صبر درويشصفحات الناس

سوريا: بروفات الحسم في ربيع المجاهدين/ صبر درويش

 تشير الملاحظة إلى بدء تفكك جبهات محيط العاصمة دمشق، وذلك بعد أكثر من عام على الصراع المحتدم بين قوات المعارضة، التي نجحت في بداية الأمر في فرض سيطرتها على اغلب محيط العاصمة من جهة، وبين قوات الأسد من جهة ثانية.

وعلى الرغم من كل الزخم الإعلامي والسياسي وحتى المالي الذي كان مرافقاً لهذه المعارك إلا أن قادة الألوية والتشكيلات العسكرية المعارضة المختلفة، لم يتمكنوا من التقدم لأكثر من حي جوبر شمال شرق العاصمة، وحي اليرموك في جنوبها، وبقيت “جيوب” عسكرية تابعة لقوات النظام خارج إطار هذه السيطرة، وبقيت هذه الجيوب أشبه بإسفين يخترق معظم الجبهات المحيطة بالعاصمة.

 ماذا حدث عبر هذه الأشهر الطويلة؟ ولماذا توقف “زحف” قوات المعارضة باتجاه وسط العاصمة دمشق؟ وهل مراوحة قوى المعارضة في مكانها عبر كل هذه الفترة كان نتاج قرار سياسي أم أنه ناتج عن طبيعة هذه القوى التي لم تتمكن من التقدم؟

 ثمة أسئلة مهمة تطرحها الأحداث التي جرت في هذه المنطقة، وما ترتب عليها من نتائج مست عصب الثورة في كل تفاصيلها، وساهمت في تشكيل ملامح المرحلة الراهنة.

 في مثل هذه الأيام من العام الماضي أطلقت واحدة من أكبر المعارك في الغوطة الشرقية، معركة ربيع المجاهدين، والتي شارك فيها أكثر من تسعة عشر تشكيلاً عسكرياً للمعارضة، من بينها التشكيلات الأقوى على الإطلاق، لواء تحرير الشام بقيادة النقيب فراس البيطار، ولواء الإسلام بقيادة زهران علوش، وجبهة النصرة وغيرها من التشكيلات المقاتلة.

 كان يفترض في هذه المعركة تحرير إدارة المركبات، وهي واحدة من أهم المواقع العسكرية التابعة للنظام، والواقعة في وسط مدينة حرستا والمطلة على مدينة عربين.

 في نهاية عام 2012 حاول “لواء الاسلام” بقيادة زهران علوش، اقتحام الإدارة، رافضاً في تلك الإثناء التنسيق مع أي جهة أخرى؛ إذ كان من الدارج في تلك الأثناء الحديث عن “الغنائم” والتي شكلت الدافع الأهم لشن المعارك ضد مواقع النظام، وكانت تشكل الإدارة ثروة منها، ومما أعطى علوش هذه الثقة في قدرته منفرداً على اقتحام الإدارة، كان النجاح الذي حققه في السيطرة على مطار مرج السلطان جنوب الغوطة الشرقية.

 يقول أبو ابراهيم، وهو أحد قادة المجموعات على جبهة حرستا، أثناء عملية ربيع المجاهدين “بشكل عام كان لدى جميع القادة وحتى المقاتلين الثقة التامة بسهولة اقتحام الإدارة، وكان الجميع مندفعا في هذا الاتجاه، وفعلاً بعد أيام من الحصار، تمكنا من اقتحام المعهد الفني العسكري الواقع على جبهة عربين، دخلنا المعهد ورأينا صناديق الذخيرة ملقاة على الأرض، سارع المقاتلون لجمع الذخائر بينما القادة الميدانيون سارعوا إلى التصوير والإعلان عن السيطرة على الإدارة”.

 وأضاف “ما هي إلا لحظات وبدأت نار جهنم تصب فوق رؤوسنا، قذائف من كل الأنواع، قذائف هاون، ومدفعية وراجمات، ومن كل الاتجاهات، كانت مجزرة حقيقية، لم ينجُ منها سوى القليل وكنت أنا من بينهم”.

 استمر الحصار لأشهر حتى اقتنعت قيادة “لواء الاسلام” باستحالة اقتحام الإدارة، فطلبت مشاركة باقي التشكيلات العسكرية الأخرى، وهو ما حدث فعلاً في منتصف شباط من العام 2013. أوكل للنقيب فراس البيطار مهمة قيادة العمليات الميدانية مع ثلة من الضباط المنشقين الآخرين.

 ظلّت التحضيرات على جبهتي حرستا وعربين مستمرة لأسابيع، وضعت المتاريس وشقت طرق الإمداد، وجمعت القوات وبدأ التحضير لواحدة من أضخم عمليات محيط دمشق على الاطلاق؛ وكان التركيز يجري على جبهة حرستا حيث تقع المباني الرئيسية لإدارة المركبات.

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه التحضيرات على جبهة حرستا، أتت الأوامر ببدء العمليات العسكرية انطلاقاً من جبهة عربين!

 اتخذ القرار خلال ساعات، ونقلت القوات لتتمركز في محيط المعهد الفني العسكري؛ كان حشد كبير من المقاتلين، وأنواع متعددة من الأسلحة بدءً بالبنادق وصولاً إلى الدبابات؛ ومع ساعات الفجر الأولى بدأت العمليات العسكرية، وقبل أن ينتصف النهار كانت قوات المعارضة تحقق تقدماً مهماً باتجاه إحكام السيطرة على المعهد الفني العسكري.

في هذا اليوم انتهت عمليات “ربيع المجاهدين”، ولم تحقق أياً من أهدافها. يقول عيسى، وهو أحد المقاتلين الذين شاركوا في هذه المعركة “كانت مجزرة بحق رفاقنا وأخوتنا، وحتى هذه اللحظة لا أعلم من اتخذ القرار ببدء المعارك ومن الذي اتخذ القرار في وقفها”.

 تشكل هذه الأسئلة هاجساً ومدخلاً مهماً في فهم آليات العمل العسكرية التي اعتمدها الكثير من قوات المعارضة؛ كما تحمل في طياتها اتهاماً خطيراً يوجه إلى القيادات، ويعيد النظر في آليات اشتغال عمليات التمويل ودور المال السياسي في صنع قرارات قوى المعارضة.

يمكن اختصار تلك الأسئلة بالقول، إن تلك القوات عليها أن تفتتح جبهات قتال كشرط للحصول على تمويل؛ وهنا يلعب الإعلام دوراً حاسماً، إذ غالباً ما يترافق مع هذه العمليات تغطية إعلامية من كافة القنوات الفضائية، وهو ما يشجع الممولين على إرسال دعمهم المالي.

 يقول أبو رامي، وهو واحد من الإعلاميين الذين شاركوا في تغطية معركة ربيع المجاهدين “بعد هذه المعركة شعرنا جميعنا بالخذلان، إذ كيف لنا أن نفهم كيف اتخذ قرار بدء العمليات وقرار إنهائها بين ليلة وضحاها؟ كنا نحضر على جبهة حرستا، وفجأة اتخذ القرار بالبدء من جبهة عربين، ولم يكن المقاتلون يعرفون المنطقة والطرقات بدرجة كافية، وسقط العشرات منهم من دون أن نحرز أي تقدم يذكر..، كل هذا أثار لدينا شكوكاً حول جدية القيادات العسكرية في قيادة المعارك وجدواها”.

 ويتابع “أكثر من معركة خاضها الشبان ودفعوا ضريبتها ليكتشفوا في ما بعد أنها لم تكن سوى عبارة عن بروفا للحصول على التمويل. هذا ما حصل في نيسان الماضي عندما تقدمت بعض الكتائب للسيطرة على طريق حرستا الدولي، وسقط حوالي المئتي شهيد، وبعدها انسحبت القوات انسحاباً تكتيكياً”.

 عشرات الشواهد تشير إلى أن الحصول على التمويل كان يقف وراء عدد كبير من المعارك، وأن هذا الفساد الذي جلبه المال السياسي كان له دور حاسم في قتل الروح الثورية لدى المقاتلين، وهو أحد أهم الأسباب التي تقف خلف عدم تقدم قوات المعارضة باتجاه دمشق، فذلك يصبح وفق هذه المعادلة من آخر همومها، إذ يسود هنا منطق أمراء الحروب على منطق الثوار. فيصبح البحث عن “الغنائم” والحصول على التمويل هو شاغل هؤلاء، والذين غالباً ما يكونوا خلف خطوط الجبهة في مأمن من النيران.

 ويبقى السؤال الذي يحتاج إلى إجابة: هل ان عدم اقتحام دمشق وإنهاء الصراع ناتج عن عجز قوى المعارضة وضعفها، أم ناتج عن غياب القرار السياسي الذي ترتهن له، الذي لم يعط التعليمات بعد ببدء هذا التقدم؟

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى