا التحدي الرئيسي لـ”الحزم” العربي برمته.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى